الطب > طب الأطفال

بيلة الفينيل كيتون و "حمية لمدى الحياة"

شهرُ وعيٍ عالميّ لمرضٍ واحد نادر! ولا تتجاوز نسبة المصابين به 0.01% من سكان العالم!! لماذا؟ ما هو؟ وهل يستحقّ تخصيصَ شهرٍ لتوعية الأرض كلّها عنه؟ كالعادة ننقل لكم في "الباحثون السوريون" ما لدى العلم في هذا الصدد....

في البداية يجب أن نوضّح أنّ العلمَ (الطب على وجه الخصوص هنا) لا يفرّق مرضاً نادراً عن شائعٍ؛ إذ تقتضي هذه المهنة دراسة وتحليل كلّ الأمراض طالما تهدد حياة الأشخاص بشكل أو بآخر! ولذلك حددت منظمة الصحة العالمية شهر أيار (مايو) شهراً للوعي العالمي لداء بيلة الفينيل كيتون PKU (Phenylketonurea)...

من أين جاءت التسمية؟

يتركّب هذا اللفظ من شقّين (بيلة) والتي تدل على ما يرتبط بالبول أو يعاير تركيزه فيه، و(فينيل كيتون) وهو اسم مركّبٍ كيميائي ينتجه الجسم في هذه الحالة الشاذّة فيتراكم ويخرج مع البول بكمياتٍ كبيرة يمكن معايرتها مخبريّاً، مما دفع بمكتشفه لتسميته بهذا الاسم!

متى؟ من؟؟ أين؟

يعود اكتشاف هذا المرض إلى الطبيب والكيميائي النرويجي Asbjørn Følling الذي وصف لأول مرة في عام 1934 مرضاً وراثيّاً يتميز بتأخر عقلي شديد ومشاكل حركيّة، مع إطراح زائد لمركّب بيروفات الفينيل (ويعرف أيضاً باسم فينيل كيتون) مع البول.

ما هو هذا المرض؟

بيلة الفينيل كيتون أو الـ PKU هي عيب ولاديّ يسبب تراكم حمض أميني يدعى الفينيل ألانين (Phe) في الجسم، ويعود هذا إلى طفرة تصيب المورثة المسؤولة عن تركيب الأنزيم المسؤول عن استقلاب هذا الحمض الأميني وتحويله إلى حمض التيروزين!

نعلم أنّ الأحماض الأمينية هي حجر الأساس لبناء البروتينات ذات الأهمّية الحيوية المعروفة لأجسادنا. وتكمن المشكلة هنا في الحمض الأميني "الفينيل ألانين" الذي يوجد في معظم الأغذية الحاوية على البروتين، والتي يسبّب تناولها مع الزمن مشاكل تطورية وسلوكية عديدة وخطيرة للمصابين بهذا المرض.

أعراض بيلة الفينيل كيتون:

لا يعاني حديثو الولادة المصابون بدايةً من أيّ أعراض، وهذا ما يجعل التشخيص يتأخر لبضعة أشهر على الأقل حيث تبدأ الأعراض بالظهور، وهي تتدرّج من الهدوء إلى درجات حادّة وتتضمن:

• التخلف العقلي

• مشاكل سلوكية واجتماعية

• نوبات اختلاجية (صرعية)، هزّات عصبية أو حركات نفضيّة للأطراف.

• النشاط المفرط

• ضعف النمو

• الإكزيما (الطفح الجلديّ)

• صِغَر الرأس (Microcephaly)

• قد يؤدي التراكم الشديد للحمض الأميني الفينيل ألانين إلى رائحةٍ عفنة للبول أو الجلد أو الفم.

• لون فاتح للجلد والعينين والشعر بسبب عدم إمكانية تحوّل الفينيل ألانين إلى صباغ الميلانين الذي يلوّن الجلد وقزحية العين.

يجدر التنويه إلى أنّ ترك المريض بدون علاج سيقود إلى أذيّة دماغية غير قابلة للعلاج، تسبب تأخراً عقلياً بدءاً من الأشهر الأولى من الحياة، تتطوّر إلى مشاكل سلوكية ونوبات عصبية عند الأطفال الأكبر سناً.

كيف يوَرّث؟

تحدث الطفرة المسببة على المورّثة* المسؤولة عن إنتاج الأنزيمٍ الذي يستقلب الحمض الأميني الفينيل ألانين، وتورّث هذا الطفرة وفق النمط الجسمي المتنحّي، أي أنّ المورثة موجودة على أحد الصبغيات* أو الكروموزومات الجسمية، وصفة المرض فيها غير سائدة على صفة الصحة، ولكنها إن وجدت تسبب عوزاً (أي نقصاً) كاملاً أو شبه كاملٍ للأنزيم وهو عوزٌ غير قابل للتعويض حتى يومنا هذا!

بعبارة أخرى، كي يرث الطفل هذا المرض عن أبويه يجب أن يكون كلاهما حاملاً للمرض في مادته الوراثية، وهذا لا يعني بالضرورة كونه مصاباً به.

الفحوصات والتشخيص:

يمكن بفحص دم المولود حديثاً تحديد أغلب حالات الـ PKU. تقوم جميع الولايات الأمريكية وغيرها من الدول (سوريا ليست ضمنها) بفحصٍ روتيني للمولودين حديثاً من أجل التحقق من إصابتهم بالـ PKU.

قد يتطلب تأكيد التشخيص تحاليلَ مخبريّةً أخرى، على عينات من الدم أو البول. قد تخضع الأم وطفلها أيضاً لفحصٍ وراثيّ شامل يكشف كل الطفرات في جينومهما*.

إذا أظهر فحص الدم لدى الطفل مستوياتٍ مرتفعة من الفينيل ألانين، فإنه سيحتاج لحمية قاسية وبعض المكملات الغذائية والأدوية كما سنرى الآن...

العلاج والحمية:

يستخدم الخبراء والأطباء اليوم مصطلح "حمية لمدى الحياة أو A Diet for Lifetime"، ذلك لأن العلاج يكمن في حمية قاسية تُقصي كل الأطعمة المحتوية على الفينيل ألانين بتراكيز مرتفعة. وهنا نقصد طيفاً واسعاً جداً من الأطعمة متضمناً الحليب والبيض والجبن وفول الصويا والمكسّرات والحبوب والدجاج واللحوم والشوكولا والبيرا... نعم إنه تحدٍّ كبير مدى الحياة لهؤلاء المرضى!

نذكر هنا أن الكمية المسموحة من الفينيل ألانين في الطعام تختلف من مريضٍ لآخر حسب قدرته على التحمل وهذا ما يحدده أخصائيّ الأغذية حصراً وفق تحاليلَ مخبرية.

أما الدواء الوحيد المصرّح به اليوم من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (الـ FDA) فهو الدواء المسمى كوفان | Kuvan (وهو Saproprotein Dihydrochloride)، ويعمل على زيادة القدرة على تحمّل الفينيل ألانين لدى المرضى. ولكن للأسف تختلف شدة الاستجابة له من شخصٍ لآخر مما يبقي الحمية الحلّ الوحيد والأمثل حالياً لهذه الحالة.

تواصل عبر العالم:

هذه الفقرة خصصناها من "الباحثون السوريون" لكلّ من لديه مريض؛ صغيراً كان أم كبيراً، مصاباً بهذا الاضطراب للتواصل مع شبكة كبيرة من المصابين والمهتمين به على شبكات التواصل الاجتماعي.

فأثناء إعداد حلقةِ بحثٍ سابقة عن المرض في مثل هذا الشهر من العام الماضي (أُعدَّت لصالح كلية الطب في جامعة تشرين – قسم التشريح والجنين والنسج – مخبر الجنين الطبي وبإشراف الدكتور محمد حرفوش) التقينا بشابٍ أمريكي يقارب عمره اليوم ال33 عاماً، يدعى Kevin ALEXANDER وقد شُخّص بهذا الاضطراب في عمر ال9 أيام! وهو اليوم يعيش حياةً طبيعية ملتزما بحميته طبعاً ويعمل مصوّر فيديو، كما أسّس شركة إنتاجٍ خاصة به ينتج من خلالها أفلاما قصيرة عن حياة من يسميهم الـ PKUers أو مصابو بيلة الفينيل كيتون وعن فحص حديثي الولادة... وقد ساعدنا جداً عبر توجيهه لنا إلى بعض المصادر الموثوقة كما تطوع بإجراء لقاءٍ مطوّل عبر سكايب للتحدث عن تجربته مع هذا المرض لجمهور جامعة تشرين العلمي... وقد عبّر اليوم عن سروره وامتنانه بأن تترجم "الباحثون السوريون" أياً من فيديواته، كما ويسرّه عبر موقعنا أن يدعو الناس للاطلاع على النشاطات التي يقوم بها عالمياً للتوعية من أجل هذا المرض والتواصل مع المرضى أو ذويهم المهتمين.

على كل من لديه استفسار أو لا يستطيع تكلم الإنكليزية أن يراسل "الباحثون السوريون" لأي استفسار كان ونحن سنساعده في ذلك...

*انظر المقالة التالية لشرح أوفى عن مفاهيم المورثة والصبغي والجينوم:

هنا

موقع PKU Life لـ كيفن ألكساندر :

هنا

صفحة الفيس بوك :

هنا

المصادر

هنا

هنا