الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة اليونانية

أصل العالم عند اليونانيين، ديموقريطس؛ المذهب الذري

كانت التغيّرات المستمرة للطبيعة لافتة لعقول الفلاسفة الإغريق؛ لذا تساءلوا عن التغيرات المرئية داخل الطبيعة لفهم أحداثها وتفسيرها، محاولين صياغة بعض القوانين الطبيعية المُبرهنة دون الرجوع إلى الأساطير التي يعرفونها؛ أي بعيدًا عن جعل الآلهة والقوى الخارقة هي المسؤولة عن نمو النباتات أو حدوث الكوارث الطبيعية، على الرغم من اعتقادهم بوجود مادة أولية تعود إليها الأشياء الطبيعية جميعها؛ إلا أننا معنيون بطريقة تفكيرهم أكثر من مضمون هذا التفكير؛ فالأسئلة التي طرحوها والأجوبة التي أرادوا الوصول إليها ما زالت تهم الإنسان حتى الوقت الحاضر؛ وبذلك نقدِّم سلسلة أصل العالم عند اليونانيين.

ديموقريطوس (Democritus) أو ديمقريطس (460-370 ق.م) المعروف في العصور القديمة باسم (الفيلسوف الضاحك) بسبب تأكيده قيمةَ المرح، وهو أحد مؤسسي النظرية الذرية القديمة. ولد ديمقريطس في أبديرا، وبعض التقارير التاريخية ترجّح أنه ولد في ملطية ورحل إلى إيليا ثم جاء إلى أبديرا وأنشأ بها مدرسة.[1]

المذهب الذري (Atomism):

أقام هذا المذهب رجلان؛ وهما ليوسبس (Leucippus)، ولم يذكر التاريخ اليوناني شيئًا واضحًا عن حياته، والرجل الآخر هو ديمقريطس (Democritus)، ويُعدُّ المذهب الذري -أو مذهب الجوهر الفرد- ثمرة فلسفة هذين الفيلسوفين؛ إذ إنهما طوّرا مذهب إمبِذُقليس (إنبادوقليس) الذي يسند نشوء وتركيب الكون إلى أربعة عناصر؛ التراب والماء والهواء والنار، وقوّما مذهبه ليكون منطقيًّا ودقيقًا أكثر.

فقد زعما أننا لو حلّلنا المادة إلى جزيئاتها لانتهينا لوحدات لا تقبل التقسيم، وهي ما أطلقا عليها اسم الجواهر الفردة (الذرات)، وتُكوّن الذرات في مجموعها مادة الكون، وهي لانهائية العدد، ودقيقة بما يتجاوز قدرة إدراك الحواس لها، وليست مثل عناصر الكون الأربعة كما طرح إمبِذُقليس، إنما هي عنصر واحد ومتجانس؛ ومع أن الذرات الأولى متشابهة ومتجانسة تتساوى جميعًا في انعدام الصفات والخصائص، إلّا أنها تختلف حجمًا كما تتباين شكلًا وقالبًا، ولأن الذرات تخلو من الصفات لابد أن هذه الصفات التي ندركها في الأشياء ناشئة عن كيفية ائتلاف الذرات في تكوينها للأجسام،[3] وأن هذه الذرات قديمة ودائمة، إذ إن الوجود -حسب رأيهما- لا يخرج من اللاوجود ولا ينتهي إليه.[2]

النفس حسب المذهب الذري:

يرى ديمقريطس أن النفس مادية ومؤلفة من أدق الجواهر (الذرات) وأسرعها حركة؛ إذ إن النفس تمثّل مبدأ الحركة في الأجسام الحيّة، وهذه الجواهر منتشرة في الهواء الذي يدفعها للأجسام فتَتغلغل في البدن كله وتتجدّد في التنفس في كل آن، وما دام التنفس مستمرًا دامت الحياة والحركة والشعور للبدن، وإذا فقد بعضها كان النوم واللاشعور، وإذا فقدت كلها كان الموت الحقيقي؛ فناء البدن.

وأمضى ديمقريطس في المذهب إلى حده الأقصى ووضعه في صيغته النهائية: إن كل شيء هو امتداد وحركة، ولم يستثنِ النفس الإنسانية، ولم يستثنِ الآلهة أيضًا، فيرى أنهم مركبون من جواهر كالبشر إلا أن تركيبهم أكثر دقة، ولذلك هم أحكم وأقدر وأطول عمرًا بكثير، ولكنهم لا يخلدون بل كل شيء خاضع للقانون العام؛ أي للفساد بعد الكون واستئناف الدور على حسب ضرورة مطلقة ناشئة من المقاومة والحركة والتصادم دون أي غائية أو علة خارجية عن الجواهر.[2]

المصادر:

[1] هنا

[2] كرم، يوسف. (2012). تاريخ الفلسفة اليونانية. (د.ط)، القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة. صـ 54-57.

[3] نجيب محمود، زكي. أمين، أحمد. (2017). قصة الفلسفة اليونانية. (د.ط)، القاهرة: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة. صـ 54-56.