الكيمياء والصيدلة > الإنسان والإدمان

أطفالُ الشّوارعِ والغراء.. مشكلةٌ كبيرةٌ تزدادُ انتشارًا!

لطالما كانت قضيّةُ حماية حقوق الأطفال محطَّ اهتمامٍ للمجتمع العالمي، ومع هذا؛ يمكنُ مشاهدةُ قرابة 100 مليون طفل مشرد في الشوارع في وقتنا هذا، وهذا الرقم في ارتفاع مستمر -وفقًا للتّوقعات- مع أخذِ الفقر الذي يزدادُ توغّلًا وفتكًا في المناطق المدنية بالحُسبان.

ونتيجةً للحياةِ المؤلمة التي يعيشُها هؤلاء الأطفال -من نومهم على قارعة الطريق والإسمَنت البارد، إلى التوسُّلُ من أجل قليل من الطعام، إلى السّرقة من السّكان المحلييّنَ أو الزوار، إلى غيرها من المشكلات وأشكال المعاناة التي يتعرضونَ لها يوميًّا- لجأ بعض منهم إلى استنشاق الغراء "الشعلة" جاعلينَ إيِّاها وسيلةَ هروبهم من الواقع.

ويُمكننا القولُ إنها إحدى أكثر المشكلات التي تواجه هؤلاء الأطفال جديّةً؛ إذ وقع العديدُ منهم في اعتياد (إدمان) هذه المواد وأشباهها، والغراءُ أحدها، إضافةً إلى "التنر"، وأنواعٍ أخرى من الأدوية.

ولكن يبقى غراءُ الأحذيةِ مُتربّعًا على عرش هذه المواد المُساءةِ الاستخدام، وهو لاصقٌ ذو أساسٍ منحل يحتوي موادَّ سامة، أهمها الهيدروكربونات الطيارة كالتولوين Toluene)) (وهو سمٌّ عصبيّ هيدروكربونيّ، ذكيُّ الرّائحة عديمُ اللون، ويوجد في النفط الخام أصلًا) والسايكلوهيكسان، التي يمكنُ أن تكونَ مميتةً لجسم الإنسان

وتبقى مجموعةٌ من الأسئلةِ تُطوف في أذهاننا؛ أولُّها؛ لماذا قد يتجّهُ الأطفالُ لشم الغراء؟

والجواب أنَّ الغراء يكبَحُ الشّعورَ بالجوع والتوتر والقلق، وبالوحدةِ والرفض من قبل الآخرين، إضافةً إلى أنه يُقلَّلُ الإحساس بالبرد والألم؛ الصاحبين الملازمَين لأطفالِ الشّوارع،(1) يضاف إلى أنَّ كلًّا من قلةِ تكلفته وتوافرِه وسهولة استخدامه سمحت بانتشار واسع له. (1+4)

تدخلُ أبخرةُ اللاصق مباشرةً إلى الفصّ الدماغي الأمامي -وهو بمثابة لوحة التحكم الخاصّة بالدماغ- وإلى مناطق الدماغ الأخرى التي تتحكّمُ بالمشاعر، فتُطفئ الاتصالَ بالواقع، وتعدّلُ شعورَ الخوف والتوتر والألم.(2)

ويسبِّبُ الاستنشاقُ المقصودُ للهيدروكربونات الطيّارة ارتفاعَ المزاج (النّشوة)،(4) وتكمنُ المشكلة هنا في إدمان المتعاطي على شعور النّشوة هذا، إذ إنَّ التعاطي سيُريح الأطفال ويمنحهم الشجاعةَ فعلًا، ولكنَّ التوقفَ عنه فيما بعد سيكون أمرًا بالغَ الصعوبة. (1).

السؤال الثاني الذي قد يتبادرُ إلى أذهاننا: كيفَ يتعاطى الأطفالُ هذه المواد؟

يحدثُ التعاطي بطرائق عدة؛ إذ يمكنُ استنشاقُ أبخرته من عبوة مفتوحة (sniffing)، أو استنشاقُها من عبوة مُغلقة وهنا تكون الأبخرةُ أكثرَ تركيزًا (bagging)، أو عن طريق قطعة قماشية مبلَّلة بالُمحِلّ (huffing). (ل5)

إذًا؛ إن كان الأمرُ بكل هذه الإيجابيّات؛ لمَ ندعوا إلى وقف استنشاقِ هذه المواد؟

ونقولُ: كما لكل شيءٍ في الحياة إيجابيّاتٌ وسلبيّات؛ فللموضوعِ سلبيّاتٌ كثيرةٌ تفوقُ إيجابيّاته بمئاتِ المرّات!!

إذ تبدأ الآثار القريبة الأمد بالظهور، التي تشملُ أعراضًا عدّةً أهمها الدوار والغثيان، وفقدان الشهيّة(1)، ونزف الأنف، والطّفح، والصداع.(2)

أمّا بالاستخدامِ الطويلِ الأمد فتظهرُ الأعراضُ الأكثر جديّةً؛ كالتلفِ العصبي، والفشلِ الكلوي أو الكبدي،(2) والسميّةُ القلبيةُ والرئوية،(5) والشلل، وحتى إنّها قد تُسبّب الموت(2)، ويُمكنُ أن يحدثَ ذلك نتيجةَ الرضوض، والاختناق، والموت الاستنشاقي المفاجئ، أو الاختناق بنقص الأوكسجين.(3)

وقد سُجِّلَت في فيرجينيا وحدها 39 حالة وفاةٍ مرتبطةٍ بالنشوقات بين العامين 1987 و1996.(5)

وتُسهم الهيدروكربونات أيضًا في إحداث تلفٍ في المادة البيضاء في المراكز العصبيّة، إضافةً إلى أنَّ التعرضَ الدائمَ لأنواعٍ معينةٍ منها كالـ (n hexane) الموجود في الغراء يُسبّبُ اعتلالًا عصبيًّا محيطيًّا واعتلالًا حسيًّا أيضاً، ورؤيةً مشوّشةً، وأعراضًا باركنسونية.(4)

وتقترحُ دارساتٌ أخرى امتلاكَ التولوين تأثيراتٍ في الخصوبة، مع الأخذ بعين النظر أنَّ الجرذان التي تعرضت له ظهرَ لديها خللٌ وظيفي في النطاف.(5)

ويجبُ ألّا نُخلي الموضوع من مسؤوليّاتنا؛ إذ تبيّن وفقًا للاتحادِ الوطنيّ لتثقيف المستهلكين أنَّ توضيحَ شخصٍ بالغٍ لطفلٍ المخاطرَ المترافقةَ مع الاستخدام الاستنشاقي لهذه المواد تخفضُ نسبةَ تجربتِه إيّاها إلى النصف، وهذا أمرٌ لا يُستهان به، خاصًةً في ظل أحد الاستبيانات الذي يرصد استبيانًا مستقبليًّا لمجموعة أشخاصٍ من مرحلة عمرية تراوحت بين الصف الثامن والثاني عشر، ويُبيّن الاستبيان أنَّ سوء استخدام النّشوقات سيصبحُ في المرتبة الرابعة في تصنيف المواد التي يُساء استخدامها بعدَ الكحول، والسجائر والماريجوانا.(3)

وبهذا نستطيعُ أن نرى سوءَ ما يتعرّضُ له أطفالُنا، ومدى جديّةِ الموضوع وخطورتِه، فإنَّ ما يتعاطونَه اليوم لكتمِ الجوع أو درء البرد قد يكونُ سلاحًا مهدّدًا للحياة غدًا.

المصادر:

1-  /51092298.pdf'>هنا" target="_blank" rel="noopener noreferrer">هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا