الاقتصاد والعلوم الإدارية > الأسواق المالية

تغريدات ترامب والأسواق المالية

يتعاظم دور وسائل التواصل الاجتماعي في تقديمها معطيات تعمل وسيطًا للاستدلال على السلوكيات المُعقدة للمجتمعات. وأحد الجوانب التي تُدرس هو دور وسائل التواصل الاجتماعي في الأسواق المالية، وهو ما يُدرس ضمن ما يُسمى العلوم المالية السلوكية (behavioral finance)؛ وهو الذي يأخذ بعين الحسبان العواملَ غير العقلانية في اتخاذ القرارات؛ مثل الحالة النفسية للمتعاملين في السوق ودورها في تحريك الأسعار وتقلبات السوق.

من هم المتعاملون أصحاب القرارات غير العقلانية؟ وكيف تؤثر بهم وسائل التواصل الاجتماعي؟

عادةً ما يكون المتعاملون من الأفراد وصغار المستثمرين، فهم في تزايد مُستمر، وذلك بسبب التقدم التكنولوجي الذي سهل انخراطهم في سوق المال، وهو ما قد يزيد من حدة آثار وسائل التواصل في أسواق المال. والسبب في ضعف عقلانية تلك الفئة من المستثمرين يعود إلى العاملين الآتيين:

- إنهم يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث؛ أي ما هو مُتاح للعامة؛ كمصدر للمعلومات التي توجه قراراتهم، إضافة إلى ضعف قدرتهم على تحليل تلك المعلومات على نحو احترافي، ويكون لهم وصولية محدودة إلى مصادر المعلومات الاحترافية (مثل بلومبرغ ورويترز) وهي التي تكون مُتاحة أمام المتعاملين المؤسسين (أي الشركات).

- الحالة النفسية للمتعاملين وعواطفهم؛ أي استجابة المُجتمع للمعلومات الحالية (وتحديدًا المتاحة علنيًّا)، وتلك الاستجابة تكون مبينة على نحو كبير على الآراء والعواطف والمشاعر التي يُشاركها جمهور وسائل التواصل. تلك العوامل النفسية هي ما يجعل التنبؤ بسلوكيات الأفراد أمرًا صعبًا. ويمكن تشبيه ذلك بأن الأفراد هم غالبًا على دراية بأساسيات السوق والاقتصاد وظروفهما، وتُشبه بإشارة الراديو مثلًا. أما العوامل النفسية فهي الضجيج الذي يشوه تلك الإشارة، وتحول دون القدرة على التقاطها (Bukovina & Jaroslav, 2016).

ولعل المثال الأبرز لدور وسائل التواصل الاجتماعي في زيادة تقلبات الأسواق هو تأثير تغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على موقع تويتر؛ فمنذ بداية العام 2019؛ تحرك مؤشر داو جونز الصناعي (DJIA) ما مجموعه قرابة 75,000 نقطة صعودًا وهبوطًا (حاليًّا رقم المؤشر عند 28,000 تقريبًا)، وكان لتغريدات دونالد ترامب دورًا كبيرًا في ذلك، على الرغم من التقليل من قيمة مخاطر التغريدات لدى عديد من المُحللين.               

عادةً ما تُنشر التغريدات خارج مُعظم أوقات التداول في الولايات المُتحدة، وذلك يترك ما يُسمى أثر الفجوة (gap effect)؛ ففي خلال جلسة التداول تكون تحركات الأسعار مكونة من جزئين منفصلين؛ الفجوة (وهي الفرق ما بين قيمة الافتتاح للجلسة الحالية وقيمة الإغلاق في الجلسة السابقة)، وهي تعكس المعلومات والأخبار المُتراكمة خارج أوقات التداول وهي التي تحرك قرارات البيع والشراء، ثُمَّ التحركات في خلال جلسة التداول الحالية. ومنذ بداية العام، كان مجموع الفجوات قرابة 31,000 نقطة، و62,000 للتحركات في خلال جلسات التداول، بمجموع 93,000 نقطة وهو ما قد يُشعر المتعاملين بتخبط حيال اتخاذ قرارات البيع والشراء (أي حالة من عدم اليقين تسود في السوق) نتيجة اتساع نطاق تلك التقلبات.

مخاطر التغريدات تلك تأتي من المفاجآت المُفزعة التي يُطلقها البيت الأبيض، وتأتي تلك التغريدات مع مزيج من الأخبار والمعلومات الحالية أو حتى التغريدات السابقة، وقد تترك أثرًا كبيرًا أو قد لا تُحدث شيئًا.

كيف يمكن قياس أثر صدمات التغريدات بواسطة الفجوات؟

لدراسة تاريخ الفجوات؛ نأخذ الفترة الآتية مُقسمة إلى ثلاث فترات جزئية:

- فترة ما قبل الانتخاب (منذ الإعلان الانتخابي لترامب في حزيران (يونيو) من عام 2015 إلى الانتخابات) “Trump enters presidential race”.

- فترة الإصلاحات الضريبية (منذ الانتخابات إلى 26 من كانون الثاني (يناير) عام 2018) “Trump wins presidential election”.

- منذ إعلان فرض التعرفات الجمركية (الحرب التجارية) إلى بداية عام 2019 “Trump initiates tariffs”.

وفي الشكل الآتي تُعرض الفترات الثلاث، وحيث كل نُقطة تُمثل الفجوة اليومية بالنسبة المئوية من  قيمة الإغلاق السابق، وذلك لمؤشر DJIA. إذ يمكن ملاحظة اتساع حجم الفجوات مع الزمن خصوصًا في فترة إطلاق التعرفات الجمركية، حيث كان الأثر الأكبر:

في المقابل لم يَكن هذا التأثير دائمًا؛ إذ إن استجابة وول ستريت أنتجت أثارًا متباينة في أسواق المال منذ بداية عام 2019، وإن السوق ليس لديه اتجاه واضح، صاعد أم هابط “flat market”. أما الفجوات فكانت ذات توزيع احتمالي بمتوسط +0.02% (الشكل الآتي)، ومتناظر لدى الفجوات الموجبة والسالبة (أي إن احتمال ظهور فجوة بمقدار +1% يساوي احتمال ظهور فجوة بمقدار -1%) كما يُظهر مُخطط المئينات (Q-Q plot) الآتي:

ومن منظور آخر للأثر غير الدائم؛ يتضح من الشكل الآتي الذي يعرض الفجوات بتسلسل زمني، السلوك المتعاكس “whipsaw action” للتقلبات في مؤشر DJIA؛ أي إن الاتجاه الهابط لقيمة المؤشر يتبعه اتجاه صاعد، وقد يحدث ذلك حتى ضمن جلستين متعاقبتين، بمعنى أن الفجوات تتجه لإلغاء بعضها البعض مع الزمن ليعود كل شيء إلى ما كان عليه.

كيف تؤثر تغريدات ترامب في نفسيات المتعاملين؟

تكتيك ترامب في إرسال تغريدات لهز السوق لم تستطع حرف الأسواق عن مسارها ولم تترك أثرًا حقيقًا، لكن على المدى القصير تُنتج تقلبات في أسواق المال ومخاوف وتخبطات بدرجة كبيرة لدى المُتعاملين.

ما الحل لإزالة أثر تغريدات ترامب؟

الحل هو بتجاهل التغريدات والتركيز على المستقبل (أي أساسيات الاقتصاد الحقيقة وظروفه).

هكذا يعتقد مدراء صناديق واستثمار وخبراء صينيون في إدارة الأصول في معرض آرائهم لكيفية الاستجابة للتغريدات في مقالة لـ بلومبرغ  بعنوان "المتداولون يُركزون أنظارهم على تغريدات ترامب في كل مكان، عدا الصين؛ فبنظرهم من غير المُجدي تتبع ترامب في كل أفعاله، فقد يقولُ أمرًا ما ويحدث يكون أمرًا مختلفًا تمامًا في اليوم التالي، وأن الاعتماد على تغريداته سيسبب لك الحيرة حيال قرارات البيع والشراء. وما حدث هو أنه عندما علم المُتعاملون بالحرب التجارية؛ تصرفوا على نحو عاطفي مع مستوى قليل جدًّا من التوقعات العقلانية عما قد يحدث حيال الحرب التجارية، وهو ما أنتج تقلبًا في الأسواق، ويقترح الخبراء بأنه يجب الشراء حين يهبط السوق بفعل الاستجابة للأخبار السيئة والتغريدات، والبيع بعدما ينتعش السوق بفعل الأخبار الجيدة بعد حين.

 

المصادر:

هنا

الدراسات المرجعية:

Bukovina, Jaroslav. (2016). Social Media and Capital Markets. An Overview. Procedia - Social and Behavioral Sciences. 220. 70-78.10.1016/j.sbspro.2016.05.470. 

هنا