التاريخ وعلم الآثار > شخصيات من سورية

"عقد الماس العتيق" والأم الحنون للدراما السورية.. منى واصف

منى واصف !

يكفي أن تقول الاسم لكي تستحضر أدوارها في لمحة عين..الأم القوية الرقيقة، سخية الدمعة، متهدّجة الصوت، الصابرة، المكافحة، في قسمات الوجه الذي تتناثر حوله خصلات شعرها الذهبية ترى تجاعيد خمسين سنة قدّمتها للفن السوري من مسرح وسينما وتلفزيون..

وإن كانت الألقاب تتضاءل أمامها كإنسانة أوّلاً وفنانة ثانياً لكنّها شئنا أم أبينا هي "عقد الماس العتيق" و"الملكة"

هي ببساطة ...مـــنى واصـــف

" الملكة "منى مصطفى جليمران واصف، وُلِدت في دمشق في الأول من شباط 1942،و ترعرعت في إحدى أحياء دِمشق الشهيرة"شارع العابد".

بدأت حياتها المهنية كعارضة أزياء، لاحقاً انضمت إلى المسرح العسكري عام 1960 لتشارك في مجموعة من العروض التي تعتبر بداية تشكّل فن المسرح الفعلي في سوريا ولتترك بصمتها المميّزة في بدايات المسرح السوري .

تزوجت عام 1963 من مدير المسرح العسكري الراحل محمد شاهين، وأنجبت منه وحيدها عمار.

لاحقاً انضمت إلى فرقة الفنون الدرامية التي يرأسها رفيق الصبان عام 1964، ثم قدمت عبر المسرح الوطني أكثر من 15 مسرحية لكبار الكتاب المسرحيين العالميين والعرب، والتحقت بنقابة الفنانين في دمشق عام 1968.

تنوعت أعمالها ونشاطاتها بين المسرح والسينما والدراما والإذاعة، وبين مشاركاتها في لجان التحكيم في العديد من المهرجانات العربية والعالمية، كما أنها اختيرت لمنصب سفيرة النوايا الحسنة للأمم المتحدة عام 2002.

تجاوزت أعمالها المسرحية الثلاثين، كان أولها مسرحية "العطر الأخضر" من إخراج زوجها الراحل محمد شاهين، ولعبت دور الدوقة بورشيا في مسرحية "تاجر البندقية" لشيكسبير من إخراج رفيق الصبان والتي عرضت على خشبة مسرح الحمراء ومدرج بصرى الأثري. تقول سيدة المسرح في مقابلة نشرت لها في جريدة الأخبار عام 2008: "كنت مجرد فتاة جميلة في المسرح العسكري أؤدي أدوار الكوكيت،"تاجر البندقية" حضرها جمهور راقٍ لم أعتده، عشت نجاح المسرحية، وهذا دغدغ علاقتي بما هو ملكيّ،منذ صغري كنت مفتونة بهذا العالم، أحلم بأنني ملكة أو قائدة، وكان يجذبني أي انتصار أسمع عنه في الراديو. وأشعر بأنني أنا من صنعته، وأنني أقف في قصر على جبل قاسيون الذي أراه عالياً".

كانت مشاركتها في مسرحية "دون خوان" لموليير هي الأولى لها في المسرح القومي عام 1965 والتي أخرجها الفنان أسعد فضة. وبعد انشغالها في الأعمال السينمائية، عادت لتلعب أدوارها في المسرح عام 1981 فقدمت دوراً لا ينسى في مسرحية "حرم سعادة الوزير" لنوشيتش من إخراج أسعد فضىة، كما قدمت مسرحيتين مع المرحوم عبد اللطيف فتحي، واستمرت لتشارك في العديد من المسرحيات نذكر منها: الأعماق، الخجول في القصر، الأم الشجاعة، بيت الدمية، ماريانا، حكاية حب، طرطوف، موتى بلا قبور وغروب القمر، واعتزلت المسرح في مطلع التسعينات.

دخلت عالم السينما من خلال تجربتها الأولى في فيلم "سلطانة" عام 1966، ثم لعبت أدواراً عديدة لأكثر من ثلاثين عمل سينمائي مثل: الصديقان، مقلب في المكسيك، غابة الذئاب، أسود وأبيض، آه يا بحر، شيء ما يحترق، اليازرلي عن قصة لحنّا مينا، المغامرة، الأبطال يولدون مرتين، بقايا صور، مناحي، وظلال الصمت.

عُرض فيلمها "ذكرى ليلة حب" عام 1973 في سينما الزهراء بالتزامن مع عرضها لمسرحية "الزير سالم" لألفريد فرج في مسرح الحمراء، فكان لعرض الفيلم والمسرحية في نفس المبنى نشوة خاصة بالنسبة لها.

اختارها المخرج السوري العالمي مصطفى العقاد عام 1974 للعمل في الملحمة التاريخية "الرسالة" بمشاركة نخبة من الممثلين العالميين والعرب، لتؤدي دور "هند بنت عتبة" البطولي ضمن النسخة العربية من الفيلم ببراعة توازي نظيرتها في النسخة الإنكليزية، الممثلة اليونانية "إيرين باباس"، حيث لعبت كل منهما الدور بطريقتها الخاصة، ومنه انطلقت واصف عربياً وعالمياً.

النجمة السورية المتألقة والأم الحنون للدراما السورية، لعبت أدواراً بطولية في العديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية، بمشاركة كبار الفنانين والمخرجين، فكانت أماً للفنان بسام كوسا أكثر من عشر مرات في السينما والتلفزيون، وكان أبرز أدوارها في "أسعد الوراق" لعلاء الدين كوكش،بالأبيض والأسود، ومن ينسى صرخة منيرة التي سكنت وجدان المشاهدين السوريين إلى يومنا هذا، لتغني بعدها"بيلبقلك شك الألماس"، شاركت أيضاً في نهاية رجل شجاع لنجدت أنزور، وادي المسك مع دريد لحام، الشمس تشرق من جديد لهيثم حقي، ليالي الصالحية، حاجز الصمت، بكرا أحلى، عصيّ الدمع وصراع على الرمال وندى الأيام لحاتم علي، باب الحارة لبسام الملا والعديد من المسلسلات السورية والعربية الأخرى التي لا يمكن إحصاؤها.

كل الأدوار التي أدتها السيدة منى واصف كانت أدوراً هامة، دخلت التاريخ، وشكلت محطات مفصلية في مسيرتها الفنية رغم تفاوت نجاحها، ومن أبرز تلك المحطات تعاملها مع شركة الشرق اللبنانية بين عامي 1986- 1990، والتي قدمت لها ثلاثة أدوار في مسلسلات "زمن الحب"، "قادم من الضباب"، و"أرحل وحيداً"، حيث كتبت هذه الأدوار خصيصاً لها، بسبب قدرة منى واصف على أداء الأدوار الصعبة والمركبة، وأدتها أمام كبار النجوم اللبنانيين؛ عبد المجيد مجذوب، محمود سعيد، وأحمد الزين، وعن ذلك قالت السيدة منى: "كان في تلك الأدوار شيء من السحر، حيث كنت أرى قلبي في عيوني، وتقبلني فيها الجمهور اللبناني والعربي بكل حب، وكتبت عنها الصحافة اللبنانية ما يعادل ما كـُتب عني في حياتي، لدرجة أنني صرحت أن اللبنانيين أعادوا لي شبابي، لأنهم قدموني لأول مرة كامرأة جميلة، وكان لهم شهرتهم الواسعة في هذا المجال".

حازت نجمة العالم العربي على العديد من الميداليات والجوائز، منها ميدالية الفاتح في ليبيا وجائزة اتحاد المرأة، وكُرّمت في العديد من الاحتفالات الأدبية والمهرجانات في مختلف الدول العربية، كما اختيرت كأفضل ممثلة عربية لعام 2010 في لبنان.

وفي تكريم لم تحظ به فنانة سورية من قبل، حصدت حبّها وتفانيها في عملها من خلال حصولها على وسام الاستحقاق السوري بالدرجة الممتازة عام 2009، في حفل تكريمي أقيم في مسرح الحمراء في دمشق.

منى واصف، ليست محطة في تاريخ الفن السوري، بل ركيزة و أساس ومدرسة

كجوهرة تزداد لمعاناً كُلّما تقدّمت في الفن و الحياة ..

منى واصف ...فنانة من بلدي .

الرسم اليدوي تقدمة الرسامة نسمة بادنجكي

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا