المعلوماتية > عام

وحدة معالجة مركزيَّة من أنابيب الكربون النانويَّة CNT CPU

ابتكر المهندسون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT وانالوغ ديفاسيز Analog Devices أوَّل معالج 16- بت (16-bit) قابل للبرمجة ومُصَّنع من أنابيب الكربون النانويَّة carbon-nanotube (CNT). ويعدُّ من أعقد دارات السيموس CMOS المبنية باستعمال أنابيب الكربون النانويَّة حتى الآن. إذ يتألف المعالج من ما يقارب من 15000 ترانزستور transistors، وهي مفاتيح إلكترونية صغيرة تشكل عند تجميعها دارات؛ تؤدي عمليات حسابية ومنطقية، ويقول المخترعون إنَّ المعالج الذي يدعى RV16X-Nano يعدُّ علامة فارقة في تطوير تكنولوجيا ما وراء السيليكون beyond-silicon technologies التي لا تستخدم السيليكون عنصرًا أساسيًّا في بناء عناصرها. (1)

صُنِعت حديثًا الترانزستورات الموجودة داخل المعالجات المصغرة microprocessor الجديدة باستعمال CNT بدلًا من السيليكون. وذلك من خلال إيجاد تقنيات جديدة استطاعت التغلب على العقبات الموجودة أمام بناء الترانزستورات من هذا النوع. (3)(4)

الأجهزة الإلكترونية التي تعتمد على CNT لديها القدرة على أن تكون أكثر كفاءة من جهة استهلاك الطاقة مقارنةً بنظيرتها التي تعتمد دارات مصنوعة من السيليكون (2). النموذج الأولي لم يكن سريعًا ولا صغيرًا مثل الأجهزة التجارية المَبنية باستخدام السيليكون، ولكن شرائح chip الحاسب التي تعتمد على CNT قد تؤدي في النهاية إلى جيلٍ جديدٍ من الإلكترونيات أسرع وأكثر كفاءة من جهة استعمال الطاقة. (3)(4)

يقول تشينغ تساو Qing Cao، عالم مواد (materials) بجامعة إلينوي في أوربانا شامبين University of Illinois at Urbana-Champaign، وهو من غير المشاركين في هذا العمل، "هذا يشكل معلمًا مهمًا للغاية في تطوير هذه التكنولوجيا". (3)

داخل الترانزستورات يوجد أنصاف نواقل semiconductor، والتي تصنع عادةً من السيليكون، ويُمكن لهذه الترانزستورات أن تعمل إمّا موصل كهربائي conductor "تشغيل" وإمّا عازل insulator "إيقاف"، ويقول ماكس شولايكر Max Shulaker، وهو مهندس كهربائي في MIT: "عن طريق بناء ترانزستورات أصغر حجمًا، اعتدنا على تحقيق مكاسب هائلة من جهة سرعة العمليات الحسابية كل عام"؛ لكن "الآن بدأت مكاسب الأداء تتراجع حيث لا يمكن أن تصبح ترنزستورات السيليكون أصغر وأكثر كفاءة مما هي عليه الآن".(2) (3)

 يشرح Shulaker: نظرًا لأنَّ CNT رفيعة وتنقل الكهرباء جيدًا، فإنَّها تُمثل أنصاف نواقل أفضل من السيليكون.

من جهة المبدأ، يُمكن للمعالجات المبنية على CNT أن تعمل بصورة أسرع ثلاث مرات بينما تستهلك قرابة ثلث الطاقة التي تستعملها عندما تكون مصنوعةً من السيليكون.

ولكن حتى الآن من الصعب للغاية بناء أنظمة الحوسبة المعقدة باستعمال هذه الأنابيب. (3)

يقول مايكل أرنولد Michael Arnold عالم المواد بجامعة ويسكونسن -ماديسون University of Wisconsin–Madison وهو من غير المشاركين في هذا العمل: "أحد أكبر الأشياء التي أثارت إعجابي بهذه الورقة هو براعة تصميم تلك الدارة". (3)

وكان قد ابتكر بعض من هؤلاء الباحثون في عام 2013 معالج 1-بت مكون من 178 ترانزستور؛ لكن هذا المعالج الجديد قادر على العمل باستعمال بيانات بطول 16-بت وتعليمات بطول 32-بت.

 واختبر الفريق بقيادة Max Shulaker الرقاقةَ عبر تشغيل برنامج بسيط لكتابة الرسالة الآتية: "مرحباً أيها العالم!" "!Hello, world" -البرنامج الأول الذي ينفذه مبرمجو الكمبيوتر عند تعلم لغة برمجة جديدة. (1) (2) (3)

يقول Arnold: "إنَّ تقليص حجم الترانزستورات المبنية باستعمال CNT من شأنه أن يساعد الكهرباء على المرور بمقاومةٍ أقل، مما يسمح للأجهزة القيام بالتشغيل والإيقاف بسرعةٍ أكبر. كما أنَّ محاذاة الأنابيب النانويَّة بصورةٍ متوازيةٍ، بدلًا من استعمال شبكة ذات اتجاه عشوائي؛ يُمكن أن يزيد التيار الكهربائي المار من خلال الترانزستورات لزيادة سرعة المعالجة". (3)

طوّر فريق Shulaker بالتعاون مع مهندسي Analog Devices، وانضم إليهم فيما بعد سكاي ووتر SkyWater ثلاث تقنيات قابلة للتطبيق تجاريًا، لإنشاء المعالج المذكور RV16X-Nano، الأمر الذي يعدُّ خطوةً كبيرةً في هذا المجال.

وهذه التقنيات كالآتي:

  1. عند تصنيع ترانزستورات المبنية على CNT، توضِع الأنابيب أولًا في محلول ثمَّ تنشر على رقاقة السيليكون، وتتوضع معظم الأنابيب النانوية بصورة موحدة على السيليكون، ولكن بعضها يتجمع بحزمٍ مكونةٍ من ألف أو أكثر من الأنابيب الملتصقة، وعليه تصبح غير قابلة للاستعمال في بناء الترانزستورات (1) (3). يقول Shulaker: "الأمر أشبه بمحاولة بناء فناء من الطوب، مع وجود صخرة عملاقة في منتصفها" (3). ولمعالجة هذه المشكلة، طور الباحثون تقنية تسمى رينس RINSE؛ إذ تعمل هذه التقنية على إجبار الأنابيب النانويَّة على الالتصاق بالركيزة substrate بواسطة قوى فان دير فال van der Waals، ويتم ذلك عن طريق تغطية الركيزة التي تحتوي على الأنابيب النانوية بمقاوم الضوء photoresist ثمَّ تُغسل بعناية، وبعد إنهاء هذه العملية ستُزال الحزم بصورة تلقائية وستبقى أنابيب الكربون النانويَّة منفردة. (1)
  2. هناك نوعان أساسيان من CNT المعدنية وأنصاف النواقل metallic and semiconducting، وإنَّ وجود بعض الأنابيب النانويَّة المعدنية في بوابات منطقية Logical gates مكونة من CNT يعني أنّ هذه الدارات ستستهلك طاقة أكبر وتنتج ضجيجاً ما قد يعرضها للخطر (1)(2)، لأنَّ الأنابيب النانوية المعدنية لا يمكنها أن تقلب بصورة صحيحة بين التوصيل والعزل؛ مما يشوش قراءات الترانزستور (3). ولكن ما عدد الأنابيب النانوية المعدنية الموجودة عند محاولة إنشاء معالج؟ كانت الإجابة التي توصل إليها فريق Shulaker "محبطة للغاية"؛ إذ إنّه أفضل ما يمكن أن تنتجه العمليات التجارية اليوم هو 99.99% من الأنابيب النانويَّة من نوع أنصاف نواقل و0.01% من نوع معدنية؛ ولكن المطلوب هو نقاء 99.999999% – والذي ما يزال بعيد المنال.ولاحظ الفريق أنَّ المشكلة الرئيسة لم تكن مشكلة الطاقة؛ بل الضجيج الناتج (1) (2). ولحل هذه المشكلة، حلل الباحثون ودرسوا العديد من الدوائر المنطقية التي قاموا بإنشائها، وتبين أن بعض هذه الدوائر كانت أكثر عرضة لمشكلة الضوضاء من غيرها. يقول Shulaker: "لذلك كان الحل في هذه المرحلة بسيطًا، سنصمم فقط دوائر تضم مجموعات جيدة من البوابات المنطقية، ونتجنب استعمال المجموعات السيئة". ذلك يشبه الحالة عندما يجعل فقدان حرف بعض الكلمات غير قابلة للقراءة، بينما هناك بعض الكلمات الأخرى التي تبقى بالغالب مقروءة على الرغم من غياب الحرف، لذا صمم Shulaker وزملاؤه بعنايةٍ دائرة المعالجات الدقيقة الخاصة بهم، وذلك عن طريق تجنب استعمال الترانزستور التي تحوي أنابيب النانوية المعدنية. (3) (4)     وتم ذلك باستعمال دريم DREAM، وهي مجموعة من قواعد التصميم التي توصل إليها الباحث غيج هليز Gage Hills، والتي تسمح للتكاملات واسعة النطاق large-scale integration باستعمال أنابيب الكربون النانويَّة. (1)
  3. الاختراق الكبير الثالث، المسمى MIXED: احتاج المؤلفون إلى تطوير تقنية تسمح بإنشاء نوعي الترانزستورات اللازمة لدرات CMOS(1)، وهي أنصاف نواقل من نوع P p-type metal–oxide–semiconductor (PMOS) وأنصاف نواقل من نوع N n-type metal–oxide–semiconductor (NMOS، وهما النوعان المستخدمان في أنواع المعالجات جميعها لعقود. استعملت المحاولات السابقة لبناء معالجات مبنية على CNT، مثل معالج 1- بت، ترانستورات PMOS فقط. في السيليكون، ويكون التمايز (distinction) عن طريق حقن (doping) منطقة قناة الترانزستور بعدة ذرات لإضافة الإلكترونات إلى الشبكة البلورية للسيليكون أو لأخذ الإلكترونات منها؛ ولكن مثل هذا "الحقن البديل substitutional doping" لا يمكن استعماله على CNT، لذا تحولوا إلى ما يسمى "الحقن الإلكتروستاتيكي"؛ إذ صُممَ أكسيد عازل لإضافة أو طرح الإلكترونات من CNT وذلك باستعمال تقنية شائعة في تصنيع أنصاف النواقل، وتسمى ترسيب الطبقة الذرية atomic layer deposition (ALD)، ما مكن الباحثون من بناء PMOS و NMOS بصورة موثوقة.

يقول Shulaker عن المعالج الجديد المبني باستعمال CNT "قبل عشر سنوات، كنا نأمل أن يكون هذا ممكنًا أمّا الآن نحن نعرف أن ذلك ممكن...، ونعرف أنَّه يُمكن القيام به في منشآت تجارية". (1)

المعالج المصغر المبني باستعمال CNT والذي رُكِّب حديثًا ليس جاهزًا بعد لإلغاء رقائق السليكون باعتبارها الدعامة الأساسية للإلكترونيات الحديثة، كل واحد من هذه الأنابيب يأتي بحجم قرابة ميكرومتر، مقارنةً بترانزستورات السيليكون الحالية التي تقدر بعشرات النانومتر، وبإمكان الترانزستورات المبنية باستعمال CNT في هذا النموذج الأولي أن تقلب بين التشغيل والفصل قرابة مليون مرة في الثانية، في حين أن ترانزستورات السيليكون يمكن أن تفعل ذلك مليارات المرات في الثانية. وهذا يضع ترانزستورات CNT الحالية على قدم المساواة مع مكونات السيليكون المنتجة في الثمانينات. (3)(4)

المصادر:

1- S. K. Moore, “Finally, a functional carbon-nanotube CPU: Three breakthroughs make commercial nanotube processors possible - [News],” IEEE Spectr., vol. 56, no. 10, pp. 8–9, Oct. 2019. 

2- G. Hills et al., “Modern microprocessor built from complementary carbon nanotube transistors,” Nature, vol. 572, no. 7771, pp. 595–602, 2019

3- هنا

4- هنا