الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

التكامل الاقتصادي، الجزء الأول - تعريف التكامل الاقتصادي ومستوياته

يُؤدي وجود الحدود بين الدول وبعض السياسات إلى الحد من التجارة وتدفق السلع والخدمات عبر البلدان وإلى ارتفاع تكاليفها. تتخذ تلك العوائق عدة أشكال؛ كالرسوم الجمركية التي بأبسط أشكالها تُفرض عادةً نسبةً من سعر البضاعة المستوردة الكُلية أو بحسب عدد الوحدات، أو  نظام حصص الاستيراد"quota" التي تُحدد قيمة المستوردات من سلعة مُعينة خلال فترة مُعينة، أو مثلاً بعض السياسات الحمائية التي تمنع استيراد سلعة مُعينة من الخارج للحفاظ على الصناعة الوطنية وغيرها الكثير من القيود التي تؤدي إلى ارتفاع تكاليف التجارة الدولية والحد منها.

وعليه جاءت الحاجة إلى وجود تعاون بين الدول لتسهيل تدفق التجارة فيما بينها لتخفيض التكاليف ورفع كفاءة الإنتاج عبر مجموعة من الاتفاقيات والترتيبات التي تهدف إلى تحقيق ما يُسمى التكامل الاقتصادي. هذا التكامل الاقتصادي يَتخذ عدة مستويات وفقاً لقدرته على إزالة الحواجز ما بين الدول التي تحد من التدفق بدءاً من السلع والبضائع وصولاً إلى الخدمات والعمالة والتكنولوجيا ورؤوس الأموال وغيرها من عوامل الإنتاج.

فيما يلي نعرض بإيجاز الاتفاقيات والترتيبات التي تُحدد مستويات التكامل الاقتصادي:

يُعدّ هذا المستوى أدنى مستوى للتكامل الاقتصادي؛ تُخفِّضُ فيه البلدان الداخلة بالاتفاقيةِ التعرفاتِ الجمركية فيما بينها لبعض السلع بغرض تسهيل تدفقها، وليس بالضرورة إزالتها بالكامل وقد لا تشمل حتى القيود غير الجُمركية. وتُبقي على تعريفات جمركية أعلى بالنسبة للبلدان خارج الاتفاقية. مثل اتفاقية التعاون التجاري والاقتصادي الإقليمي لجنوب المحيط الهادئ بين أُستراليا ونيوزيلاندا.

في أبسط أشكالها تزالُ التعرفات الجمركية كلها (أو مُعظمها) وأنظمة حصص الاستيراد ما بين الأعضاء لخلقِ منطقة للتجارة الحرة، وهي تُوَجَّه غالباً لتجارة السلع.

قد تتوسع لتشمل الخدمات والعمالة وخصوصاً الماهرة منها والتنسيق المتبادل لبعض السياسات؛ مثل الإعانات والقيود غير الجمركية، ويعد من أشهر الأمثلة على هذا النوع من الاتفاقيات منطقة التجارة الحرة في أمريكا الشمالية (NAFTA).

 إضافةٌ لخلقِ منطقةٍ للتجارة الحرة يطلب إنشاء الاتحاد الجمركي من الدول الأعضاء التنسيقَ فيما بينهم فيما يخص السياسات التجارية مع الدول خارج الاتحاد الجُمركي؛ مثلَ فرضِ تعرفاتٍ جمركيةٍ وحصصٍ موحَّدةٍ، فتظهر الدول الأعضاء كتلةً واحدة بالنسبة لباقي الدول. أشهر الاتحادات هو الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي (EUCU).

تعدّ هذه الخطوة لاحقة لإنشاء اتحاد جمركي فتُزال في السوق المُشتركة جميعُ القيودِ على تدفق الأفراد والعمالة المُقيمة وغير المُقيمة ورأس المال والقيود غير الجمركية، وتطلب تنسيقاُ عالي المستوى على صعيد السياسات الاقتصادية والسياسات المالية والنقدية للأعضاء. أحدُ الأمثلة هو السوق المشتركة الشرقُ إفريقية (EACM)؛ التي هي بالأصل امتدادٌ لاتحادٍ جمركيٍّ أُنشئ مع الأعضاء نفسهم.

نتيجة التكامل عالي المستوى الذي تُنتجه السوق المُشتركة تنشأ لدى المتعاملين في البلدان ضمن السوق انكشافات مُستمرة على مخاطر أسعار الصرف بسبب التبادل التجاري وتسوية المدفوعات بين البلدان بالعملات المُختلفة ضمن تلك السوق، ذلك إضافةً للاختلافات في بعض السياسات الاقتصادية تخلق تكاليفَ لأولئك المتعاملين على الرغم من التحرر من القيود الجمركية والتعريفات كلها. ويَكمُن الحل في مستوى أعلى من التكامل الاقتصادي وهو الاتحاد النقدي؛ وفيه يتم إما تثبيت أسعار الصرف لعملات البلدان ضمن السوق، أو تَبَنّي عملة وطنية موحدة في السوق، مثل العملة الأوروبية الموحدة "اليورو". هذا المستوى العالي من التكامل الاقتصادي لا يطلب تنسيقاً على مستوى السياسات الاقتصادية، وإنما يطلب توحيد بعض السياسات ضمن هذا الاتحاد، خصوصاً السياسة النقدية إذ تُنشَأُ سياسة موحدة بين دول الاتحاد (مثلاً دول منطقة اليورو)، إضافةً إلى التنسيق عالي المستوى على صعيد عديد من سياسات الاقتصاد الكلي، مثلاً قد تطال سياسات الإنفاق الحكومي. هذا بدوره يتطلب تناغماً سياسياً بين الدول الأعضاء للوصول إلى هذا المستوى من التكامل الاقتصادي.

يُعد الاتحاد الاقتصادي أعمق مستوى من التكامل الاقتصادي، ويتطلب التنسيق والتناغم على صعيد العديد من سياسات الاقتصاد الكُلي إذ قد يصل في أعلى مستوياته لدرجة التوحيد في مُعظم السياسات الاقتصادية ضمن دول الاتحاد. يتطلب هذا المستوى العميق جداً من التكامل الاقتصادي  إنشاء إطار قانوني وتشريعي مُتقارب ضمن دول الاتحاد. ذلك بهدف تأمين وجود تكتل اقتصادي يتيح التسهيل الكامل لتنقل السلع والخدمات وعوامل الإنتاج والعمالة والمُعاملة المُتماثلة للفاعلين الاقتصاديين ضمن دول الاتحاد. ويُعدُّ الاتحاد الأوروبي (EU) أحد أشهر الأمثلة للاتحاد الاقتصادي؛ من حيثُ العملة والسياسة النقدية الموحدة (ممثلةً بالبنك المركزي الأوروبي (ECB)). ويعدُّ الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU) مثال آخر عن الاتحاد الاقتصادي؛ أسست هذا الاتحاد روسيا وكازاخستان وبيلاروسيا وضم دولاً أُخرى لاحقاً، وهو يهدف إلى ضمان تدفق السلع والخدمات والعمالة ورؤوس الأموال بين دول الاتحاد، وتوحيد عدد من سياسات الاقتصاد الكلي المتعلقة بالنقل والصناعة والزراعة والطاقة والاستثمار الأجنبي المباشر والجمارك، إضافة لضمان وجود جو من المنافسة ومكافحة الاحتكار، إلا أنه لم يصل إلى مستوى الاتحاد الأوروبي من حيث العملة الموحدة.

لكن ما هي إيجابيات وسلبيات تلك الاتفاقيات والترتيبات؟ في الجزء الثاني سنتعرف إلى أبرز تلك الآثار على ضوء عدة دراسات درست تلك الآثار.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا