الطب > مقالات طبية

هبوط الضغط الشرياني

بدايةً لنتعرف مفهوم الضغط الشرياني..

يكون الضغط الشرياني حصيلة آليتين أساسيتَين: الأولى هي النتاج القلبي cardiac output ( ويساوي حجم الضربة*سرعة القلب)؛ أي إنّ الأمراض التي تخفض حجم الضربة أو معدل النظم القلبي ستؤدي إلى انخفاض النتاج القلبي، ومن ثم انخفاض ضغط الدم.

أما الآلية الثانية فهي المقاومة الوعائية المحيطية peripheral vascular resistance، وهي تعكس مقاومة الشرينات الانتهائية لمرور الدم فيها (1).

ويتكون الضغط الشرياني من مركبتين هما:

- الضغط الانقباضي: هو يقابل أعلى قراءة لضغط الدم، وينتج عن الضغط ضمن الشرايين الذي يولّده القلب عندما يضخ الدم عبر الشرايين إلى أعضاء الجسم المختلفة.

- الضغط الانبساطي: هو أدنى قراءة لضغط الدم ضمن الشرايين عندما يكون القلب في وضعية الانبساط بين الضربات.

ويُعدّ ضغط الدم منخفضًا عندما يكون الضغط الانقباضي أقلَّ من 90 ملم زئبقي أو الضغط الانبساطي أقل من 60 ملم زئبقي. ويجب الانتباه إلى أنّ ضغط الدم يختلف في اليوم الواحد حسب وضعية الجسم، ومعدل التنفس، والحالة الجسدية والنفسية، والطعام والشراب المتناول، والأدوية (2).

وغالبًا ما يكون هبوط الضغط الشرياني غير عرضي، ولكن؛ يُعدّ مشكلةً جدية عندما يتسبب بأعراض نذكر منها (1):

- الدوار. 

- الغثيان.

- الإغماء أو الغشي.

- التجفاف والعطش غير المعتاد.

- نقص التركيز وتشوش الرؤية.

- التعب والاكتئاب (3).

ويمكن أن يؤدي انخفاض ضغط الدم الشديد والمستمر إلى صدمة -التي تدلُّ على ترويةٍ غير كافية للنسج- قد تكون مهددة للحياة، وتتظاهر بنبض ضعيف وسريع وتنفس سطحي سريع  مع برودة وشحوب في الجلد، وهي تترافق مع علامات أذية خلوية ونسيجية واضطرابات استقلابية، وللصدمة أنواع؛ فقد تكون ناجمةً عن نقص حجم الدم أو حالة تحسسية أو إنتان شديد وغيرها (2, 6).

يمكنكم قراءة المزيد عن الصدمة وأسبابها في مقالاتنا السابقة:

هنا

هنا

هنا

والآن لنتعرف الأسبابَ المختلفة التي تؤدي إلى هبوطٍ في الضغط الشرياني:

1- الحمل: تتمدد الأوعية الدموية خلال الحمل؛ مما يؤدي إلى انخفاضٍ في الضغط الشرياني، علمًا أنه يعود إلى الطبيعي بعد الولادة (2).

2- الأمراض القلبية: مثل بطء القلب الشديد، ومشكلات صمامات القلب، والنوبة القلبية، وقصور القلب (2).

3- أمراض الغدد الصماوية: مثل أمراض الغدة الدرقية (قصور الدرق)، وقصور الغدة الكظرية (داء أديسون)، وهبوط سكر الدم، إضافة إلى مرض السكري في بعض الحالات (2-3).

4- التجفاف: عندما يكون الجزء المفقود من السوائل أكثر من الجزء الوارد للجسم كما في حالات الإسهال أو الإقياء الشديدين أو الإفراط في تناول مدرّات البول، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى ضعف وتعب ودوار (2).

5- الأدوية: يمكن أن تسبب عديدٌ من الأدوية انخفاضَ الضغط؛ كالمدرات (مثل فورسيميد Furosemide)، وأدوية ارتفاع الضغط الشرياني الأخرى، والأدوية القلبية كحاصرات بيتا (مثل أتينولول Atenolol، وبروبرانولول Propranolol)، وأدوية داء باركنسون (مثل براميبكسول Pramipexole)، ومضادات الاكتئاب الثلاثية الحلقات، وأدوية خلل الانتصاب (مثل سلدينافيل Sildenafil) ولا سيّما عند تناولها مع دواء نتروغليسرين (2,3).

ونضيف للأسباب السابقة نقصَ حجم الدم والإنتانات الشديدة والحدثية التحسسية، فقد تؤدي جميعها إلى حدوث الصدمة في حال لم تُعالَج بسرعة كما ذكرنا (3).

كذلك يوجد حالات خاصة من هبوط الضغط الشرياني، نذكر منها:

1-  هبوط الضغط الانتصابي: يحدث هبوط مفاجئ في الضغط الشرياني عند الوقوف من وضعية الاستلقاء أو الجلوس.

تؤدي الجاذبية عند الوقوف إلى سحب الدم باتجاه الساقين؛ إذ إنّه في الحالة الطبيعية يستجيب الجسد لذلك بزيادة سرعة القلب وتقبضٍ في الأوعية الدموية للحفاظ على الضغط الشرياني. ولكن؛ تفشل هذه الآلية في المعاوضة لدى المصابين بهبوط الضغط الانتصابي؛ مما يسبب هبوطَ الضغط الشرياني وحدوثَ أعراض كالدوار وتشوش الرؤية وحتى الغشي عند الوقوف.

ويمكن أن تحدث هذه الحالة نتيجةَ عدد من الأسباب كالجفاف، والاستلقاء مدة طويلة، وتناول بعض الأدوية مثل: المدرّات، وحاصرات بيتا، وحاصرات قنوات الكلس، ومثبطات الأنزيم القالب للانجيوتنسين، ومضادات الاكتئاب. كذلك قد تحدث طبيعيًّا لدى الكبار بالعمر أو اليافعين أو في حالة الوقوف السريع بعد الجلوس مع مقاطعة الساقين أو بعد القرفصاء (2,3).

يمكنكم قراءة المزيد عن هذه الحالة في مقالنا السابق: هنا

2-  هبوط الضغط الشرياني بعد الطعام: يتدفق الدم بعد الطعام نحو الجهاز الهضمي، وفي حال فشل الجسم في المعاوضة بزيادة نظم القلب وتقبض بعض الأوعية، فإنّ الضغط الشرياني قد ينخفض. وغالبًا ما تحدث هذه الحالة لدى الأشخاص الذين يتناولون أدوية قلبية أو لدى مرضى داء باركنسون.

3- هبوط الضغط الشرياني بعد الأذيات العصبية: وهي تعرف بمتلازمة "Shy-Drager" التي تنجم عن أذية الجهاز العصبي الودي الذي يضبط في الحالة الطبيعية الوظائفَ اللاإرادية كضغط الدم والنظم القلبي (2).

قد يتطلب تحديد السبب إجراء العديد من الاستقصاءات منها التحاليل المخبرية؛ مثل تعداد الدم وصيغته، وهرمونات الغدة الدرقية، والكورتيزول، وغيرها من التحاليل (1).

إضافة إلى ذلك، يمكن إجراء تخطيط قلب و إيكو للقلب لتحرّي وظيفة البطينين الأيمن والأيسر وقياس النتاج القلبي (1).

أما علاج هبوط الضغط الشرياني فهو يعتمد على السبب الكامن وراء هذا الهبوط، وعمومًا؛ إنّ هبوط الضغط الشرياني غير المسبب لأعراض لا يجب علاجه بطريقة مفرطة، وفي حال كانت الأدوية هي السبب المتوقع فيجب إيقاف الدواء تحت إشراف الطبيب (1).

وفي حال كان هبوط الضغط مترافقًا مع صدمة، يكون التدبير إسعافيًّا، وهو يعتمد على الإنعاش السريع وعلى نوع الصدمة وسببها (6).

ويتضمن التدبير الإسعافي لهبوط الضغط الحاد وضعَ المريض بوضعية الاستلقاء مع رفع الساقين وإعطاء الأوكسجين أو السوائل الوردية، إضافة إلى نقل الدم في بعض الأحيان.

يمكنك -عزيزي القارئ- إجراء العديد من الإجراءت لتعديل نمط الحياة والوقاية من هبوط الضغط الشرياني؛ مثل زيادة الملح في الحمية (في حال لم يوصِ طبيبك بخلاف ذلك)، وشرب كميات كافية من السوائل وخاصة في الطقس الحار أو في أثناء الأمراض الفيروسية مثل نزلة البرد والرشح، وتقليل معدل استهلاك الكحول، وتوخي الحذر عند الوقوف من وضعية الاستلقاء أو الجلوس؛ إذ يمكن أداء عملية عطفٍ وتحريكٍ للقدمين والساقين قبل الوقوف لتعزيز الدورة الدموية والوقاية من هبوط الضغط عند الوقوف، وتجنب الوقوف فترات طويلة (4).

وأخيرًا، قد يتبادر إلى أذهاننا التساؤل الآتي: هل يمكن أن يتسبب هبوط الضغط الشرياني في أزمة قلبية كما قد يحدث في حال ارتفاع الضغط؟

يحذّر  الأطباء من أن الضغط الشرياني المنخفض بشدة لدى مرضى الداء الإكليلي (نقص التروية القلبية) يمكن أن يرفع خطر حدوث نوبة قلبية، فقد وجد فريق من العلماء -يضم باحثين من الكلية الملكية بلندن- أنّ الضغط الشرياني المنخفض يشابه الضغط الشرياني المرتفع في خطر  إطلاق نوبة قلبية (5).

المصادر:

هنا- 1

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا

6- هنا