الكيمياء والصيدلة > تأثير أدوية

هل مضادات الالتهاب غير الستروئيدية جميعها متشابهة؟

يوصي سلم تسكين الآلام لمنظمة الصحة العامية بالباراستيامول أو مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية بوصفه الخيار الأول لتسكين الآلام. 

وتعتمد الفعالية النسبية للباراسيتامول ومضادات الالتهاب غير الستيروئيدية على الحالة الكامنة التي تسبب الألم؛ إذ تُعد مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية أكثر فعالية من الباراسيتامول في علاج الحالات الالتهابية؛ مثل النقرس أو التهاب المفاصل الروماتويدي، وفي علاج آلام الأسنان والدورة الشهرية.

وتتكافأ فاعلية الباراسيتامول ومضادات الالتهاب غير الستروئيدية في تسكين صداع التوتر وآلام ما بعد جراحة العظام. 

أما بالنسبة إلى المرضى الذين يعانون آلامًا مزمنة لا علاقة لها بالسرطان، فإنَّ الديكلوفيناك يحسِّن النتائج الوظيفية أكثر من المُسكِّنات الأفيونية؛ مثل أوكسيكودون والمورفين عدا الترامادول الذي يملك قدرةً أكبر لتخفيف درجات الألم العالية. 

ونظرًا إلى عدة أسباب تشمل الافتقار إلى أدلة عن مدى فعالية المُسكِّنات الأفيونية على المدى الطويل، وآثارها الجانبية وطبيعتها التي قد تؤدي إلى الإدمان، فإنَّنا نجد اتجاهًا للابتعاد عن الاستخدام المزمن للأفيونيات.(1)(2)

أما الأدوية المضادة للالتهابات غير الستيرويدية (NSAIDs) فهي مجموعةٌ غير متجانسة من مُسكِّنات الألم غير الأفيونية المضادة للالتهاب، وبعضها لا يحتاج إلى وصفة طبية بعكس بعضها الآخر. وهي تستهدف عمل أنزيمات الأكسدة الحلقية COX بنوعيها؛ COX-1 وCOX-2، وهي إنزيمات تشارك في إنتاج البروستاغلاندين.

ويوجد COX-1 في معظم أنسجة الجسم، ولكنَّ دوره الأهم يكمن في تأمين حماية الغشاء المخاطي للمعدة بتنظيم إفراز المخاط الواقي، وتكدُّس الصفيحات الدموية. 

ويكمن الدور الأساسي لـCOX-2 في المقابل في الاستجابة الالتهابية لأنواع الخلايا على اختلافها، بالإضافة إلى دورها في الوقاية الوعائية وتنظيم تدفق الدم إلى الكلى.

ويمكن تصنيف مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية ضمن 3 فئات استنادًا إلى انتقائية COX-2:

غير انتقائية (إيبوبروفين، نابروكسين)، انتقائية COX-2 (سيليكوكسيب)، وانتقائية جزئيًّا (ميلوكسيكام ، ديكلوفيناك).(1)(2)

وتعتمد قدرة مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية المُسكِّنة على تثبيطها لـCOX-2، فعند استخدامها فترات قصيرة -أقل من 6 أشهر- تكاد الاختلافات ما بينها تختفي، علمًا بأنَّ الديكلوفيناك بجرعة 150ملغ أظهرَ تفوقًا سريريًّا على بقية أفراد مجموعته من ناحية الفعالية المُسكِّنة للألم وتحسين الوظائف الجسدية لدى مرضى الفصال العظمي.(2)

إذًا، ما الذي يدفع إلى استخدام أحد مضادات الالتهاب الستيروئيدية دون غيره؟ إنَّ ذلك يحدث بناءً على الآثار الجانبية المرافقة والقصة السريرية للمريض والحركية الدوائية للدواء المُختار.

الآثار الجانبية المعوية:

ترتبط الآثار الجانبية المعوية لمضادات الالتهاب غير الستيروئيدية ارتباطًا مباشرًا بتثبيط أنزيم COX-1 والانتقائية فحسب لـCOX2؛ إذ إنَّ تثبيط إنزيم COX-1 يقلل من إفراز المخاط الواقي للمعدة والأمعاء ويزيد من احتمال حدوث قرحات الجهاز الهضمي؛ النزيف أو الانسداد.

وتزيد الآثار الجانبية المعوية اعتمادًا على الجرعة للديكلوفيناك بضعفين وأربع أضعاف للايبوبروفين والنابروكسين، وعند استخدام مضادات الالتهاب غير الستروئيدية ذات عمر نصف طويل أو ذات تركيبة طويلة المعفول.(2)(1)

ووجود بعض عوامل الخطر يمكن أن يزيد من احتمالية التسبُّب بالآثار الجانبية المعوية لمضادات الالتهاب غير الستروئيدية(1): العمر فوق 65 سنة، ووجود ردود الفعل سلبية سابقة على مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية، واستخدام الأدوية الأخرى التي قد تؤدي إلى تفاقم أيَّة آثار ضارة في الجهاز الهضمي؛ كمضادات التخثر ومثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) والستيروئيدات القشرية ومرض الكبد ومرض الكلى المزمن (CKD) والتدخين أو استهلاك الكحول المفرط. 

بالإضافة إلى أنَّ  استخدام مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية غير الانتقائية ومثبطات COX-2 في الأشخاص المصابين بالتهاب القولون التقرحي ومرض كرون قد يتسبب في تفاقم الأعراض.

خطر الآثار الجانبية على القلب والأوعية الدموية:

على الرغم من أنَّ احتمالية حدوث الآثار الجانبية المعوية تقل عند استخدام cox-2 الانتقائية، ولكنَّ هذه الفئة تُوصَف بحذر على المدى الطويل  للأشخاص الذين يعانون من مخاطر قلبية وعائية مرتفعة، خاصةً إذا كانوا قد تعرضوا إلى حدث سابق في القلب والأوعية الدموية؛ إذ أصدرت جمعية القلب الأمريكية عام 2007 تحديثًا يوصي بتجنب مثبطات COX-2 الانتقائية في المرضى الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية أو المعرضين لخطر كبير. 

وعززت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية تحذيرها من مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية عدا الأسبرين عام 2015.

ويُعتقد بأنَّ ذلك يعود إلى النسبة التي تثبِّط بها مضادات الإلتهاب الستروئيدية المختلفة كلًّا من COX-1 وCOX-2، وتحدد هذه النسبة احتمالية حدوث آثار جانبية على القلب والأوعية الدموية عن طريق التأثير في تراكم الصقائح الدموية. 

فعلى سبيل المثال؛ إذا ثُبِّط COX-1 تثبيطًا ضعيفًا، وثُبِّط COX-2 بشدة، يزداد خطر تجلط الدم، باستثناء النابروكسين حتى 1000 mg في اليوم أو الإيبوبروفين حتى 1200 mg في اليوم؛ إذ يثبط النابروكسين COX-1 فترةً طويلة بشديدة تمنع تنشيط الصفائح الدموية، وتوازن تأثير تجلط الدم الناتج عن تثبيط COX-2 موازنةً فعالة.

وبدأ هذا الخطر المتزايد في غضون الأسبوع الأول من العلاج، وهو يُترجم إلى ثلاثة أحداث إضافية في الأوعية الدموية لكل 1000 مريض في السنة.

ووجد أنَّ استخدام مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية يضاعف من خطر دخول المستشفى تقريبًا بسبب فشل القلب وزيادة ضغط الدم الانقباضي بمعدل 2- 3 mmHg. 

وقد يكون تأثير مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية في ضغط الدم أكثر دراماتيكية عند الأشخاص الذين يعانون من قبل ارتفاعَ ضغط الدم والأشخاص الذين يتناولون أدوية لعلاج ارتفاع ضغط الدم، فيجب مراقبة ضغط الدم في المرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم والمرضى الأكبر سنًّا في أثناء الشهر الأول من بدء علاج NSAID طويل الأجل، ومن ثم مراقبته مراقبةً روتينية فيما بعد.(2)(1) 

قصور الكلى الحاد: (2)

لا يؤدي البروستاجلاندين دورًا مهمًّا في ديناميكا الدم في الكلى في الأفراد الأصحاء، ومع ذلك، يُزاد تخليق البروستاجلاندين في وضع تضيُّق الأوعية الدموية فترات طويلة؛ للحفاظ على معدل الترشيح الكبيبي.

وإنَّ استخدام NSAID فترات طويلة يمكن أن يحدَّ من تخليق البروستاجلاندين دون المستوى المطلوب؛ ممَّا يؤدي إلى إصابة كلوية حادة. 

وهذه العلاقة بين استخدام مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية عمومًا وإصابة الكلى الحادة راسخةٌ؛ إذ أفادت مراجعةٌ منهجية تقارن مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية الفردية عدمَ وجود فرق كبير فيما يتعلق بخطر الإصابة الكلوية الحادة، وعلى الرغم من ذلك فقد لوحظت مخاطر مرتفعة لمضادات الالتهاب غير الستيروئيدية الانتقائية والانتقائية جزئيًّا (ديكلوفيناك، ميلوكسيكام، سيليكوكسيب).

الحركية الدوائية:

يمكن تقسيم مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية إلى مضادات التهاب غير الستيروئيدية قصيرة المفعول مع عمر نصف أقل من ستة ساعات، ومضادات الالتهاب غير الستيروئيدية طويلة المفعول. فمضادات الالتهاب غير الستيروئيدية ذات عمر النصف القصير مثل: الايبوبروفين سريع المفعول نسبيًّا، والذي يُعد الخيار الأنسب لعلاج الألم الحاد. 

أما مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية ذات المفعول الأطول كالنابروكسين، فتُعد الخيار الأنسب لعلاج الحالات المزمنة، فهي تؤخذ مرة أو مرتين في اليوم. (1)(2) 

إذًا، يُعد مضاد الالتهاب غير الستيروئيدي المثالي هو الأكثر للـ COX-2 مقارنة بـCOX-1، فيحقق مستويات تثبيط COX-2 اللازمة لتحقيق تخفيف الألم مع التقليل إلى أدنى حد من احتمال ضرر للقلب والأوعية الدموية المرتبط بتثبيط COX-2 المستمر. (3)

وهناك عديد من الخيارات المناسبة من مضادات الالتهاب غير الستروئيدية، ويُعد الديكلوفيناك أقل خيار يؤثر في الجهاز الهضمي، في حين أنَّ النابروكسين الأقل تأثيرًا في القلب والأوعية الدموية. وباختصار، يجب على العاملين في المجال الطبي أن يأخذوا بعين النظر خطرَ نزيف المريض؛ أي مخاطرَ على القلب والأوعية الدموية، وتكرار الجرعات للمساعدة في توجيه العلاج المناسب.(2)

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا