المعلوماتية > المعلوماتية الحيوية

سوّاقة الحمض النووي (DNA Drive)

يُعدّ تخزين المعلومات في الحمض النووي تقنيةً ناشئة ذات إمكانات كبيرة، فهي تُقدَّم لتكون واحدة من الجيل القادم لوسائط التخزين. وعلى الرغم من الانتهاء من الطريقة المتّبعة لفعل ذلك عن طريق استخدام تقنيات التشكيل الآلي وبناء سلسلة الحمض النووي؛ لا تزال -إلى حد كبير- عديدٌ من الخطوات الوسيطية المهمة تُنجَز يدويًّا.

إن عدم وجود آلية كاملة لأتمتة عمليات الكتابة والتخزين والقراءة من الحمض النووي سيجعل من الصعب تبنّي هذه التقنية الجديدة واستخدامها بالتطبيقات؛ إذ سيقتصر عملها على الأرشفة (1)(2).

شغّلت شركة مايكروسوفت Microsoft أولَ سواقة حمض نووي (DNA Drive) مصممة لتخزين البيانات، فقد عملت الشركة على إنشاء جهاز بحجم آلة النسخ (photocopier) ليكون بديلًا لمراكز البيانات، وذلك عن طريق تخزين الملفات والأفلام والمستندات في خيوط الحمض النووي (DNA strands) التي تحمل بدورها معلومات بكثافة عالية جدًّا. ووفقًا لشركة Microsoft، فإن المعلومات جميعها المخزّنة في مركز بيانات بحجم مستودع يُمكن تخزينها في حال كُتِبت على حمض نووي ضمن حجم يساوي مجموعة  الزهرYahztee (2).

كانت عملية تخزين البيانات باستخدام الحمض النووي في بدايتها تُنجَز يدويًّا في المختبر. أما الآن، فيقول باحثون في جامعة واشنطن (The University of Washington) -الذين يعملون مع شركات البرمجيات العملاقة- إنهم ابتكروا آلةً تحول البتات الإلكترونية إلى الحمض النووي وبالعكس دون أي تدخل بشري (2).

وتتكون الأداة المستخدمة في التجربة من زجاجات تحوي موادَّ كيميائية لصنع خيوط الحمض النووي، إضافة إلى آلة تسلسل صغيرة من أوكسفورد نانوبور (Oxford Nanopore)* لقراءة هذه الخيوط (2). 

ووفقًا لمنشور نُشِر في 21 آذار من العام 2019 في مجلة تقارير ناتشر العلمية (Nature Scientific Reports)، استطاع الفريق تخزين كلمة واحدة فقط "HELLO" (مرحبًا) واسترجاعها؛ أي ما يقابل خمسة بايتات (bytes) من البيانات، وقد تطلّب ذلك تشكيل قرابة 1 ملغ من الحمض النووي، واستغرقت العملية 21 ساعة، ويعود معظم هذا الوقت المُستغرَق إلى التفاعلات الكيميائية البطيئة المطلوبة لتشكيل الحمض النووي.

وعلى الرغم من أن الفريق قد عدّ هذا الأنموذج الأولي تجربةً ناجحة؛ لكن يجب أن تُخزَّن البيانات على نحو أسرع بملايين المرات حتى يُعتمَد نظام تخزين الحمض النووي تجاريًّا (2).

يحتوي النظام الذي اقتُرِح من أجل إجراء عمليات الكتابة والقراءة على ثلاثة مكونات أساسية وهي (1)(3): 

1- وحدة الترميز/ فك الترميز (encode/decode software module).

2- وحدة تشكيل الحمض النووي (DNA synthesis module).

3- وحدة إعداد سلسلة الحمض النووي وبنائها (DNA preparation and sequencing module).

وتبلغ التكلفة الإجمالية للنظام قرابة 10 آلاف دولار أمريكي، ويمكن خفض هذه التكلفة إلى قرابة 3 أو 4 آلاف دولار أمريكي بعد إزالة بعض الحساسات والمحركات الدقيقة والمكلفة (2).

نظرة عامة إلى عملية القراءة والكتابة:

أولًا تُترجَم البيانات إلى أساسات الحمض النووي مع إضافة بعض البيانات لتُستخدَم لاحقًا في تصحيح الأخطاء، ثم يُشكَّل الحمض النووي ويُخزَّن. وعندما يريد المستخدم قراءة البيانات، يقرأ مُسلسِل الحمض النووي الحمضَ النووي ويحوّله إلى أساسات، ثم يصحح برنامج فك الترميز أيَّ أخطاء ويستردّ البيانات الأصلية (3).

وحدة الترميز:

حتى نتمكن من كتابة ملف على الحمض النووي DNA؛ يجب أولًا ترجمة بياناته من أصفار 0s وواحدات 1s (النظام الثنائي المستخدم في الحاسب) إلى أدينين A وسيتوزين C وتايمين T وغوانين G (نكليوتيدات الحمض النووي)، وهنا يأتي دور وحدة الترميز المسؤولة عن الترجمة وإضافة بيانات تصحيح الأخطاء إلى تسلسل الحمولة. علمًا أنه قد استُخدِم كود هامينغ (Hamming code) للتصحيح، فهو يضيف بتات تماثل إلى النص الأصلي للمساعدة على تصحيح الأخطاء في أثناء القراءة لاحقًا.

في المرحلة التالية يُرسَل تسلسل الحمض النووي الناتج إلى وحدة التشكيل من أجل بناء جزيئات الحمض النووي (1)(3).

وحدة تشكيل الحمض النووي: 

بُنيت وحدة التشكيل عن طريق اثنين من فتحات محكمة بصمامات تقدم الكواشف المائية واللامائية على نحو منفصل إلى عمود التشكيل. وبمجرد اكتمال التشكيل، يُوضَع الحمض النووي المركَّب في وعاء تخزين حيث يُخزَّن إلى أن يُستعاد لاحقًا من أجل القراءة (1)(3).

 وحدة إعداد سلسلة الحمض النووي وبنائها:

حتى نتمكن من قراءة الحمض النووي، توزّع مضخة حاقنة -موجودة في وحدة إعداد سلسلة الحمض النووي وبنائها- مزيجَ الإعداد/ التسلسل في خطوة واحدة في وعاء التخزين.

يدفع الضغط الإيجابي الخليطَ إلى منفذ التمهيد للمينيون MinION**، وقد أشار الباحثون إلى أنه اختير جهاز MinION ليكون جهازَ التسلسل نظرًا للتكلفة المنخفضة وسهولة التشغيل والإنتاجية العالية؛ لكنه غير قادر على قراءة الحمض النووي غير المعدل، وهو غير مثالي لقراءة الحمض النووي قليل النيوكليوتيدات (1)(3).

إنّ زمن العملية الكلي (من الكتابة حتى القراءة) يبلغ قرابة 21 ساعة.

تستهلك عملية تشكيل الحمض النووي معظم الوقت؛ إذ تستهلك قرابة 305 ثانية من أجل كل أساس؛ أي 8.4 ساعة لتشكيل حمولة 99-مير (99-mer***) و12 ساعة لالتصاق الأليغنوكليوتيدات (oligonucleotides)، وذلك في درجة حرارة الغرفة.

أما بعد تشكيل الحمض النووي، فيستغرق الإعداد 30 دقيقة إضافية، وتستغرق القراءة -باستخدام نانوبور- وفك الترميز 6 دقائق (3).

ستركّز تحديثات النظام على المدى القريب -على نحو أساسي- على تحسين قدرة النظام على التشكيل وتخفيض عدد الدورات والتكلفة. علمًا أنه يمكن تقليل وقت التشكيل بنسبة 10-12 ساعة عن طريق زيادة الحرارة في خطوة الالتصاق، كذلك يمكن إجراء عمليات كتابة متعددة (مع قراءة أو بدونها) عن طريق إضافة أعمدة تجميع إضافية ومضاعِف السائل (fluid multiplexer)، ويمكن إنجاز قراءات متعددة أيضًا بإجراء تعديلات طفيفة واستغلال قابلية إعادة الاستخدام لخلية المينيون.

أما فيما يخص خفض التكلفة، فيمكن تصميم نسخة معدلة من النظام عن طريق التخلص من المضخة الحاقنة ومستشعر التدفق، فكلاهما غير ضروري إذا ما قِيسَت وعُويرَت معدلات التدفق جيدًا (3).

هوامش:

*أوكسفورد نانوبور Oxford Nanopore: إن تسلسل نانوبور هو نهجٌ من الجيل الثالث، يُستخدَم في قراءة سلاسل البوليمرات الحيوية، وعلى وجه التحديد؛ قراءة متعدد النيوكليوتيدات على شكل حمض نووي (DNA) أو حمض نووي ريبي (RNA). (4)

**مينيون MinION: هو جهاز بحجم الجيب (Pocket-sized)، يشكل جزءًا من تكنولوجيا أوكسفورد نانوبور، ويسمح بقراءة تسلسل الأحماض النووية بسرعة وفي الزمن الحقيقي (5).

***مير mer: عادةً ما يُقاس طول الأليغنوكليوتيد (oligonucleotides) بوحدة "المير" (من كلمة "meros" اليونانية التي تعني "الجزء")، فعلى سبيل المثال؛ يُطلَق على الأليغنوكليوتيد المكوَّن من 25 نيوكليوتيدًا اسمَ "25-mer".

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا