العمارة والتشييد > التشييد

الزلازل؛عندما تغضب الأرض شكل المبنى والاستجابة الزلزالية

كيف يؤثر الشكل المعماري في المبنى في أثناء حدوث الزلزال؟

يعتمد سلوك المبنى في أثناء الزلزال على نحوٍ أساسي على شكله الكلي وحجمه وهندسته وكيفية نقل القوة الزلزالية إلى الأرض، أي يجب على المهندسين المعماريين والإنشائيين  العمل معًا في مرحلة التخطيط لضمان تجنُّب الخصائص الهندسية غير المناسبة زلزاليًّا، واختيار تصميمٍ جيدٍ للمبنى (1).

لخَّص الراحل "Henry Degenkolb" -مهندس الزلازل في الولايات المتحدة الأمريكية- أهمية إعطاء المبنى تصميمًا يتلاءم مع استجابته للزلازل على النحو الآتي: " إذا كان لدينا تصميمٌ سيءٌ للبدء معه؛ فكلُّ ما يستطيع المهندس إنجازه هو تقديم إسعافاتٍ أولية؛ أي تحسين الحل الأساسي الضعيف قدر الإمكان، وفي المقابل إذا كان لدينا تصميمٌ جيدٌ ونظام تأطير (مقاومة) معقول، فحتَّى المهندس الضعيف لن يسبب ضررًا كبيرًا للأداء المثالي للمبنى."

تظهر في هذه المقولة أهمية التصميم الجيد للمبنى والدور الرئيسي الذي يؤديه في مقاومة القوى الزلزالية (1). 

عوامل تتعلق بشكل المبنى وتؤثر في استجابته للقوى الزلزالية:

1-التصميم المعماري: 

أدَّى النطاق الواسع للأضرار الإنشائية التي لوحظت على المباني في الزلازل الماضية في أنحاء العالم دورًا تعليميًّا في تمييز التصميم الإنشائي المرغوب مقابل التصاميم التي يجب تجنبها (1).

2-حجم المبنى:

تهتزُّ الأسقف بشدَّة في المباني الطويلة التي تكون نسبة ارتفاعها إلى حجمها كبيرة  خلال الهزة الأرضية، وينتج في المباني قليلة الارتفاع ذات الامتداد الأفقي الكبير أضرار عديدة في أثناء الهزة الأرضية، أمَّا  المباني التي تملك مساحةً كبيرةً في مخططها مثل المستودعات فتكون القوى الزلزالية كبيرةً جدًّا على أن تتحمَّلها أعمدة وجدران المبنى (1).

الشكل (1) يوضح أشكال المباني التي لا تستجيب جيِّدًا في أثناء الهزة الأرضية

3-المخطط (المسقط) الأفقي للمبنى:

يُعَدُّ أداء المباني ذات المخطط المعماري البسيط جيِّدًا في أثناء الزلازل القوية، أما المباني ذات الزوايا الداخلية مثل الأشكال (U ،V ،H) فتتعرض لأضرار كبيرة ومستمرة، وتُقسم هذه المباني إلى جزأين لتجنُّب هذه الأضرار في كثير من الأحيان، فمثلًا يُقسم مسقط المبنى ذو الشكل إلى مستطيلين باستعمال فاصل على طول خط الالتقاء (1). 

تكون المخططات الأفقية بسيطةً عادةً ولكنَّ الأعمدة أو الجدران غير موزعة بالتساوي في المخطط، وتميل مبانٍ كهذه إلى التعرض للالتواء (الفتل) في أثناء الهزة الأرضية (1).

الشكل(2) المخططات البسيطة التي تستجيب جيِّدًا في أثناء الهزة الأرضية

4-المخطط الشاقولي للمبنى:

تتوضَّع (تتوزع) القوى الزلزالية على مستويات الطوابق المختلفة  في المبنى، ويجب أن تنتقل هذه القوى على طول المبنى وإلى الأرض بأقصر الطرق، فإنَّ أي انحراف أو توقف في مسار نقل القوى سيؤدي إلى ضعف أداء المبنى في مقاومة هذه القوى (1).

يطرأ على مخطط القوى الزلزالية -في المباني التي تحوي vertical setbacks تراجعات شاقولية؛ مثل الفنادق التي تحوي طوابق ذات مساحة أكبر من بقية الطوابق- قفزة عند مستوى الانقطاع الذي تتغير عنده مساحة المسقط الأفقي (1).

وقد تتعرض الأبنية التي تحوي أعمدة أو جدران أقل في طابق محدد أو تعاني من ارتفاع طوابق غير عادي لانهيار يبدأ عند الطابق ذي المواصفات السابقة (1).

وتحوي الأبنية التي تُبنى على المنحدرات أعمدةً غير متساوية الطول على طول المنحدر، ممَّا يسبِّب الفتل وانهيار الأعمدة القصيرة في أثناء الهزة الأرضية مثل (1).

الشكل(3) التغيير المفاجئ في مسار نقل الأحمال على طول المبنى

كيف تتعرض المباني للفتل في أثناء الهزات الأرضية؟

مصطلحات:

مركز الكتلة (center of mass): هي النقطة التي يكون عندها الجسم بحالة توازن تام دون أن ينتج أي دوران (2).

مركز المقاومة (الصلابة) (center of resistance): هي النقطة التي تمثل مركز عناصر المبنى المقاومة للقوى الأفقية (2).

الفتل (torsion): هو حالة الالتواء (twist) في الأبنية، وهو تحرُّك أجزاء مختلفة في المستوى أو الطابق نفسه أفقيًّا بكمياتٍ متباينة.

مقاربة توضيحية:

لا بُدَّ أنك لعبت بالأرجوحة المعلقة بالحبال، والتي تتكون من مقعد خشبي أو معدني معلق على عارضة أو غصن شجرة قوي بواسطة الحبال.

عندما تجلس في منتصف المقعد على نحوٍ متوازن يتأرجح الحبلان على نحوٍ متساوٍ، إذ يشبه تأثُّر المباني بالهزة الأرضية أرجحة هذه الحبال كثيرًا (1).

تشبه الجدران والأعمدة في المبنى حبال الأرجوحة، أمَّا الأرضيات فتشبه المقعد الخشبي، وتشبه المباني ذات الطوابق المتعددة أرجوحةً بأكثر من مقعد (1).

الشكل(4) توضيح المقاربة بين المباني والأرجوحة

إذا نظرنا من السماء إلى مبنىً يملك عناصر شاقولية متماثلة وضعَت بانتظام في الاتجاهين الأفقيين، وعند اهتزازه على مستوى قاعدته في اتجاه معين نجده يتأرجح إلى الأمام والخلف؛ إذ تتحرَّك جميع النقاط في مستوى السقف أفقيًّا وبالقيمة نفسها في الاتجاه الذي اهتز فيه (1).

بالعودة إلى الأرجوحة المعلقة على الشجرة، فإنَّ جلوسك على أحد طرفي المقعد يؤدي إلى التواء (التفاف) الأرجوحة؛ أي تحركها أكثر في الجهة التي تجلس عليها (1).

وعلى نحوٍ مماثل، إذا كانت الكتلة الموجودة في المبنى متركِّزةً على نحوٍ أكبر على أحد جوانبه (على سبيل المثال قد يكون أحد جوانب المبنى مخزنًا أو مكتبة)، فإن هذا الجانب من المبنى يتحرك على نحوٍ أكبر تحت تأثير الحركة الأرضية (1).

الشكل(5) حتى لو كان المسقط الأفقي والتوزيع الشاقولي للكتل منتظمًا تسبِّب الكتلة الزائدة في أحد جوانب المبنى الفتل.

منشأ قوى الفتل:

إن كان لدينا اختلافٌ في أطوال الحبال التي عُلِّقت الأرجوحة بها على الشجرة في مثالنا،  فهذا التأرجح سيعرِّض كرسي الأرجوحة للالتواء حتى لو كنت جالسًا في المنتصف.

وعلى نحوٍ مشابهٍ في الأبنية ذات العناصر الهيكلية غير المتكافئة (الأعمدة والجدران)، فإنَّ الأسقف ستدور حول محورٍ عمودي وتتحرك في مستوٍ أفقي، وبطريقةٍ مماثلة عندما يتكون الهيكل الإنشائي للمبنى من جدران في الجانبين أو أحد الجوانب وإطارات (أعمدة وجوائز) أكثر مطاوعة في الجانب الآخر فإنَّ هذا المبنى سيتعرض للفتل في حال الهزات الأرضية عند مستويات الأسقف (1). 

الشكل(6) الأبنية ذات العناصر الشاقولية غير المتعادلة

تساهم كلٌّ من الأرضيات والجدران والأسقف في تحديد حجم القوى الجانبية الرئيسية التي تؤثر في المبنى في مركز كتلته، ويكون مركز الكتلة عادةً منطبقًا على مركز الطابق (المخطط الأفقي)، فإذا كانت الكتلة داخل الطابق موزعةً بانتظام؛ فإنَّ القوى الناتجة عن التسارع الأفقي لجميع أجزاء المبنى ستُطبَّق في المركز الهندسي للمخطط الأفقي (مركز الثقل)، وإذا كانت القوة الناتجة عن المقاومة -والتي تنشأ من مقاومة جدران القص، والإطارات المقاومة للعزوم، وحتى الإطارات المدعومة (المربطة)- مركَّزةً وتدفع في الاتجاه المعاكس عن طريق هذه النقطة يمكن الحفاظ على التوازن الديناميكي للمبنى (2).

تنشأ قوى الفتل في المبنى نتيجة عدم التوازن بين مواقع العناصر المقاومة وتوزيع الكتلة في مخطط المبنى، أي لا يتطابق موقع مركز الكتلة مع مركز المقاومة (الصلابة) (2). 

يسمِّي المهندسون هذا الفرق بين مركز الكتلة (مركز الثقل) ومركز المقاومة (مركز الصلابة)؛ اللامركزية، وتؤدي هذه اللامركزية إلى دوران المبنى حول مركز المقاومة (الصلابة) وحدوث الفتل، ممَّا يؤدي إلى ظهور إجهاداتٍ مركَّزةٍ غير مرغوب بها (2).

الشكل(7) قوى الفتل في المبنى

تأثير الفتل في عناصر المبنى:

كما ذكرنا سابقًا، يؤثِّر الفتل في عناصر المبنى بجعل أجزاء مختلفة في مستوى الطابق نفسه تتحرَّك أفقيًّا بمسافاتٍ متباينةٍ فيما بينها، وهذا ما يؤدي إلى أضرار أكثر على الجانب الذي يتحرَّك أكثر (1).

تجنب آثار الفتل المدمرة على المباني:

من الأفضل التقليل قدر الإمكان من التوزيع غير المنتظم للكتل والعناصر الإنشائية إن لم يكن من الممكن تجنُّبه تمامًا، وذلك عن طريق ضمان تناسق المباني في التصميم المعماري والإنشائي (أي أن تكون الكتل والعناصر الإنشائية المقاومة للأحمال الجانبية موزعة بانتظام)، وهذا ما يدفع المهندسين إلى التوصية بأن تُصمَّم الأبنية في المناطق التي تتعرض لنشاطٍ زلزالي على نحوٍ متناظر قدر الإمكان، وتؤخذ لا مركزيةٌ طارئة في التطبيق العملي لدراسة الأبنية المقاومة للزلازل وقوة فتل يتعرض لها المبنى حتى لو كان متناظرًا، وهذا في جانب الأمان التصميمي (2).

إن لم يكن بالإمكان تفادي مثل هذا التوزيع غير المنتظم؛ يجب عندها  إجراء حساباتٍ خاصة لحساب قوى إضافية تدخل في حسابات تصميم المبنى، ويتضمَّن الملحق الثاني للكود العربي السوري (الخاص بتصميم الأبنية المقاومة للزلازل) إرشادات حول ذلك، ولكن ما هو أكيد أنَّ المباني التي تتعرض للفتل في أثناء الهزة الأرضية سيكون وضعها أسوأ من تلك التي لا تتعرض لمثل هذه القوى (1).

تدفع الرغبة في إنشاء أبنيةٍ جميلةٍ وفعَّالةٍ وظيفيًّا المهندسين المعماريين إلى تصور هياكل رائعة ومبدعة، وقد يُلفت انتباه الزائر واجهة وشكل المبنى أو النظام الإنشائي أو كلاهما بوصفهما أعجوبةً متناغمة، ولهذه الخيارات في الأشكال والحلول الإنشائية تأثيرٌ في أداء المبنى في أثناء تعرضه لهزَّةٍ أرضيةٍ قوية (1).

في نظرة إلى المستقبل، سيستمر المهندسون في جعل المباني أكثر جاذبية وإثارة للاهتمام، ولكن لا يجب إيلاء الشكل الأولوية على حساب سلوك المبنى الإنشائي وسلامته عند تعرضه لهزةٍ أرضية،  أي ينبغي على المهندس المصمم تجنُّب الأشكال المعمارية التي تؤثر في استجابة المبنى للهزة الأرضية قدر الإمكان (1).

وعندما يتضمَّن تصميم المبنى أشكالًا غير مألوفة وغير منتظمة سيتطلب الأمر درجةً عاليةً من المهارة في التصميم الإنشائي للمبنى، ولن يكون جيدًا مثل حالة شكل المسقط المنتظم للمبنى، لذلك فإنَّ اتخاذ القرارات الصائبة في مرحلة وضع التصميم المعماري للمبنى هو  الأهم (1).

الخلاصة:

إنَّ رغبة الإنسان الدائمة في بناء ما هو مميّز وجميل وملفت وسعيه الدائم لأن يتناغم هذا الجمال المطلوب مع الأمان والسلامة لن تتوقف، وهذا ما يدعو المهندسين المعماريين والإنشائيين دائمًا إلى العمل معًا لإيجاد حلولٍ مبتكرةٍ تحوِّل كلَّ تلك الأفكار المبدعة إلى واقعٍ ملموس يبهر ويسعد الملايين حول العالم.

مصادر المقال 

1

September 2005 “EARTHQUAKE TIP-Learning Earthquake Design and Construction”. Department of Civil Engineering Indian Institute of Technology.Kanpur

هنا

2

December 2006،” Designing for Earthquakes - A Manual for Architects”، Federal Emergency Management Agency، U.S

هنا