علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

التشاؤم وأثره

قيل: إنَّ المتشائم لا يرى من الحياة سوى ظلِّها، فالتشاؤم يُضفي طعماً مُرًّا ولونًا باهتًا على الحياة، ويحرمنا من التَّمتُّع بها. 

وغيرها من الأقاويل الَّتي أرفقت التَّشاؤمَ مع كلِّ شيءٍ سوداويٍّ ومريضٍ في الحياة. 

فهل هذا صحيح أو مجرد أقاويل؟ 

في مقالنا هذا، سنتعرَّف التَّشاؤمَ وأثره.

التشاؤم:

التَّشاؤم أو تحيُّز السَّلبيَّة (1): هو تهميش المواقف الإيجابيَّة وربَّما عدم الانتباه لها، والتَّركيز على المواقف والأحداث السَّيِّئة وتهويلها، ثمَّ ترسيخ آثارها السَّلبية تلقائيًّا في الذَّاكرة. 

هذا كلُّه يجعل صاحبَه يتوقَّع أنَّ حياته المستقبليَّة مقبلة على الأسوأ دائمًا. (2)

وكثيرًا ما نُلقي اللَّوم على الأشخاص المتشائمين، ونتهمهم باتِّباع أسلوب حياة خاطئ. وأنَّ تشاؤمَهم ليس إلَّا نظرةً سوداويَّةً للحياة، وهم المسؤولون عنها. 

لكن إذا ما أبحرنا في أعماق التَّشاؤم سنرى أنَّه ذو أساسٍ عصبي، فهو مرتبطٌ بالعمليَّات الفسيولوجيَّة العصبيَّة في نصف المخِّ الأيمن (RH)، ويعود إلى الوساطة RH في الوضع المُثْبِط الَّذي يولِّد أحاسيسَ (بانعدام الأمان) داعمةً أساليبَ التَّفكير المتشائمة. (3)

آثار التشاؤم:

التشاؤم والصحة:

عندما نعلم أنَّ التَّفاؤل دواءٌ نفسيٌّ للصِّحة، فمن الطَّبيعيِّ إدراكُ مدى خطورة التَّشاؤم عليها. 

أثبتت دراسةٌ جديدة ضمن مجموعةٍ بحثيَّة عن التَّفاعل بين العقل والجسم أنَّ التَّشاؤم يعود بنتائجَ سلبيةٍ، وربَّما كارثيَّة على مرضى القلب. 

فقد أُجريت دراسةٌ على مجموعة من مرضى القلب استمرت مدَّةً تتراوح بين 6 إلى 10 سنوات، وكان لديهم أفكارٌ سلبية بخصوص وضعهم الصِّحيّ وشفائهم. 

أظهرت نتائج هذه الدِّراسة تعرُّضَ المرضى المتشائمين للموت ضعفَ أقرانهم الَّذين يتمتَّعون بنظرة إيجابية في تلك الفترة الزمنية. 

فنظرة المريض إلى مرضه ونسبة شفائه ستعطي مفعولًا مُطابقًا لها على المدى الطويل. 

لكنَّ هذا كلَّه يأتي بعد الأخذ بالأسباب، وعلاج المرض وترقُّب شدَّة المرض والحالة الوظيفيَّة والاكتئاب. إذ فاقت نسبة الوفيَّات عند المرضى الأكثر تشاؤمًا 30% من أولئك المتفائلين. (4)

وفي دراسةٍ كبيرة أجريت على مجموعة من كبار السِّن، أثبتت أنَّ المتشائمين كانوا أقل حظًّا في التَّمتُّع بصحّةٍ جيّدةٍ مقارنةً بأقرانهم. 

وبناءً على العديد من التَّجارب، أعطى التَّفاؤل نتائجَ أفضل فيما يتعلق بثمانية مقاييس للوظيفة البدنيَّة والعقليَّة والصِّحَّة.

كذلك أظهرت دراسة أمريكيَّة أُجريت على أشخاص آخرين ضمن اختبار نفسي (التشاؤم/ التفاؤل) مع تقييم طبي شامل وبعد 30 عامًا، أنَّ التَّشاؤم ارتبط بقِصَر العمر، فكلُّ 10 نقاط زادت في التشاؤم، زادت معها نسبة الوفيات بمعدل 19%.

نستخلص ممَّا سبق أنَّ المتفائلين ينعمون بصحَّةٍ أفضل وحياة أطول من المتشائمين؛ لقدرتهم على تغيير نمط حياتهم واتّباعهم نمط حياة أكثر صحَّة، مثل التَّمارين الرِّياضيَّة، وانخفاض نسبة التَّدخين، وأكثر قدرة على تحمُّل مشاقِّ الحياة الزَّوجيِّة، إضافة إلى التزامهم أكثر بنَّصائح أطبَّائهم العلاجيَّة. (5)

التّشاؤم والتَّحصيل العلمي:

أمَّا فيما يخص الدِّراسة والتَّحصيل العلميِّ، فللتَّشاؤم أثرٌ أيضًا. 

فقد حصل عدد ليس بقليل من الطُّلاب ذوي النَّظرة المتدنِّية للتَّحصيل النَّهائي على نتائجَ مطابقة لتلك النَّظرة التَّشاؤميَّة. 

لكنَّنا لا نستطيع أن نعوِّل النَّتيجة المتدنِّية على النَّظرة التَّشاؤمية فقط، فالجدُّ والدِّراسة هما العاملان الرَّئيسيان في ذلك. (6)

التَّشاؤم من منظور آخر:

وفي المقابل، وكما لكلِّ شيء في الحياة إيجابيَّات وسلبيَّات، فإن للتَّشاؤم إيجابياتٍ أيضًا. 

وهذا ما أكَّدته جمعيَّة علم النفس الأمريكيَّة من خلال بحثٍ حديثٍ لها، إذ قالت: إنَّ تأثير التَّشاؤم في بعض المرضى يعود عليهم بحياةٍ أطول وصحَّةٍ أكثر، مقارنةً مع آخرين كانت نظرتهم المستقبليَّة أكثر تفاؤلًا. 

ذلك أنَّ التَّشاؤم يدفع الشَّخص إلى اتَّخاذ المزيد من الحِيطة والحذر في أسلوب حياته، وتطويق نفسه بوسائل الصحة والسلامة. 

لكنَّ هذا لا ينفي دور التَّفاؤل الإيجابيِّ الكبير في حياة المرضى. (7)

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا

6- هنا

7- هنا