الطب > مقالات طبية

الحمل الكاذب: حقيقة أم خرافة؟

هل الحمل الكاذب حقيقة ٌطبيّةٌ لها أعراض وعلاجات خاصّة بها؟

أجل! يُطلق مصطلح الحمل الكاذب على الحالة التي تشعر فيها المرأة بأعراض الحمل الحقيقي من انقطاع الطمث وغثيان وإقياء، وزيادةٍ في حجم البطن مع زيادة في الوزن، وتصبغات الجلد وحتى الشُّعور بحركات الجنين لكن دون وجود جنينٍ ينمو داخل الرحم!!

وربما تستمر هذه الأعراض لأسابيع أو حتى لمدة 9 أشهر مع حدوث أعراض المخاض والولادة إن لم تخضع المرأة للفحوص الطبيّة المؤكدة للحمل مبكرًا، ويمكن أن تُصيب أعراض الحمل الكاذب النساء والرجال على حدٍّ سواء، وفي حال إصابةِ الرجل بأعراض الحمل الكاذب؛ تسمى الحالة حينئذٍ بـ "الحمل التعاطفي"، إذ يتأثر الزوج بأعراض الحمل التي تعانيها زوجته، فيشعر بغيثانٍ وآلامٍ وربما زيادة حجم البطن، وتُسمّى هذه الحالة  أيضًا "Couvade" التي تعني "نِفاس البَعل"(4).

إنّ اضطراب الحمل الكاذب ليس بالشيء الجديد، فقد وصف أبقراط أول حالةٍ منذ 300 سنةٍ  قبل الميلاد (1)، ولا يزال الجدلُ الطبّيُ قائمًا لتفسير حدوث هذه الظاهرة (4)، فقد تحدث جرّاء التعرّض لحادثةِ اعتداءٍ جنسي في الطفولة أو المعاناة من مشكلات في العلاقة الزوجيّة(4)،  وارتبط حدوث الحمل الكاذب بتعرّض المرأة للإجهاض المتكرر أو فقدانها لطفلٍ سابقًا، أو معاناتها مشكلات العقم وعدم القدرة على الإنجاب، مما يخلقُ لديها رغبةً ملحّةً بالحمل، إذ يُبدي جسدها أعراض حمل حقيقية كتضخم الثديين والغثيان، ويسيء الدماغ تفسير هذه الإشارات على أنها حمل ثم يبدأ إطلاق الهرمونات كالإستروجين والبرولاكتين التي تُؤدي إلى أعراض حمل حقيقي(2)، أو قد تنشأ تلك الأعراض بسبب إصابتها باضطراباتٍ ذهانية ونفسيةٍ.

وأظهرت الدراسات؛ أنّ التغيّرات الهرمونية المصاحبة للحمل الكاذب تشابه إلى حدٍ كبير اضطراب الهرمونات الذي يحدث في متلازمة المبيض متعدّد الكيسات، وكذلك التغيرات الكيميائية في الدماغ المرافقة لاضطراب الاكتئاب.(3)

هل يمكن أن يكون هناك سببٌ عضويٌ لحدوث أعراض الحمل الكاذب ؟

 أجل! فقد تكون تلك الأعراض ناتجةً عن وجود أورامٍ منتجة ٍللهرمونات كأورامِ المبيض على سبيل المثال، أو بسبب اعتلال الكبد الكحولي -الذي يؤثر بدوره في هرمونات الجسم-، أو بسبب التهاب المرارة أو التهاب المسالك البولية التي تختلط باحتباس البول أو بسبب اضطراب الهرمونات الناتج عن تعاطي بعض الأدوية و العقاقير . (3)

ولكن ، ما مدى شيوع ظاهرة الحمل الكاذب ؟

إنّ متوسط عمر النساء اللواتي يصبن بالحمل الكاذب هو 33 سنة، لكن بعض التقارير وصفت حالات حمل كاذب بعمر الـ6 سنوات وهناك حالات أخرى وصلت إلى عمر الـ79 سنة!! وأثبتت الدراسات الإحصائية أن قرابة الثلث من أولئك النساء حملوا حملًا طبيعيًا في السابق مرةً واحدةً عالأقل، وليس بالضرورة أن تكون المرأة المصابة بالحمل الكاذب متزوجة، فقد أظهرت التقارير أن ثلثي المصابات فقط متزوجات! (1)

إنّ انتشار الحمل الكاذب يختلف اختلافًا كبيرًا بين المناطق القروية والمدنيّة، ويختلف باختلاف العرق (3) والمستوى الثقافي للمرضى (1)؛ ووفقًا لدراسةٍ قارنت بين مريضات من مشافي الولايات المتحدة وأخريات في إفريقيا، تبيّن أنّ النساء المقيمات في المناطق القروية أكثر عُرضةً للحمل الكاذب مقارنةً بالنساء المقيمات في المناطق المدنيّة المتحضّرة، والسبب وراءَ ذلك هو فقر الرعاية الصحية المعنيّة بمتابعة الحمل في المناطق القروية، التي جعلت المرأة في تلك المناطق  تعتاد على زيارة طبيب النسائية والتوليد أو القابلة فقط عند حلول موعد ولادتها، مما يؤخر تشخيص الحمل الكاذب على عكس ما يحدث في المناطق المتقدّمة التي يسهل فيها إجراء اختبارات الحمل والموجات فوق الصوتية المؤكدة أو النافية لوجود الحمل، إضافة إلى أن نساء المناطق المتدمنّة يلجأن لطبيب النسائية والتوليد في خلال الأشهر الثلاثة الأولى مما يساعد على نفي الحمل منذ البداية بالدليل القاطع؛(3) الأمر الذي يختصر على المريضة معاناة قد تصل مدّتها إلى 9 أشهر. (4)

أما بالنسبة إلى تأثير العرق على انتشار هذه الظاهرة، فقد وجدت الدراسات البحثية والإحصائية أن نساء العرق الأفريقي في الولايات المتحدة أكثر عرضةٍ للإصابة بالحمل الكاذب مقارنةً بالنساء من العرق الأبيض؛ إذ يشكّل الحمل والإنجاب قيمةٌ كبيرةٌ في حياة المرأة المنحدرة من العرق الأفريقي، فيصبح شعورها بأعراض الحمل وكأنه وسيلةٌ من الدفاع النفسي للضغوط الاجتماعية التي تعيشها في تلك المجتمعات فيما يخصّ الحمل والإنجاب، وكأنه الملاذ الذي يُثبت أنوثتها ويؤمّن مكانتها الاجتماعية لدى عائلتها وعائلة زوجها(3).

كيف بالإمكان إذًا أن تظهر أعراض الحمل دون وجود جنينٍ أو مشيمةٍ حقيقيةٍ؟

توصلّت الأبحاث المكثّفة التي أجريت على هؤلاء النساء لفهم طبيعة المرض أنَّ هناك زيادة في نشاط الجهاز العصبي الودي واضطراب مسارات الكاتيكولامينات في الجّملة العصبيّة المركزيّة المسيطرة على عمل الغدة النخامية، مما يتسبب باختلال انتظام الدورة الشهرية  أو انقطاعها انقطاعًا كاملًا، إضافة إلى فرط البرولاكتين وزيادة حجم البطن مع الشعور بحركة الجنين وأعراض الولادة عند حلول وقتها(3).

كيف يُشخّص الحمل الكاذب ؟

بعد أخذ القصة المرضية وإجراء الفحص السريري بحثًا عن علامات الحمل؛ يُجرى تحليل البول للتأكد من الحمل ويكون سلبيًّا في حال الحمل الكاذب ما لم تعاني المرأة من سرطان منتج للهرمونات المماثلة لهرمونات الحمل(2)، ثم يُجرى تصوير الموجات فوق الصوتية للرحم للتأكد من وجود جنينٍ حي (4).

وتُثبت حالة الحمل الكاذب طبيًّا بسلبية تحليل الدم وصور الأمواج فوق الصوتية التي تنفي وجود كيس حملٍ أو جنينٍ نابضٍ، ولكن قد تُظهر الصورة تليّنًا في عنق الرحم أو كبر حجم الرحم تمامًا كما يحدث في الحمل الحقيقي.(2)

العلاج:

يعتمد العلاج اعتمادًا رئيسيًّا على تفهّم حالة المريضة النفسية والعاطفية، فتلك الأم التي كانت تترقب طفلًا يملأ عالمها بالسعادة ويُشعرها بأمومتها، قد علمت للتو أن ما كانت تشعر به وهمٌ كبير، كل ما تحتاجه الآن هو الدعم العاطفي والنفسي والرعاية ممّن حولها لتتجاوز تلك المحنة بأقل الخسائر.(4)

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا