العمارة والتشييد > التشييد

حكايةُ‌ ‌سدِّ‌ ‌النهضة‌؛على شفا حرب مياه وشيكة

يمكنكم الاستماع إلى العمل عبر الرابط:

بدأت أثيوبيا في عام 2011 مشروع بناء سدّ النهضة الكبير (the Grand Ethiopian Renaissance Dam Project (GERDP، على نهر النيل الأزرق في موقع يُطلق عليه Guba، يبعد 60 كيلومترًا عن السودان، بسعةٍ تخزينيَّةٍ تشغيليَّةٍ مقررة قرابة 74 مليار متر مكعب، ما يهيئ لتوليد نحو 6000 ميغا واط من الطَّاقة الكهربائيَّة. (1)

ويتشارك قرابة عشرة بلدان أفريقيَّة في حوض النيل، هي: أثيوبيا، وبرواندي، وجمهوريَّة الكونغو الديمقراطيَّة، ومصر، وأرتيريا، وكينيا، ورواندا، والسودان، وتنزانيا وأوغندا. وعليه يتغير المناخ في الحوض من مناخ الغابات المطيرة الإستوائية إلى المناخ الصحراوي. (1)

فتتشارك كل من مصر وأثيوبيا والسودان في حوض النيل الأزرق (أحد الروافد الأساسيَّة لنهر النيل الذي يسهم بـ 60% من التَّدفق السنوي الكلي للنهر). (2) 

حوض النيل مبينًا عليه النيل الأزرق وموقع السد:

تتضمن أعمالُ بناءِ السد: سدًا ثقليًا من الخرسانة المضغوطة بالمدحلة (Roller compacted concrete (RCC، ومحطتين كهرمائيتين، ومفيضًا مزودًا ببوابات للتحكم بمناسيب المياه في بحيرة التخزين، إضافةً إلى سدٍّ منحني المحور من الركام الصخري؛ إذ يبلغ ارتفاع الجزء الأساسي من المشروع (السد الثقلي من الخرسانة المدحولة) قرابة 145 م، وبطول 1780 م. 

أجزاء السد:

النزاع حول بناء السد بين دول حوض النيل المتأثرة (إثيوبيا ومصر):

يعدُّ حوض النيل عمومًا موضع نزاع بين الدول المتشاطئة؛ لا سيّما في ظل التزايد السكاني في المنطقة، وسوء إدارة الموارد المائية المتوافرة فيها، إضافةً إلى التغير المناخي. (2) إلا أنّ بناء سد النهضة في أثيوبيا قد ضاعف حدّة الخلافات بين كل من أثيوبيا ومصر. 

فمن ناحيةٍ أولى تخشى مصر في حال ملء السد وبدء تشغيله من نقص حصتها من مياه النيل؛ مما يؤدي لإمكانية انحسار مساحة الأراضي الخصبة فيها، وانخفاض إنتاج الطَّاقة الكهربائيَّة التي يولدها السد العالي في أسوان (2)؛ الأمر الذي يهدد الأمن الغذائي والمائي في مصر، ويجعلُ ملايين المزارعين المصريين بلا عمل (3)، خصوصًا أنَّ 80% من المياه العذبة التي تحتاجها مصر تأتي من النيل ومن رافده الأساسي (النيل الأزرق)، ومن ناحيةٍ ثانيةٍ ترى الحكومة الأثيوبية أنَّ السد سيغطي احتياجات البلاد من الطَّاقة الكهربائيَّة مع إمكانية تصديرها لدول الجوار؛ إذ تبين إحصائيات البنك الدولي أنَّ 66% من الأثيوبيين يعيشون بدون كهرباء، وتعدُّ ثالث أعلى نسبة في العالم في هذا السياق، في حين يتوقع أن يحل بناء السد هذه المشكلة بتوليد نحو 6.45 غيغا واط من الطَّاقة الكهربائيَّة. 

ويدافع الطرف الأثيوبي عن حقه في بناء السد، فيرى أنَّ بناء السد لن يؤثر سلبًا في دول الحوض العليا؛ بل سيسهم في تنظيم الجريان المائي في النهر، ويقلل من آثار حوادث الجفاف والفيضان التي يواجهها الحوض في ظل التَّغير المناخي.

وفي هذا السياق؛ أنشأت الدُّول المعنية (مصر وأثيوبيا والسودان) لجنةَ خبراء مستقلة تحت اسم اللجنة الوطنية المستقلة للبحث العلمي the National Independent Scientific Research Group، بهدف إيجاد مخرج من الأزمة.

نقطة الخلاف الأساسيَّة حول زمن ملء السد: (3)

يعدُّ الزمن عاملًا مهمًا وأساسيًا في الخلاف بين مصر وأثيوبيا حول سد النهضة الكبير؛ إذ إنَّ تشغيل السد يعتمد على مدى سرعة ملء خزّانه المائي، فلا بدَّ من توّفر منسوب تخزين معين لبدء تشغيل العنفات، ومنه بدء توليد الطَّاقة الكهربائيَّة؛ إذ تعتزم أثيوبيا ملء بحيرة السد خلال خمس سنوات، بينما يُحرر حجم مائي قدره 35 مليار متر مكعب سنويًا إلى بلدن الحوز السفلي (مصر والسودان) خلال فترة الملء.

في حين ترى مصر أنَّ واردتها المائيَّة ستقل خلال هذه الفترة؛ وعليه يجب إطالة فترة ملء السد اللازمة لتشغيل المحطات الكهرومائيَّة إلى سبع سنوات بدلًا من خمس، مع تحرير حجم مائي قدره 40 مليار متر مكعب بدلًا من 35 سنويًا.

لا توجد اتفاقية رسميَّة بين مصر وأثيوبيا حول تقاسم المياه؛ وإنَّما توجد اتفاقية وقِعت بين كل من مصر والسودان عام 1959، وتقتضي حصول مصر على 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل بالمقابل تحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب سنويًا. وقد وُقعت هذه الاتفاقية قبل وقت قصير من بناء السد العالي في أسوان، إلا أنَّ أثيوبيا تعدُّ نفسها غير معنيةٍ بهذه الاتفاقية كونها لم تكن جزءًا منها، ولا تحترم حقوقها في الاستفادة من مياه النيل؛ وإنَّما يجب حل الخلاف بعد أخذ وجهة النظر العلميَّة ورأي الخبراء المتخصصين بعيدًا عن سياسة الفرض.

السد العالي في أسوان:

ويتوقع أحد خبراء البيئة بأنَّ مصر ربما تواجه نقصًا طفيفًا في المياه أو ربما لا تعاني أبدًا من ندرة المياه، وذلك في حال هطول المعدل السنوي للأمطار، وملء خزّان السد خلال 5 إلى 7 سنوات، مع تحرير حصةٍ مائيةٍ قدرها 35 مليار متر مكعب سنويًا، إلا أنّه من ناحيةٍ أخرى فإنَّها محقةٌ في قلقها من احتمال حصول ندرة مياه إضافيَّة خلال السنوات الجافة ذات معدل الهطول المطري المنخفض (أقل من الوسطي).

وحسب أحد الخبراء المتخصصين في دراسات حوض النيل، فإنَّ مصر لا يمكنها فعل شيء إزاء ملء السد وتشغيله؛ وعلى صناع القرار المصريين التَّكيف مع استقبال كميات أقل من مياه النيل خلال فترة ملء السد، ومنه تأثير ذلك في نوعية المحاصيل المزروعة، وهل ستكون الأولويَّة لإمداد السوق المصرية بالمنتجات الغذائيَّة المصرية أو سيُتوجَه نحو التصدير.

وحتى لو أُحِيل النزاع إلى محكمة العدل الدُّوليَّة، فإنَّ مثل هذه الخطوة تتطلب موافقةَ طرفي النزاع، ولو فرضنا جدلًا حصول ذلك فإنَّ الحكم لن يكون في صالح مصر بما أنَّ أثيوبيا لها الحق في الاستفادة من الموارد المائيَّة وتطويرها ضمن أراضيها. وهنا ترى مصر أنَّه لا بدَّ من حل النزاع من خلال محادثات جادةٍ بين الدول المعنية.

من الأفضل أن تتجه الأمور نحو الحل عن طريق المفاوضات، والنقاش المستند إلى أساس علمي حول كمية الهطول المائي المتوقعة خلال فترة ملء السد، ومدى تعرض بلدان الحوز السفلي لسد النهضة لنقصٍ حاد في المياه قد يهدد أمنها الغذائي والمائي، وإلّا قد نكون أمام حرب وشيكة؛ ولكن هذه المرة ليس من أجل النفط وإنَّما من أجل المياه.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا