العمارة والتشييد > التشييد

الزلازل؛ عندما تغضب الأرض - كيفية تأثير الحركات الأرضية (الزلازل) في المباني الهيكلية؛ استجابة المباني - القوى الداخلية الناشئة

تعرَّفنا في مقالات سابقة الظاهرة الزلزالية وكيف تنشأ وصعوبةَ السيطرة عليها وطرقَ قياس تأثيرها في الأرض، ويجب أن نعرف الآن كيف تؤثِّر هذه الحركة  الأرضية في المباني، وكيف تدفع الأبنية إلى الانهيار.

قوى العطالة في هياكل المنشآت:

تنشأ قوى العطالة (القصور الذاتي) في جسم ما عندما يتعرَّض لقوى خارجية، وتحاول هذه القوى تحريكه في حال كان ساكنًا أو التأثير في حركته أو اتجاهها في حال كان متحرِّكًا. [2P111]

عند حدوث الزلزال تتعرَّض المباني لتسارعٍ يُقاس نسبةً إلى تسارع الجاذبية الأرضية g الذي يُعبَّر عنه بأنه معدَّل تغيُّر سرعة سقوط جسمٍ حرٍّ في الفضاء، وهذا يعني تسارعًا يبلغ 9.75 متر\ثا2. [2P112]

وفي حال تعرُّض المبنى لزلزال فإنَّه يتعرَّض لجزءٍ صغيرٍ من الثانية من تسارع الجاذبية الأرضية قبل أن يتغيَّر اتجاه الاهتزاز. [2P112]

لذلك فإن الاهتزازات الزلزالية السطحية ستؤثر في أساسات المبنى المستند على الأرض المهتزَّة، ووفقًا لقانون نيتون الأول؛ فإنّ أساس المبنى سيتحرك مع الأرض، لكنَّ هيكل المبنى فوق الأرض سيميل إلى البقاء في مكانه. ولأنَّ هذا الهيكل يتكون من بلاطاتٍ مستندةٍ على أعمدةٍ تنقل الحمولة إلى الأساس، فإنَّ حركة الأساس نتيجة الاهتزازات الزلزالية ستؤدي إلى حركة المبنى معه. [1P9]

هذا يشبه تمامًا الحالة التي تحدث عندما تستقل حافلة النقل العامة، فعندما تنطلق الحافلة فجأةً، تتحرَّك قدماك  معها ولكنَّ الجزء العلوي من جسمك يحاول أن يبقى مكانه وهذا ما يفسِّر تراجعك إلى الخلف؛ إنَّها قوة العطالة يا صديقي. [1P9] هذا الميل إلى البقاء في الموضع الأصلي يُسمَّى بالعطالة الذاتية (القصور الذاتي). [1P9]

صورة توضيحية لتأثير قوة العطالة في مبنى تهتز قاعدته [1]:

إنَّ حركة المبنى المعاكسة لتسارع الاهتزاز، تشبه إلى حدٍّ كبير الحركة التي يرجع جسمك فيها إلى الخلف عند انطلاق الحافلة الفجائي، إذ يبدو وكأنَّ شخصًا ما دفعك لترجع إلى الخلف، أي طُبِّقت قوةٌ خارجيةٌ على جسدك دافعةً إياه نحو الخلف؛ وهذا تمامًا ما يحدث عندما تتحرَّك الأرض مؤديةً إلى حركة هيكل المبنى بالاتجاه المعاكس، أي أنَّ المبنى تحرَّك بتأثير قوة العطالة (القصور الذاتي) باتجاهٍ معاكسٍ للحركة الأرضية. [1P9]

فإذا كان للمبنى كتلة M تتعرَّض لتسارع a، فعندئذ وحسب قانون الحركة الثاني لنيوتن تكون قوَّة القصور الذاتي  (العطالة) F مساويةً جداء الكتلة بالتسارع (F=m.a)، ويكون اتجاهها بعكس اتجاه تسارع الارض. أي كلَّما كانت كتلة المبنى أكبر كانت قوة القصور الذاتي أعلى، ما يعني أنَّ تأثير الحركة الزلزالية في الأبنية ذات الكتلة الخفيفة أقل منه في حالة الأبنية كبيرة الكتلة. [1P9]

صورة توضيحية لقوة العطالة والحركة النسبية داخل المبنى [1P9]:

الاهتزاز الأفقي والرأسي:

تسبِّب الزلازل اهتزاز الأرض في كافة الاتجاهات (الاتجاهين x,y في المستوي الأفقي، والاتجاه z العمودي)، وتتَّسم هذه الاهتزازات بأنها عشوائيةٌ في اتجاهها. [1P9]

تُصمَّم هياكل المباني على نحوٍ رئيسي لتتحمَّل حمولة الجاذبية (الناجمة عن وزن المبنى نفسه إضافةً إلى الحمولات الأخرى)، أي تنتج من جداء الكتلة الكلية في تسارع الجاذبية الرأسي في حالته العادية. ولكن في أثناء اهتزاز الأرض فإنَّ التسارع العمودي للهزة الأرضية إمَّا أن يُضاف إلى تسارع الجاذبية الأصلي أو يُطرح منه.

ونظرًا لعوامل الأمان التي تؤخذ بالحسبان في أثناء التصميم فإنَّ معظم المباني تستطيع مقاومة الاهتزازات العمودية. [1P9]

اتجهات الاهتزاز الرئيسية للمبنى [1]:

ولكنَّ ما يثير القلق هو الاهتزاز الأفقي في الاتجاهين (X,Y)، إذ تُصمَّم المنشآت عادةً  لمقاومة الأحمال العمودية دون الأخذ بالحسبان الأحمال الجانبية الناتجة عن الاهتزازات الزلزالية الأفقية،  ومثل هذه المنشآت قد لا تصمد في وجه الزلازل. [1P10]

انتقال قوى العطالة إلى القاعدة (الأساسات):

تحت تأثير الاهتزازات الأفقية تتولَّد قوى العطالة الأفقية عند المستويات التي تتركز عندها الكتلة في هيكل المبنى (تكون عادةً عند مستويات الطوابق) وتُنقل هذه القوى عن طريق البلاطات إلى الجدران والأعمدة ومنها إلى القاعدة وفي النهاية إلى التربة (الأرض). [1P10]

أي يجب على المهندس المصمِّم أن يصمِّم كل العناصر الإنشائية الهيكلية في المبنى بما يؤمِّن انتقال قوى العطالة هذه إلى الأرض بأمان دون أن يتأثَّر المبنى. [1P10]

انتقال قوة العطالة الزلزالية في المنشأة [1P10]:

وعلى الرغم من أنَّ الجدران والأعمدة هي العناصر الإنشائية الأهم في المبنى لنقل قوى العطالة، لكنَّ طرق البناء التقليدية تعطي اهتمامًا أكبر للبلاطات والجوائز الحاملة لها أكثر من الجدران والأعمدة في أثناء مرحلتي التصميم والتنفيذ، وينتج عن ذلك جدران قليلة السماكة غير قادرة على تحمُّل قوى العطالة ممَّا يؤدي إلى فشل البناء في مقاومة الهزة الأرضية عند حدوثها. [1P10]

ويمكن ملاحظة ذلك بسهولة كما في الصورة الآتية.

صورة توضح الانهيار الجزئي لجدران مبنى حجري بسبب زلزال أوتاركاشي (الهند) 1991 [1]:

وعندما تُصمَّم الأعمدة الخرسانية المسلحة على نحوٍ سيء يكون هذا كارثيًّا عندما يتعرض المبنى لهزةٍ أرضية، وقد تسبَّب فشل أعمدة أحد المباني الهندية في نقل قوة العطالة الأفقية في تدميره بالكامل في زلزال (بوج – الهند) عام 2001. [1P10]

انهيار الأعمدة الخرسانية ممَّا أدى إلى انهيار البناء في زلزال بوج (الهند) عام 2001:

تأثير التشوهات التي تنشأ في المباني:

تنتقل قوى العطالة -التي تنشأ في البلاطة السطحية- إلى قاعدة المبنى عبر الأعمدة ممَّا يولِّد قوىً في الأعمدة.

يمكننا أن نفهم هذه القوى الناتجة بطريقة أخرى، ففي أثناء الحركة الاهتزازية الأرضية  تتعرَّض الأعمدة لحركةٍ نسبيةٍ بين نهايتيها، وتُمثِّل هذه الحركة مسافةَ إزاحةٍ أفقيةٍ  u بين البلاطة التي يسندها العمود والأرض التي يستند عليها (الصورة 2). ولكن في حالة الحركة الحرة للأعمدة فإنَّها ستعود إلى وضعها المستقيم أي ستقاوم هذه الأعمدة التشوهات. [1P10]

في وضع الأعمدة العادي (رأسية)، لا تتحمَّل الأعمدة قوةً زلزاليةً أفقية، ولكنَّها تنحني فتنشأ فيها قوىً داخلية، تؤدِّي هذه القوى الداخلية إلى حدوث تشوهاتٍ في العناصر، ممَّا يعني أنَّ المادة لا تعود إلى شكلها الأصلي وهذا التشوه يبدِّد طاقة الزلزال. وهذا ما يُستَثمَر لمنع حدوث انهياراتٍ مفاجئةٍ للمباني وذلك باستخدام مواد مرنة قابلة للتشوه مثل حديد التسليح. [1P10]

وهذا ما يمكن أن نوضِّحه عن طريق محاولة كسر ملعقةٍ معدنية؛ إذ سنجد صعوبةً في كسرها عن طريق ثنيها بالمقارنة مع محاولة كسر ملعقةٍ من البلاستيك. ففي حالة الملعقة المعدنية سيبقى الجسم المعدني متماسكًا على الرغم من تشوهه بعد الانحناء وتعاقب عمليات الثني في حين أنَّ ملعقة البلاستيك ستتهشم فجأةً بعد عددٍ قليلٍ من عمليات الثني. [2P126]

صورة توضح الفرق بين المعدن والبلاستيك عند تعرضه للثني [2P126]:

إذًا لهذه الظاهرة تأثيرات خطيرة في المباني نتيجة القوى التي تتولَّد داخلها، ممَّا يؤدي إلى إحداث أضرار فيها وخروجها عن الخدمة أو حتى انهيارها، ولكن لحسن حظِّنا فإنَّ تطوير الأبنية المقاومة للزلازل كان محط بحث خبراء البناء والهندسة المدنية، وقد طوَّروا وسائل عديدة تمكِّن المباني من الصمود في وجه الزلازل وخصوصًا في المناطق الواقعة ضمن مناطق زلزالية.

ما هي هذه الوسائل؟ هل تعرفون إحداها؟

ربما قد قدمنا بعض التلميحات  إلى إحداها في مقالنا السابق.

المصادر:

1- September 2005 “EARTHQUAKE TIP-Learning Earthquake Design and Construction”. Department of Civil Engineering Indian Institute of Technology.Kanpur

هنا

هنا

2- December 2006,” Designing for Earthquakes - A Manual for Architects”, Federal Emergency Management Agency, U.S.

هنا