البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

تطوير جديد لأداة كريسبر (CRISPR) قد يبدأ ثورة في عالم الطب الوراثي

إن كنت متابعًا لأخبار العلوم، فلا بد أنَّك قد سمعت بتقنية التحرير الجيني كريسبر (CRISPR) التي تصدَّرت عناوين الصحافة والمواقع العلمية منذ أول استعمال ناجح لها عام (2013)، وفي حال عدم سماعك بهذه التقنية من قبل، فإنَّ (CRISPR) -باختصار- أحد أهم الاكتشافات البشرية وأعظمها على الإطلاق.

CRISPR: المقصُّ الجيني

إنَّ كريسبر هي تقنية للتعديل الجيني تسمح بتعديل الحمض النووي في الكائنات الحية، وقد اكتُشِفت لأول مرة في العتائق (Archaea)، ومن ثم في البكتيريا؛ إذ تقوم كريسبر في هذه الأحياء الدقيقة مقام الجهاز المناعي في وجه الفيروسات الغازية (Bacteriophages)، وتحتفظ العتائق والبكتيريا بالجينوم الفيروسي أو أجزاء منه من أجل الوقاية من الفيروسات في حال حصول عدوى أخرى؛ أي إنًّ كريسبر -بكلمات أخرى- تسمح للبكتيريا بامتلاك ذاكرة جينية تفيد بقاء هذه العتائق والبكتيريا واستمرارها.

ويتألف نظام كريسبر المُستعمل في التحرير الجيني من إنزيم وشريط (أو شريطين) من الحمض النووي الريبوزي، والذي يوجِّه الإنزيم إلى مكان القطع (guide RNA). 

وتوجد إنزيمات عديدة أشهرها (Cas-9)، ولكلٍّ منها مميزاتها وعيوبها، ولكن؛ يوجد عيب في تقنية كريسبر -عمومًا- يتمثل في كونها غير دقيقة كفاية لاستعمالها في بعض التطبيقات التي لا يوجد فيها هامش للخطأ؛ كمعالجة الأمراض وتصحيح العيوب الجينية على الرغم من دقتها العالية بالمقارنة مع التقنيات السابقة للتعديل الجيني، ومع ذلك، يبدو أنَّ مجموعة من الباحثين لدى (Broad Institute) قد وجدوا حلًّا لهذه المشكلة.

تمثيل تخطيطي (CrisperCase9)

استبدال المقص بمبضع جراحة

الطريقة الجديدة والمسمَّاة بـ"التحرير الأولي (Prime editing)" تحسِّن الفرص بأن يجري التحرير الجيني في المكان المراد له دون زيادة أو نقصان أو أخطاء لا يمكن التنبؤ بها. 

فهذه الأداة التي وثِّقت ونُشِرت في مجلة (Nature) المرموقة في الحادي والعشرين من شهر أكتوبر الحالي تُقلِّص احتمالية إخطاء الهدف (الجين) بدرجة كبيرة، وكان هذا الأمر أحد أهم العقبات أمام كريسبر، ما يعني أنَّ الطريق إلى كثير من العلاجات الجينية أصبح أأمَن من ذي قبل. 

وكلٌّ من(CRISPR-Cas9) و(Prime editing) يعمل بالمبدأ نفسه، ألا وهو قطع الحمض النووي في نقطة معينة من الجينوم. 

وكريسبر تقطع حبلي الحمض النووي، و من ثم تعتمد على آليات الخلية نفسها لإصلاح القطع، والمشكلة أنَّ هذا النظام لا يعمل بإحكام شديد، ويمكن أن يقترف أخطاء؛ كحذف بعض النكليوتيدات في مكان القطع أو إضافتها، وهذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى تغيُّر البروتين الذي ينتجه الجين بالكامل، والأسوء أنَّه عندما تطبق هذا التحرير على أكثر من خلية، فمن الممكن أن تُؤدي هذه الأخطاء إلى امتلاك كل بضعة خلايا لنسخةٍ مختلفة من الجين ذاته.

وتقنية التحرير الأوَّلي تتلافى هذه الأخطاء كلها؛ إذ إنَّها تقص حبلًا واحدًا من الحمض النووي بواسطة إنزيم (Cas9) مُبرمج لهذه الغاية، ومن ثم يحرِّر إنزيم آخر يدعى بـ"الناسخ العكسي (Reverse transcriptase)" المطلوبَ عن طريق توليد (DNA) بواسطة نسخ شريط (RNA) يُرفق مع المركب.

 وبعد أن تُدرَج الشفرة الوراثية الجديدة، ابتداءًا من مكان القطع، يزيل مركب التحرير الأولي الحمض الأصلي، ومن ثم يشق نهاية الشفرة الوراثية من الطرف الآخر واضعًا علامة للخلية؛ لكي تُصلح الحبل المقابل وتزيل الجزء القديم؛ (تقنية التحرير الأولي تقوم بتعديل حبل واحد من الحمض النووي).

والتحرير الأولي لا يعتمد على أدوات الخلية لإصلاحِ القطع في الحمض النووي  كليًّا، ما يجعلها أكثر دقةً بمراحل من كريسبر العادية فاتحةً الباب لتطبيقات وعلاجات جديدة كان الوصول إليها غير ممكن بواسطة التقنيات الحالية.

مخطط تمثيلي Prime Editing

سكين سويسري... إلى حدٍ ما

ساد الاعتقاد بين أوساط العلماء والباحثين في السابق بأنَّنا نحتاج إلى تطوير أدوات مستقلة من أجل التحريرات المختلفة من حذف وإضافة واستبدالٍ للحروف (القواعد النيتروجينية) إن أردنا إحداث تعديلات دقيقة ومُتحكَّم بها، وكان الأمر يزداد صعوبة، والخيارات تصبح أقل عندما تتحدَّث عن استبدال حروف الحمض النووي.

ولم يعتقد أحد بأنَّ تقنية واحدة ستنجز هذه الوظائف كلها بدقة شديدة، ولكنَّ تقنية التحرير الأولي أثبتت عكس ذلك، ويرجع الفضل إلى إنزيم (Cas9)؛ والذي بمقدوره إنجاز العمليات الآنف ذكرها كلها، ولكنَّ الفكرة الذكية تكمن في إضافة إنزيم الناسخ العكسي إلى المنظومة، وجَعْل الإنزيمين يتعاونان على إنجاز العمليات المختلفة، ولكنَّ لهذه التقنية الجديدة حدودًا.

وتكمن حدود هذه التقنية في عدد الحروف المُراد تغييرهاعلى عكس (CRISPR-Cas9)، فهذه التقنية لا تستطيع تعديل عدد كبير من الحروف دفعة واحدة، ويعود السبب إلى أنَّ التحريرات المراد تطبيقها تكون مشفرةً على شريط (RNA)، وهكذا، فكلما ازداد طول الشريط كلما ارتفعت احتمالية تفكيك الإنزيمات في الخلية له، ومع ذلك، تبقى هذه التقنية مفيدةً جدًّا للبحوث المستقبلية وبالأخصِّ في مجال علاج الأمراض الجينية، ويقول (David Liu) الباحث لدى (Broad Institute) وقائد الدراسة التي أنتجت تقنيةَ التحرير الأولي بأنَّ هذه التقنية قد تساعد الباحثين في معالجة ما يقارب (90 ٪ من أكثر من75000) مرضٍ مرتبط بالحمض النووي، والمُدرجة في قاعدة بيانات (ClinVar)؛ التي وضعتها المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة. 

ولا يزال هناك كثير من العمل، وهذه التقنية تحتاج إلى مزيد من الدراسة، ولا ندري متى يمكن استعمال تقنية التحرير الأولي من أجل علاج البشر، ولكنَّ هناك أمرًا واحدًا نعرفه ألا وهو أنَّ بابًا جديدًا قد فُتِح أمامنا، وأنَّ العلم لا يعرف المستحيل.

المصادر: 

1- هنا

2- هنا