كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية "1Q84": هل يستطيع الحب النجاة في العوالم المتوازية؟

إن كانت تجربتَك الأولى مع كتابات (هاروكي موراكامي)، فقد تجد رواية "1Q84" لغزاً ممتعاً يأخذك في رحلة لا مثيل لها، فإنك بدءاً من العنوان المُتلاعب به مروراً بالأحداث والأفكار المقدمة في الرواية وانتهاءً بالأسئلة اللامنتهية المطروحة ستختبر عالماً فانتازيّاً لا يبتعد كثيراً عن العالم الذي خلقه (موراكامي) في روايته "كافكا على الشاطئ".

فالعنوان الياباني الأصلي للرواية يُلفظ (إيتشي كيو هاتشي يون)؛ إذ إنّ لفظَ الرقم 9 باللغة اليابانية (كيو)، وحرف Q باللغة الإنكليزية يدل على السؤال، وهنا يبدأ استغلال (موراكامي) لأصغر التفاصيل لخدمة الغموض الذي يلف الأحداث التي تجري في عام 1984 في اليابان، يتصدرها بطلان (أومامه)، و(تنغو).

تنقسم الرواية إلى ثلاثة أجزاء تُقدّم ضمن ثلاثة كتب:

ينقسم الكتاب الأول لأربع وعشرين فصلاً يتناوب فيهم (موراكامي) الحديث عن البطلين.

‎فـ‎(أومامه) شابة في الثلاثين من عمرها، ذات تركيبة شخصية مميّزة، لا تملك سوى الإعجاب بطريقة تفكيرها وقدرتها على التركيز بالتفاصيل الصغيرة.

ويحاول (موراكامي) رسمَ شخصياته برصانة، فيقدمها بواقعية ويبحث في ماضيها ويوضح الدوافعَ الخفية لما ستكون عليه كل شخصية، فـ‎(أومامه) -وبعد مرورها بطفولة قاسية من الناحية النفسية، وصدمتها بفقدان أعز صديقاتها بطريقة شنيعة، إذ مثَّل الانتحارُ الحلَ الوحيد لصديقتها (تاماكي أوتسوكا) بعد تعرضها للتعنيف من زوجها، وبعد أن أصبحت مدربة رياضة محترفة- قررت الانتقامَ من زوج (تاماكي)، ونجحت في إرساله إلى عالم آخر كما عبرت بكلماتها عن قتله.

وبعد ذلك تلتقي (أومامه) بامرأة عجوز ثرية في أثناء تدريب صف الدفاع عن النفس في مكان عملها، فتلتقي مصلحةُ المرأة العجوز مع موهبة (أومامه)، وتنشأ علاقة عمل بين المرأتين تمتد لتصبح شخصية ولها خصوصية معينة.

ومن الناحية الأخرى، ‎فـ‎(تنغو) لم يشارك (أومامه) طفولتَه القاسية وحسب، إنما شاركها المدرسة في الصف الخامس. وعلى الرغم من أنَّ البطلين لم يتحدثا إلى بعضهما قط، ولكنَّ موقفاً غير مباشر أدى إلى مواجهة غريبة بينهما، وبقيت تلك المواجهة في قلبيّ (تنغو) و(أومامه) حتى اليوم.  ويجتمع (تنغو) الذي أصبح مُدرس رياضيات وكاتباً يحاول كتابةَ عمله الأدبي الخاص بصديقه (كوماتسو) ليناقشا رواية "الشرنقة الهوائية" المُقدمة إلى مسابقة للكتّاب الجدد. وهنا تُشكِّل الرواية الرابط الخفي الغريب بين (تنغو) و(أومامه)، وتُشكل العالمَ الذي دخلاه أيضاً، لتقتحم كاتبة الرواية (فوكا-إري) الأحداث وتصبح جزءاً من خطة (كوماتسو) الجريئة. 

ويخوض (موراكامي) في تفاصيل الشخصيات وفي سرد المشاهد بدقة وسلاسة، فلا فرق عنده بين مشهدِ هبوط (أومامه) الخطرِ لسلالم الطوارئ جانبَ الطريق السريع مثلاً، ومشهد طبخ (تنغو) للبازلاء -التي تعني أومامه باليابانية- وحده في شقته. 

وتبقى أحداث "الشرنقة الهوائية" ضبابيةً يلفها الفضول في هذا الجزء من الكتاب، ولكنَّ هناك كثيراً من التقاطعات بين كل من حياة (تنغو) و(أومامه) سواء في الماضي أو في ذكرياتهم المستحضرة من حين إلى آخر، وأخيراً في عالم 1Q84 الذي اقتحماه؛ ذلك العالم الذي يحتوي على قمرين في سمائه كما ذُكر في رواية "الشرنقة الهوائية".

يمتد الكتاب الثاني على أربعة وعشرينَ فصلاً أيضاً، ويمثل ذروةَ الحبكة المشوقة؛ إذ تتوضح معالم "الشرنقة الهوائية" في هذا الكتاب، والتي وإن كانت مستوحاةً من عالم سوريالي غريب، ولكنها قد حدثت فعلاً مع (فوكا-إري) في أثناء عيشها مع جماعة (ساكي جاكه). ويزداد تصاعد الأحداث باستمرار تصدُّرِ رواية "الشرنقة الهوائية" واختفاء (فوكا-إري) فجأةً.

وتتقاطع طرق (تنغو) و(أومامه) مجدداً بمخطط (أومامه) لقتل زعيم جماعة (ساكي جاكه) الدينية الذي يكون والدَ (فوكا-إري)، وظهور (يوشيكاوا) أحد قطع الشطرنج عند (ساكي جاكه) بتواصله مع (تنغو). 

وفي إحدى الليالي التي يملأ الرعدُ فيها السماء بسبب "الناس الصغار" يحدث مقتلُ زعيم (ساكي جاكه) بعد حديث مهم وغريب بينه وبين (أومامه)، وتواصل حميم بين (تنغو) و(فوكا-إري) الذي يتبين فيما بعد أنه قناة وصلَتْ بين (أومامه) و(تنغو) في هذا العالم العجيب في هذه الليلة.

وينتهي الكتاب بعودة (أومامه) بعد هروبها من عصابة (ساكي جاكه) لنقطة البدء موجِّهةً فوهة المسدس إلى رأسها. 

ينضم (يوشيكاوا) على مدار واحد وثلاثين فصلاً إلى (تنغو) و(أومامه) ليبحث أحدهم عن الآخر في دائرة مفرغة، في هذا الكتاب قد تبدو الأحداث راكدة قليلاً، ‎فـ(أومامه) التي عدلت عن الانتحار بآخر لحظة، تختبئ في شقة من ملاحقة (ساكي جاكه)، و(تنغو) الذي استقبل (فوكا-إري) لتختبئ في شقته يتركها للذهاب إلى زيارة والده في المصحَّة، ويرى "الشرنقةَ الهوائية" حقيقةً أمام عينيه بداخلها (أومامه) الصغيرة، فيبق فترةً جانبَ والده المحتضر علّهُ يلتقي ‎بـ‎(أومامه).

ويتابع (يوشيكاوا) عملَه في ملاحقة (تنغو) ومراقبته في جوّ من الترقب والتساؤل عن المعاني المُخبَّأة في "الشرنقة الهوائية"، و(مازا) و(دوهتا) اللتين تمثلان الشخصَ نفسه خارج "الشرنقة الهوائية" وداخلها، فهل ستلتقي (أومامه) ‎بـ(تنغو) بعد عشرين سنة من الغياب؟ وهل سيجدان طريق العودة إلى العالم الحقيقي حيث يزيّن قمرٌ وحيد سماءه؟ أم أنهما سيبقيان ضائعين في عالم "1Q84" إلى الأبد؟

يبرع (موراكامي) في طرح الأسئلة، أما في الإجابة عنها فيترك المساحة كلها للقرَّاء، وقد تنتهي من قراءة الرواية، ولكنَّ الأسئلة سترافقك، وستفتح أمامك أبواباً من العوالم الغريبة والإسقاطات المختلفة.

إنَّ رواية "1Q84" رواية ساحرة تملك من الخيال والسوريالية ما يجعلك تبحر في غمارها دون تردد أو ملل.

معلومات الكتاب:

موراكامي، هاروكي. 1Q84. أنور الشامي، بيروت، المركز الثقافي العربي، ط1، 2016

عدد الصفحات: 1Q84 الكتاب الأول: 557 صفحة. 1Q84 الكتاب الثاني: 495 صفحة. 1Q84 الكتاب الثالث: 605 صفحة.