الغذاء والتغذية > منوعات غذائية

الغذاء والصحة العقليّة

من المعروف أنّ للدّماغ أهميّة كبيرة في التحكم بكافة وظائف الجسم من التّفكير والحركة إلى التّنفس والإحساس، ولكونه عضواً يعمل بلا توقّف فمن المنطقيّ أن يحتاج للتزوّد بالطّاقة باستمرار، وببساطة، فإن نوعيّة الغذاء المتناول ستؤثر في بنية الدّماغ وكفاءته الوظيفية، بما في ذلك المزاج والحالة النّفسيّة، ففي حين يسهم اتّباع بعض الأنظمة الغذائيّة دوراً إيجابياً في تحسين تلك الكفاءة، فإنً أنواعاً أخرى من الأنظمة المتّبعة من شأنها أن تتسبّب بضرر للدّماغ، وفيما يأتي نتائج لدراساتٍ أجريت لمعرفة تأثير أنظمة غذائيّة مختلفة في الحالة العقليّة.

قارنت دراساتٌ بين الأنظمة الغذائيّة التّقليدية كالحمية المتوسطية والحمية اليابانية التقليدية مع الحمية الغربيّة ووجدت أن خطر الاكتئاب ينخفض بنسبة 25% إلى 35% لدى متناولي الأنظمة الغذائية التّقليديّة مقارنة بالحميات الغربية، ويُرجِع العلماء السّبب في ذلك إلى أنّ الأنظمة التّقليدية تتضمّن الخضار والفاكهة والحبوب غير المعالجة والسّمك والطّعام البحري، وكمّياتٍ معتدلة من اللحوم ومنتجات الألبان، إضافة إلى أنّها غير متضمّنةٍ للأطعمة والسّكريات المعالجة والمكرّرة التي تحتلّ جزءاً كبيراً من الأنظمة الغربيّة (2). وأوضحت عدّة دراساتٍ ارتباط تناول الغذاء الغني بالسّكريّات المكررة بتدهور وظائف الدّماغ وزيادة أعراض اضطرابات المزاج مثل الاكتئاب (2).

وفي دراسةٍ شملت أشخاصاً بالغين مصابين بالاكتئاب أجريت تعديلاتٌ على أنظمتهم الغذائيّة بتقليل تناول الأطعمة الجاهزة وإضافة أطعمةٍ مغذّيةٍ مثل السّمك والبقوليات، ونتج عن ذلك تحسّنٌ لدى قرابة ثلث المصابين (1).

بيّنت دراسةٌ أُجريت على أطفالٍ ويافعين أنّ تناول الوجبات السريعة غير الصحية والمشروبات الحاوية على السكّر قد ارتبط بانتشارٍ أكبر لاضطراب نقص الانتباه وفرط النّشاط ADHD، كذلك بيّنت الدّراسة أنّ الأطفال الذين تناولوا كمّياتٍ أقلّ من الخضار والفاكهة وغيرها من الأطعمة المتضمّنة في النظام الغذائي المتوسّطيّ قد زاد لديهم احتمال ظهور أعراض هذا الاضطراب لديهم (1).

هل يمكن أن تشكّل بعض المغذيات أو المكمّلات جزءاً حقيقيّاً من علاج الاضطرابات النفسية؟

إنّ علم النّفس الغذائيّ هو مجالٌ حديثٌ نسبيّاً، لكن تجري عدّة دراساتٍ لمعرفة مدى ارتباط نوعيّة الغذاء المتناول والصّحة العقليّة، وإمكانيّة علاج الاضطرابات النّفسّية وخاصّةً الاكتئاب.

وأوضحت بعض الدّراسات أنّ الأشخاص الذين يتناولون البروبيوتيك Probiotics (وهي مكمّلاتٌ تحتوي على البكتيريا النّافعة) يبدون تحسّناً في مستوى القلق والإجهاد والحالة العقليّة العامة (2).

وتشير بعض الدّراسات الصّغيرة إلى وجود دلائل على فعالية تناول المكمّلات الحاوية على المغذّيات الأساسيّة اللازمة لكفاءة عمل الدّماغ في بعض الحالات كتحسين السيطرة على الانفعالات العاطفيّة بعد إصابات الدّماغ الرّضحية، ومعالجة المشكلات السّلوكيّة والعاطفيّة لدى الأطفال، وتقليل الشّعور بالكَرْب بعد الكوارث الطّبيعيّة (1).

وأشارت دراسات أجريت لمعرفة تأثير المغذّيات الصغيرة واسعة الطّيف broad-spectrum micronutrients في علاج أعراض بعض الاضطرابات إلى ظهور تحسّنٍ وظيفيٍّ عام في الدّماغ وليس فقط في مناطق الدّماغ التي تتركّز فيها الإصابات، فمثلاً في إحدى التّجارب أعطي أفراد مجموعة بالغين مصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط النّشاط من تلك المغذّيات، ولوحظ وجود تحسّنٍ في الأعراض لديهم  (1).

وتجري أيضاً دراساتٌ لمعرفة تأثير الأحماض الدّهنيّة omega-3، إذ إنّ خصائصها المضادة للالتهاب وتأثيرها في نقل النّواقل العصبيّة سيروتونين ودوبامين التي يرتبط نقصها بمشكلات في الصّحة العقليّة، ففي إحدى التّجارب عولج أفراد مجموعةٍ من الأطفال المصابين بالاكتئاب بتناول omega-3 على مدى 12 أسبوعاً بالتزامن مع العلاج النّفسي، ولوحظ وجود تراجعٍ في الأعراض لدى 77% من أفراد تلك المجموعة مقارنة مع 56% من الأفراد الذين تناولوا الدواء الوهمي، مع تحسّنٍ ملحوظٍ في النّشاط الزائد وزيادة الاندفاع، وبعض التحسّن أيضاً في عدم الانتباه، والسلوك التخريبي، والمشكلات السلوكيّة عموماً.

على الرغم من محدوديّة تلك الدّراسات ووجود الحاجة إلى دراساتٍ أكثر توسّعاً، إلا أنّ الدّراسات السّابقة توحي بإمكانية إيجاد استراتيجيات وقائيّةٍ وعلاجات جديدة لطيفٍ واسعٍ من الاضطرابات النفسية.

المصادر:

هنا-

هنا