البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

لننسى الجينات المفردة، CRISPR الآن يعدّل صبغيات كاملة

تخيل أنَّ برنامج معالج النصوص (word) الذي يسمح بتغيير الحروف أو الكلمات توقف عن العمل عند محاولة قص فقرات كاملة أو إعادة ترتيبها، فبطريقة مشابهة واجه علماء الأحياء مثل هذه القيود لعقود؛ إذ أمكنهم إضافة الجينات في الخلية أو تعطيلها إضافةً إلى إجراء تغييرات دقيقة داخل الجينات باستخدام تقنية تعديل الجينوم CRISPR (للمزيد عن التقنية اقرأ مقالنا السابق هنا)، وقد أوصلتنا هذه القدرات إلى تقانة الحمض النووي المؤشب (Recombinant DNA) والكائنات المعدَّلة وراثيًّا والعلاج الجيني. 

ولكنَّ الهدف الذي طال انتظاره ظل بعيد المنال؛ ألا وهو تعديل قطع أكبر من الكروموسومات في بكتيريا الإشريكية القولونية E.coli الأساسية في التجارب المخبرية. 

أما الآن فقد أبلغ الباحثون أنَّهم كيَّفوا تقنية CRISPR وأشركوها مع أدوات أخرى لقص قطع الجينوم الكبيرة ولصقها بسهولة.

وتقول (آن ماير)؛ عالمة الأحياء التركيبية في جامعة روتشستر في نيويورك شارحةً ردة فعلها إثر سماع الخبر الجديد: "إنَّ هذه الورقة البحثية الجديدة مثيرة للاهتمام إلى حد لا يصدق، وهي خطوة هائلة إلى الأمام في مجال البيولوجيا التركيبية"، وتضيف: "إنَّ علماء البيولوجيا التركيبية سيدخلون في تحديات كبيرة؛ مثل إدخال المعلومات إلى الحمض النووي وتخزينها في جينوم بكتيري أو إنشاء أنواع بكتيرية هجينة جديدة يمكنها إجراء [تفاعلات استقلابية] جديدة بالنسبة إلى الكيمياء الحيوية أو إنتاج المواد في الخلايا".

وببساطة، لم تتمكن أدوات الهندسة الوراثية المجربة سابقًا من التعامل مع امتدادات طويلة من الحمض النووي؛ إذ تستطيع أنزيمات التقييد (restriction enzymes) -التي هي الأداة القياسية لقص الحمض النووي- قصَّ أجزاء من المادة الوراثية وضمَّ النهايات لتشكيل عينات حلقية صغيرة يمكن نقلها من خلية إلى أخرى، ولكنَّ البلاسميدات الحلقية يمكن أن تستوعب على الأكثر مئتي ألف من القواعد، ويحتاج علماء البيولوجيا التركيبية إلى تحريك عينات كبيرة من الكروموسومات المحتوية على جينات متعددة عادةً، والتي يمكن أن يكون طولها ملايين القواعد أو أكثر.

وعلاوة على ذلك، لا يمكن لأدوات القطع واللصق أن تحقق أهدافها بدقة، إضافةً إلى أنَّها تترك الحمض النووي غير المرغوب به في مواقع الربط بما يشبه الندبات الوراثية، فتتراكم الأخطاء عند إجراء مزيدٍ من التغييرات.

وهناك مشكلة أخرى في هذه الأدوات التقليدية في كونها لا تستطيع لصق العينات الكبيرة بالدقة الكافية. وهذه المسائل  تشكل خرقًا للاتفاقيات عندما يريد علماء الأحياء إجراء مئات التغييرات على جينوم الكائن الحي أو الآلاف.

وقد أبلغ  Jason Chin؛ عالم الأحياء التركيبية في مختبر البيولوجيا الجزيئية التابع لمجلس الأبحاث الطبية في كامبريدج- المملكة المتحدة وزملاؤه أنَّهم حلُّوا هذه المشكلات الآن. 

فقد طوَّر الفريق CRISPR في البداية ليزيل الامتدادات الطويلة من الحمض النووي دون أن يترك ندبات، ثم غيَّروا الإنزيم المؤشب المشتق من الفيروس آكل الجراثيم phage lambda؛ (recombinase lambda red)*. وهو أداة قوية لإجراء تغييرات جينية مستهدفة في الإشريكية القولونية E.coli؛ إذ يوفر طريقةً بسيطة ومتعددة الاستخدامات لتوليد طفرات متعددة في الصبغيات أو البلازميد وحتى الحوامل الجينية، لذا يُستخدم استخدامًا واسع في تقانة تأشيب الـDNA.

وبذلك أصبح بإمكان CRISPR المحدَّث لصْقَ نهايات الكروموسوم الأصلي - مطروحًا منه الجزء الذي أُزيل- معًا، بالإضافة إلى دَمْج أطراف الجزء الذي أُزيل، وتكون كلا السلسلتين الدائريتين للحمض النووي محمية من أنزيمات النكلياز الداخلية (endonucleases) الهاضمة للحموض النووية الخطية.

يمكن لهذه التقنية أن تنتج أزواج صبغيات حلقية مختلفة في الخلايا، ويمكن للباحثين بعد ذلك تبديل الصبغيات كما يريدون، وإدخال أي جزء يختارونه إلى الجينوم الأصلي في النهاية. 

وتعقيبًا على ذلك يقول Chang Liu؛ عالم الأحياء التركيبي بجامعة كاليفورنيا: "الآن، يمكنني إجراء سلسلة من التغييرات في عدة شدف والجمع بينهما معًا، وذلك عمل جبَّار".

وتهدف مثل هذه المشاريع إلى تغيير الجينومات  من ناحية إمكانية ترميزها لأعداد كبيرة من الأحماض الأمينية غير الطبيعية في أنحاء الجينوم جميعها إضافة إلى أحماض الأمينية العشرين الأساسية. 

ويمكن  لذلك أن يؤدي إلى أشكال حياة اصطناعية قادرة على إنتاج جزيئات بعيدة عن متناول الكائنات الطبيعية، وتَعِد بطريقة سهلة لإعادة كتابة الجينوم البكتيري أيضًا.

المصادر:

1-  هنا

2- هنا