الهندسة والآليات > الروبوتات

طائرة وليست طيرًا

استوحى الإنسان فكرة الطيران الأولى من الطيور؛ إذ حاول عديدٌ من العلماء مثل عباس بن فرناس وليوناردو دافنشي مراقبة حركتها وتقليدها، وانتهى المطاف بهم باختراع الطائرة، ولكن حركة الطائرة ليست مشابهة تمامًا لحركة الطيور؛ إذ إنَّ أجنحة الطائرة لا تمنح الطائرة القدرة على المناورة والحركة بانسيابية كما تفعل الطيور مُحلِّقةً في الجو.

آلية عمل أجنحة الطائرات

تُصمَّم أجنحة الطائرة بحيث تُصبح حركة الهواء على الجزء العلويِّ للجناح أسرع من الجزء السفلي، ومع ازدياد السرعة يقل الضغط؛ ممَّا يجعل الضغط فوق الجناح أقل مما هو عليه أسفل الجناح، ويُحدثُ هذا الاختلاف في الضغط بين أعلى وأسفل الجناح قوةَ رفعٍ ترفع الجناح إلى الأعلى [1]. تُستخدم  في أجنحة الطائرات الحالية الجُّنيحات لتأمين الانعطاف حول محور الطائرة والقلَّابات والشرائح للتحكُّم بحركة الجناح في مواجهة الرياح؛ وذلك من أجل زيادة قوة الرفع وقوة السحب في أثناء الإقلاع والهبوط؛ إذ ساهم تحريك هذه الأجزاء في زيادة كفاءة الطيران، وقد عدَّل المهندسون كثيرًا على تصميم أجنحة الطائرات وذلك من حيث زيادة درجة الحرية (عدد إمكانيات انتقال الجسم خطيًّا أو دورانيًّا) للجناح بهدف تحسين أدائه، ومع ذلك لا تضاهي الطائرات قدرة الطيور على الانسيابية في الحركة؛ إذ تتمتع الطيور بدرجة كبيرةٍ من الحرية في حركة أجنحتها مما يجعل المهندسين أمام تحدي زيادة درجة الحرية للجناح من أجل الاقتراب قدر الإمكان من محاكاة حركة الطيور؛ الأمر الذي يزيد من تعقيد التصاميم اللازمة [2].

ماذا يميز حركة الطيور عن حركة الطائرات؟

تأتي قدرة الطيور الفائقة من إمكانيتها على تغيير حركة الريش الموجود في الجناح وشكله؛ وذلك من أجل الانعطاف الشديد والسريع، في حين أنَّ ثبات الجناح النسبي للطائرة -مقارنةً مع الحركة الكبيرة والمتغيرة لأجنحة الطيور- يعيق من سلاسة الحركة الخاصة بالطائرة [2].

وتختلف آلية التحكم بالحركة باختلاف نوع الطير، فعلى سبيل المثال؛ تستخدم الخفافيش هيكلها العظمي المفصلي أثناء الطيران عن طريق شد الأغشية المطاطية الموجودة وبسطها في الجلد للتحكم في شكل الجناح، وقد لوحظ أنَّ الطيور التي تمتلك الريش قادرةٌ على تنفيذ هذه المهمة  ببساطة أكثر مما هو الحال عند الخفافيش بواسطة تداخل ريشها الأساسي والثانوي؛ وذلك يُعطي درجات حرية أقل مع ضمان القدرة العالية والكفاءة في الطيران [2].

الروبوت الطائر PigeonBot:

اقترب البروفسيور ديفيد لينتينك David Lentink وزملاؤه في جامعة ستانفورد من تحقيق هدف إنشاء أوَّل روبوت طائر بأجنحة ناعمة من الريش يُدعى PigeonBot، ووضَّح Lentink بأن هذا الروبوت يتميز عن غيره  بقدرته على المناورة بسهولة أكبر وتحمله لسرعات رياح على نحوٍ أفضل وأقوى، فالأجنحة المُصنعة من الريش أخف بكثير وأكثر متانة من النماذج التقليدية المُصنَّعة من ألياف الكربون أو الزجاج [4].

ويجب التنبيه على أن آلية التنسيق بامتداد الريش لدى الطيور أثناء الانثناء والتمدُّد غير مفهومةٍ تمامًا في الوقت الحالي، لكنَّ الدراسات الحديثة تُظهر أنَّ الحمام يستخدم عضلاته الملساء، وأن الأربطة التي تربط الريش قد توفِّر تعليمات عكسيةً للتنسيق بين الريش، ولكنَّ الآلية غير مفهومة بعد، ثم إنَّ قدرة الطيور على ثني الريش ومدِّه دون وجود ثغرات بين الريش يُمكِّنها من تحوير أجنحتها؛ وذلك بفضل وجود آلاف الأهداب التي تعمل على شكل قفلٍ يمنع الريش من الانزلاق أكثر من الحد المسموح به؛ وبالتالي تسدُّ كل الثغرات بين الريش التي قد تؤدي إلى اضطراب في الحركة [3].

ويمكن تلخيص النتيجة التي وصل إليها الباحثون -مؤخرًا- أن الطيور تسيطر على أجنحتها اعتمادًا على زاويتي المفاصل (الرسغ والأصابع) لكلِّ جناح [5].

في الصورة الآتية يظهر لنا شكل الريش في عدة حالاتٍ:

في A يظهر لنا الجناح الروبوتي الحيوي المُسيطر عليه هيكليًّا مع وجود 20 موضع للريش (قوادم) حرة الحركة underactuated؛ وذلك مُطبَّق في كل جناحٍ لتقييم الأربطة المرنة والأجهزة التي تمنع الأجنحة من الانزلاق.

B تُظهر رحلةً في السماء للروبوت الحيوي.

تظهر C,D,E,F اختبارًا للأجنحة تحت ظروف عالية الاضطراب؛ إذ يجب توافر ارتباط مرن واتصال بين الريشتين حتى يتمكنَ الجناح من تحقيق عملية التحوير بنجاح كما في الحالتين C,D، في حين أنَّ الظروف التي يكون فيها الاضطراب كبيرٌ للغاية يؤدي ذلك إلى الفصل غير الطبيعي للريش، وتشكَّل فجوات تجعل الحركة مضطربة كما في الحالتين E,F.

لمشاهدة حركة الروبوت الطائر في أثناء عملية الطيران رابط الفيديو:

هنا

يُعدُّ هذا الروبوت نقلة نوعيةً وخطوة كبيرةً في مجال الطائرات ذاتية القيادة وهو يفتح المجال لعديدٍ من الدراسات والأبحاث والتجارب، ثم إنَّ دمج هذا الروبوت مع تطبيقات الذكاء الصنعيِّ يمكن أن يكون له أثرٌ كبيرٌ في المستقبل القريب.

المصادر:

1- هنا

2- Chang, E., Matloff, L., Stowers, A. and Lentink, D. (2020). Soft biohybrid morphing wings with feathers underactuated by wrist and finger motion. Science Robotics, 5(38), p.eaay1246.

3- Matloff, L., Chang, E., Feo, T., Jeffries, L., Stowers, A., Thomson, C. and Lentink, D. (2020). How flight feathers stick together to form a continuous morphing wing. Science, 367(6475), pp.293-297.

4- هنا

5- هنا