الهندسة والآليات > الالكترونيات

التاتو الإلكتروني E-tattoo

التوجّه الحديث في تطوير التكنولوجيا إلى خدمة الإنسان بشتى المجالات لم يكن حكرًا ضمن مجال ما؛ فحتى فكرة التاتو التقليديَّة (الوشم) كانت إلهامًا للباحثين في المجالات الهندسيَّة والطبيَّة. 

نتناول في بداية مقالتنا مشروع ديرمال أبيس DermalAbyss، وهو نتاج التعاون بين باحثين من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT وكلية الطب في جامعة هارفرد، والذي قدّم منهجًا جديدًا للواجهات الحيوية عبر جعل الجسم البشري مثل شاشة عرضٍ تفاعليّةٍ، وذلك باستبدال الحبر التقليدي المستخدم في التاتو بحسّاسات حيويّة تتغيّر ألوانها استجابةً للسائل الخلالي أو النسيجي interstitial fluid، مما يُظهر مباشرةً نتائج مجريات العمليّات الأيضيّة في الجسم على شكل تاتو، وبذلك يفيد في التطبيقات التي تتطلّب مراقبةً مستمرّة مثل: التشخيص الطبي، وجمع البيانات الحيويّة المهمّة للأشخاص المهتمّين بمتابعة حياتهم وتحسينها باستخدام التكنولوجيا؛ إذ بإمكان مرضى السكري مراقبة تغيّرات الغلوكوز في جسمهم عبر تاتو متغيّر اللون من الزهري إلى البنفسجي مُعلنًا حاجة الجسم للأنسولين.

ومع تقدّم مجال التقنيّات الحيويّة لم يتطوّر هذا المشروع منذ عام 2017 إلى أكثر من ذلك، ولم يصبح منتجًا متاحًا ليُستخدم في العيادات حتى يومنا هذا.[1]

أمّا مثالنا الآتي هو ورقة بحثيّة نُشرت عام 2018، وتطرّقت إلى موضوع الوشم الإلكتروني من زاوية إبداعية بصورةٍ مشابهةٍ للطّبعات التزينية للأطفال التي بمجرد ما مسحتها ببعض الماء تلتصق بالبشرة؛ إذ طور باحثون من كلية الهندسة بجامعة كارنيجي ميلون Carnegie Mellon في قطر، ومعهد النظم والروبوتيك في جامعة كويمبرا Coimbra في البرتغال ضمن مشروع ستريشتونكس Strechtonics project (واحد من المبادرات البحثية لبرنامج كارنيجي ميلون البرتغال)؛ تاتو إلكترونيًا، وهو عبارة عن دارات مصنوعة من جزيئات نانوية من الفضّة، مطبوعة على مادة ورقية والتي تُلصق بدورها على جلد الإنسان بالطريقة نفسها التي يلصق فيها وشم الأطفال من خلال تبليلها بالماء.[3]

وذكر محمود توكلي الأستاذ المساعد لقسم الهندسة الميكانيكية، ومدير مختبر الآلات البرمجيّة لجامعة كارنيجي ميلون CMU أنّ هذا التاتو يُعدّ إنجازًا مسبوقًا في الإلكترونيّات المطبوعة،  فهذه المرة الأولى التي يُمكن تحويل الجزيئات النانوية للفضّة إلى الحالة الصلبة (Sintering) بدرجة حرارة الغرفة باستخدام خليط الغاليوم إنديوم المعدني، مما يجعل هذه التقنيّة متوافقة مع المواد الرقيقة والحسّاسة للحرارة كونها أُنجزت في درجة حرارة الغرفة.[3]

بإمكاننا تخيّل التكلفة القليلة لتصنيع مثل هذه الوشوم الإلكترونية، والتي  تؤمن استعمالات وفوائد عديدة؛ فلها خواص الأقمشة الخفيفة الوزن التي تحافظ على وظيفتها مهما تعرّضت لانحناء وثني، ويجعلها ذلك تلائم بشرة الإنسان، وتشمل تطبيقاتها: المراقبة الحيوية للجلد، مجال الروبوتات المرنة Soft Robotics، وشاشات العرض المرنة، والأجهزة الإلكترونية ثلاثية الأبعاد القابلة للانتقال.[3]

مثالنا الأخير يمثّل المقولة "الحاجة أمّ الاختراع".

تعدُّ أمراض القلب والأوعية السبب الرئيسِ للوفاة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ قُدّر عدد الوفيّات وفقًا لإحصائيات المركز الوطني للإحصائات الصحية بأكثر من 45 ألف حالة وفاة في عام 2017 في ولاية تكساس، فعمل مهندسو جامعة أوستن بقيادة الأستاذة المساعدة نانشو لو Nanshu Lu في كلية كروكيل للهندسة على تطوير جهاز قابل للارتداء يعتمد في صناعته على مادة الغرافين، الذي يوضع على الجلد لقياس استجابات الجسم التي تتنوع من الإشارات الكهربائية لإشارات النشاط الحيوي، ويمكن وضعه على القلب لفترات طويلة دون إحساس المريض بالانزعاج؛ إذ يتميز التاتو الإلكتروني الخاص بفريق Lu أنّه من مادة لدنة تُدعى ثنائي فلوريد متعدد الفينيليدين (PVDF polyvinylidene fluoride) القادرة على توليد شحنتها الكهربائية استجابةً للضّغط الميكانيك، ممّا يجعلها مريحة للارتداء، فهو قابل للتمدّد، وخفيف الوزن.

يُعدّ هذا التاتو الإلكتروني التكنولوجيا الأولى القابلة للتمدد، والرقيقة جدًّا التي  تقيس إشارتي القلب ECG (قياس النشاط الكهربائي للقلب مع كل نبضة) وSCG (تقنية قياس تعتمد على اهتزازات الصدر المتعلقة بنبضات القلب) معًا؛ إذ إنَّ قياسهما معًا يعطي دقةً في البيانات المحددة لصحة القلب.[2]

قد تفوق مميّزات التاتو الإلكتروني الجهازَ الإلكتروني الذي يؤدي الوظيفة ذاتها، والذي يحتلّ حيّزًا ماديًّا[2]، فما رأيكم بجعل كل الأجهزة الإلكترونية وشومًا إلكترونيّة مستقبلًا؟

المصادر: 

1- هنا

2- هنا

3- هنا

الدراسات المرجعية: 

Ha T, Tran J, Liu S, Jang H, Jeong H, Mitbander R et al. A Chest‐Laminated Ultrathin and Stretchable E‐Tattoo for the Measurement of Electrocardiogram, Seismocardiogram, and Cardiac Time Intervals. Advanced Science. 2019;:1900290.

هنا