الغذاء والتغذية > رحلة الغذاء

ما الفرق بين السمنة والزبدة؟ وأيهما الأفضل لصحتنا؟

يستخدم كثيرٌ من الأشخاص السّمنة مكوّنًا أساسيًّا في بعض الأطباق التي يعدّونها، في حين يُفضِّل آخرون استخدامَ الزبدة؛ ولكن ما الفرق بينهما؟ ومتى تكون إحداهما أفضل من الأخرى؟

سنحدثكم في هذا المقال عن تأثير طريقة تصنيع السمنة الحيوانية من الزبدة الحيوانية في خصائص السمنة الناتجة واختلافها عن خصائص الزبدة، إضافةً إلى تأثير تلك العملية في الجودة الغذائية لهما، وسنأخذ من السمنة والزبدة المصنوعتَين من حليب البقر مثالًا لذلك.

 

تُعرَّف السّمنة بأنها نوعٌ من أنواع الزّبدة المنقّاة Purified، ويمكن الحصول عليها عن طريق تسخين الزّبدة حتى تبدأ بالذوبان والانفصال إلى طورين؛ طور الدهون السائلة، وطور جوامد الحليب اللادهنية Non-fat milk solids، وتشمل الكازئين واللاكتوز وبروتينات المصل والعناصر المعدنية. وباستمرار التسخين؛ تتكرمل جوامد الحليب وتترسب في الأسفل مُشكِّلةً طبقةً صلبةً يسهل فصل الجزء السائل عنها (1,2,3).

 

يمكن أن تصنع السمنة في المنزل باستخدام الزّبدة غير المملَّحة، وذلك بإذابتها ببطء وقشد الجزء الصّلب الذي يتجمّع على سطحها، ومن ثمّ إكمال تعريضها للحرارة حتى تتجمَّع جزيئات الحليب الصّلبة في القاع ويبقى الجزء السّائل رائقًا، يستمر التسخين عدة دقائق إضافية حتى يتحول لون الجوامد الصلبة في الأسفل إلى اللون البني، ومن ثم يُصفّى السائل ويترَك ليبرد ويتصلَّب (1). ويمكنكم قراءة المزيد عن طرائق صناعة السمنة المختلفة في مقالنا السابق هنا;

 

تأثير التسخين في خصائص المنتج:

يؤدي تسخين السّمنة إلى إكسابها نكهةً أقوى ولونًا أغمق من الزبدة (1)، ونتيجة استبعاد الشوائب والعناصر المعدنية وغيرها من جوامد الحليب اللادهنية في أثناء التسخين والفصل، نجد أن السّمنة تتَّصف بدرجتي تدخين Smoking point واحتراق Burning point أعلى من الزبدة (1)؛ إذ يمكن للزبدة أن تصل إلى درجة التدخين والاحتراق عندما تقترب درجة الحرارة من 177 درجة سيلسيوس (350 درجة فهرنهايت)، أما السمنة فيمكن أن تتحمل درجات تصل إلى 252 درجة سيلسيوس (485 درجة فهرنهايت)؛ وبمعنى آخر فإنَّ السمنة لا تحترق بسرعة؛ الأمر الذي يجعلها مناسبة لقلي الطعام والتشويح (القلي الخفيف) أكثر من الزبدة. إن ارتفاع درجة تدخين السمنة واحتراقها يؤدي إلى انخفاض تشكُّل الأكريلاميد عند استخدامها في عمليات الطهي (2).

ويمكنكم معرفة مزيدٍ من المعلومات عن الأكريلاميد وتأثيراته الحقيقية في الصحة بقراءة مقالنا السابق هنا

تأثير التسخين في تركيب المنتج ومكوناته:

يؤدي فصل الطور المكون من الدهون السائلة عن جوامد الحليب اللادهنية إلى انخفاض محتوى السمنة من اللاكتوز مقارنةً بالزبدة (1,2)، وينطبق الأمر ذاته على محتوى السمنة من البروتينات. ونظرًا إلى أن كلا المنتجين مشتقّان من حليب البقر؛ فإن تركيب الأحماض الدهنية لهما يكون متشابهًا نسبيًّا أيضًا (1). 

كذلك يوجد اختلاف طفيفٌ بين محتوى السمنة والزبدة من السعرات الحرارية؛ إذ تحتوي ملعقة واحدة من السمنة (وزنها 12.8غ) على 112 سعرة حرارية، في حين تحتوي الكمية نفسها من الزبدة (وزنها 14.2 غ) على 102 سعرة حرارية. ويُلاحظ أمرٌ مشابه فيما يخص محتوى الحموض الدهنية أيضًا؛ إذ تحتوي ملعقة من السمنة على 8غ من الحموض الدهنية المشبعة و3.6غ من الحموض الدهنية الأحادية العديمة الإشباع و0.47غ من الحموض الدهنية المتعددة العديمة الإشباع (4)، في حين تحتوي ملعقة من الزبدة على 7غ من الحموض الدهنية المشبعة، و3.3غ من الحموض الدهنية الأحادية العديمة الإشباع و0.42غ من الحموض الدهنية المتعددة العديمة الإشباع (5).

الدهون والصحة:

نظرًا إلى أن الدهون هي المكون الأساسي في السمنة والزبدة، فإنه لا بدَّ من معرفة المعلومات التي تخص علاقة الدهون بالصحة، فالدهون ليست ضارةً دائمًا، بل إنها تشكل جزءًا أساسيًا من الحمية الصحية لكل شخص، وتعدُّ الحموض الدهنية الأحادية العديمة الإشباع MUFA والمتعددة العديمة الإشباع PUFA من أنواع الدهون الضرورية للحفاظ على مستويات منخفضة من الكوليسترول وتعزيز صحة القلب، وتوجد هذه الأنواع من الدهون غير المشبعة في الزيتون والمكسرات والبذور والأسماك، لكن ذلك لا يعني أن الدهون المشبعة ليست ضرورية أيضًا، بل إنها تشكل جزءًا من تلك الحمية الصحية أيضًا، وتوجد هذه الدهون عادةً في المنتجات الحيوانية (1,2)، لكن يكمن الفرق في ضرورة استهلاك الدهون المشبعة ضمن حدود مضبوطة للحدِّ من مخاطرها في تطوير الأمراض القلبية وارتفاع كوليسترول الدم.

وحسب التوجيهات الغذائية الصادرة عن وزارة الزراعة الأمريكية USDA، يجب ألا تتجاوز كمية الدهون الكلية 35% من السعرات الحرارية، شريطةَ ألا تزيد الدهون المشبعة عن 10% من السعرات الكلية أيضًا (6)، في حين تنصح جمعية القلب الأمريكية بألا تزيد كمية الدهون المشبعة على 5-6% من السعرات الكلية (2).

 

التأثيرات الصحية للسَّمنة والزبدة:

- صحة القلب:

هناك جدلٌ دائم يحيط بتأثيرات الزّبدة والسّمنة والخيار الأكثر ملاءمةً للصحة بينهما، وقد تحرَّت عدة دراساتٍ تأثير السمنة في خطر الإصابة بأمراض القلب، واستُنتِج في إحداها عام 2010 أن السّمنة قد ترتبط بارتفاع خطر الإصابة بمرض القلب التّاجي (Coronary Artery Disease - CAD)؛ الأمر الذي يرتبط أيضًا بارتفاع الكولسترول في الدّم ويمكن أن يؤدّي إلى تشكّل اللّويحات على جدران الأوعية الدّموية (1)، علمًا أن تلك الدراسة كانت قد أُجريت على فئران التجارب التي غُذيت وفق حميةٍ غذائيةٍ تحتوي على السمنة بنسبة 10%، واستمرت التجربة مدة 4 أسابيع تبيَّن بعدها أن تلك الكمية المتناولة أثرت في الشحوم الثلاثية، لكنها لم تؤثر في الكوليسترول الكلي في مصل الدم (7). 

 

من جهةٍ أخرى، أظهرت دراسةٌ أجريت عام 2018 في الهند -التي يُعرف عن شعبها كثرة استهلاكه للسَّمنة- أنّ مستويات الدّهون والكولسترول في الدّم كانت أفضل لدى الأشخاص الذين يتناولون كميات من السمنة في حميتهم الغذائية مقارنةً بزيت الخردل، وبينت النتائج انخفاض الكولسترول السيِّئ LDL وارتفاع الكولسترول الجيّد HDL لديهم. يُذكر هنا أن استهلاك بعض أنواع زيت الخردل ممنوعٌ في بعض الدول بسبب احتوائه على حمض الإيروسيك Erucic acid الضار (8).

 

أمَّا ما يخص الزّبدة الحيوانية، فتتميز عن الزبدة النباتية (المارغرين) بأنها خالية من الدهون المتحولة Trans fat الضارة بالصحة، علمًا أن الدهون المتحولة ترتبط بالإصابة بداء السكري من النمط 2 وتضيق الأوعية الدموية وأمراض القلب. لكنَّها تحتوي -كما ذكرنا- على نسبةٍ مرتفعةٍ من الدّهون المشبَعة، الأمر الذي يمكن أن يؤدّي إلى ارتفاع كولسترول الدّم وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب إن لم تؤكل باعتدال (1,2).

 

- صحة الجهاز الهضمي والمعاناة من عدم تحمل مشتقات الحليب:

كما ذُكر أعلاه، تحتوي السمنة على كمياتٍ أقل من سكر اللاكتوز، وبروتينات الحليب؛ مثل الكازئين Casein مقارنةً بالزبدة؛ ما يجعلها مناسبةً لمرضى عدم تحمل اللاكتوز، ومرضى عدم تحمل الكازئين الذين يبحثون عن بدائل مناسبة غير الزبدة (1).

من جهةٍ أخرى، تحتوي كل من السمنة والزبدة على حمضٍ دهني مهم يُدعى حمض البيوتيريك Butyric acid؛ وهو من الأحماض الدهنية التي تؤدي دورًا أساسيًّا في صحّة الجهاز الهضميّ، وقد يمتلك خصائصَ مضادةً للالتهاب، لكنَّ الجدير بالذكر هنا أن كمية البيوتيرات الموجودة في الأمعاء الغليظة تنتج من تخمّر الألياف في القولون بفعل الأحياء الدقيقة الطبيعية الموجودة فيه بكمياتٍ أكبر مما تسهم فيه الحمية الغذائية، لذا فإن المرء ليس مضطرًا لتناول تلك الدهون للحصول على البيوتيرات (1)، بل إن زيادة المدخول من الألياف قد يكون أكثر فعاليةً في الحصول على البيوتيرات التي يحتاجها الجسم للمحافظة على صحة الجهاز الهضمي (9).

 

ماذا علينا أن نختار إذًا؟

إذا كنت تعاني حساسيةً أو عدمَ تحمل اللاكتوز أو بروتينات الحليب، أو كنت شخصًا يفضل الأطعمة المطهية بطرائق تتطلب استخدام درجات حرارة عالية جدًّا، فإن السمنة تعدُّ الخيار الأمثل لك بسبب ارتفاع نقطة التدخين الخاصة بها (2). أما إذا كنت لا تعاني حالةً صحية خاصة، فتذكَّر أن السمنة والزبدة متقاربتان في محتواهما من السعرات الحرارية ونوعية الحموض الدهنية فيهما، وهما مصدرٌ أساسي للأحماض الدهنية المشبعة (1)، لذا مهما كان اختيارك عليك أن تتخذه بحذر مع الانتباه لمدخولك العام من السعرات الحرارية ومحتوى وجباتك من المجموعات الغذائية الأساسية المختلفة.

المصادر:

1-هنا

2-هنا

3-هنا

4-هنا

5-هنا

6-هنا

7-هنا

8-هنا

9-هنا