الطب > مقالات طبية

ما هي اللغة التعليمية الأفضل للعلوم الطبية في بلادنا؟

لا شك في أن طالب الطب خلال مسيرته التعليمية قد سمع كثيرًا عن أهمية التواصل الجيد ما بين الطبيب والمريض في تقديم رعايةٍ صحية جيدة (1)، وحاليًّا تشكل مهارات التواصل ما بين الطبيب والمريض جزءًا أساسيًّا من المنهج الطبي الجامعي في المملكة المتحدة على سبيل المثال (5). ولكن؛ مع تبني اللغة الإنجليزية في التعليم الطبي قد تحدث فجوة في التواصل ما بين المريض والطبيب نظرًا لاختلاف اللغة الأم عن اللغة التعليمية (1)؛ إذ تبقى الحواجز اللغوية من أكثر العقبات التي عبّر عنها الأطباء (1).

وقد أدى هذا الأمر إلى نشوء العديد من المناقشات في مختلف البلدان غير الناطقة باللغة الإنجليزية؛ إذ دارت هذه المناقشات حول ماهية اللغة المختارة في التعليم الطبي (2)؛ هل عساها تكون اللغة الإنجليزية أم اللغة الأم؟

في الحقيقة، يجب علينا ألّا ننسى بأن اللغة الإنجليزية هي اللغة الدولية الرائدة في مجال الطب والبحوث، وهي الأداة الأهم للتعليم الطبي المستمر، وعلى الرغم من ذلك؛ تبقى اللغة الأم -كما ذكرنا- الأفضلَ في تعزيز التواصل بين المرضى والأطباء وحتى بين أفراد الطاقم الطبي ذاته (2).

تعتمد قرابة ثلث الكليات الطبية الدولية في العالم -خارج الولايات المتحدة الأمريكية وكندا- على اللغة الإنجليزية في التعليم الطبي، ولكن؛ ما يجب عليك معرفته أنّ اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية في خمسة بلدان فقط من البلدان التي توجد فيها هذه الكليات الطبية! (1)؛ إذ إن غالبيّة المدارس الطبية في مصر والمملكة العربية السعودية -على سبيل المثال- تعتمد مناهجها كليًّا على اللغة الإنجليزية على الرغم من أن لغتهم الأم هي اللغة العربية، على عكس سوريا التي تعتمد المناهج الطبية فيها على اللغة العربية (2)، في حين توجد في لبنان سبع كليات طبية رسمية مسجلة؛ أربعة منها تستخدم اللغة الإنجليزية، والبقية تستخدم اللغة الفرنسية، علمًا أنّ كلتيهما ليستا اللغة الرسمية في البلاد (1).

 

إن مفهوم التعريب الطبي لا يعني التخلي عن اللغة الإنجليزية تمامًا، وإنما الهدف من ذلك أن يتعلم الطلاب بلغتهم الأم مع الحفاظ على معرفتهم الجيدة باللغة الإنجليزية كما هو الحال في ألمانيا واليابان والدول الإسكندنافية (3).

لذلك؛ كان لا بُدّ من دراسة فعالية التعليم الطبي -سواءً أكان باللغة الأم أم باللغة الإنجليزية- وتقييمها لمعرفة اللغة المختارة، الأمر الذي أدى إلى نشر كثيرٍ من الدراسات والمقالات البحثية في هذا المجال.

وقد وجدت إحدى الدراسات أنّ عينة دراستهم الممثلة بالأطباء قد استطاعت الاحتفاظ بالمعلومات الطبية على نحو أفضل عندما عُرِضَت عليهم بلغتهم الأم مقارنةً باللغة الإنجليزية (4).

وفي دراسة استقصائية أُجرِيَت في لبنان؛ أجرى الباحثون استبيانًا على عينة من طلاب الطب البالغين (457 طالب) في الجامعات الطبية اللبنانية لتقييم مدى ثقة هؤلاء الطلاب في قدرتهم على الحصول على القصة السريرية من المرضى بلغتهم الأم (العربية)، وضمّ هذا الاستبيان 17 سؤالًا، وتنوّعت هذه الأسئلة ما بين اللغة المحكية في المنزل واللغة التدريسية في المدرسة والجامعة والمستخدمة في التعليم الطبي، كذلك تناولت الأسئلة المستوى الأكاديمي والجنس ولغتهم الأصلية وما إلى ذلك.

كان %88.5 من الطلاب المشاركين في الاستبيان واثقين من قدرتهم على الحصول على القصة السريرية من مرضاهم باللغة العربية، فقد ارتبطت هذه الثقة عندهم من كونهم متحدثي لغة عربية أصيلين، إضافةً إلى كون النسيج الاجتماعي اللبناني ذي ثقافة متعددة اللغات (1).

كذلك أُجريت دراسة استقصائية في مصر لتقييم وجهات نظر الهيئة التدريسية والطلاب فيما يخص الحواجز اللغوية التي يعانونها في التعليم الطبي؛ إذ أُجريت الدراسة في كلية الطب في جامعة "عين شمس" بداية العام الدراسي 2008، وشملت نسبة المستجيبين للدراسة 326 طالب طب و110 شخصٍ من أعضاء الهيئة التدريسية.

وأظهرت النتائج أنّ (56.3%) من طلاب الطب لا يَعدّون تعلم الطب باللغة الإنجليزية عائقًا، في حين أقرَّ (35.8%) من أعضاء الهيئة التدريسية بأن هناك فجوة بين تعلم الطب والممارسة الفعلية.

وقد نُشِرت مؤخرًا دراسة مميزة أجراها مجموعة من الباحثين -ومنهم أعضاء من شبكة "الباحثون السوريون"- في المجلة العلمية المحكمة (BMC Medical Education) المختصة بشؤون التعليم الطبي وتطويره تحت عنوان: 

Language of written medical educational materials for non-English speaking populations: an evaluation of a simplified bi-lingual approach

هدفت الدراسة إلى تقييم مدى الفهم العلمي للمعلومات الطبية المكتوبة بين طلاب الطب الناطقين باللغة العربية، وذلك باستخدام ثلاث مقاربات لغوية:

- المعلومة الطبية المعرّبة بالاعتماد على القاموس الطبي الموحد.

- المعلومة الطبية المكتوبة باللغة الإنجليزية بالكامل.

- المعلومة الطبية المكتوبة بالجمع ما بين اللغة العربية المُبسَّطة واللغة الإنجليزية (المقاربة الهجينة).

وقُدّمت هذه المقاربات على شكل ثلاثة نصوص قصيرة طبية تلا كل واحدٍ منها سؤالان؛ أحدهما باللغة الإنكليزية والآخر باللغة العربية.

أُجري الاختبار على الإنترنت ووُزِّع على الطلاب بواسطة منصات على الفيسبوك والإنستغرام كمنصة "الباحثون السوريون"، وقد أُطلِق الاختبار في 14 حزيران عام 2018 وانتهى في 4 آب عام 2018، وبلغ مجموع المشاركين 1546 طالب من مختلف الكليات الطبية (طب بشري وطب أسنان وصيدلة)؛ سواءً أكانوا من الجامعات الحكومية أم الجامعات الخاصة السورية، إضافة إلى مشاركة عدد من الطلاب العرب في البلدان العربية والأجنبية.

حقق المشاركون أفضل النتائج في الاختبار -وبفارق إحصائي مهم- باستخدام المقاربة الهجينة التي جمعت اللغتين العربية والإنجليزية؛ إذ تُقدَّم المفردات الطبية والمصطلحات المهمة للطلاب باللغتين العربية والإنجليزية، في حين يُقدَّم الجزء غير الطبي من النص باللغة الأم وهي العربية المُبسَّطة.

وعند سؤال المشاركين عن المقاربة المفضلة لديهم، فضّل 50% منهم النص الهجين على النص المقدم باللغة العربية لوحدها أو الإنكليزية لوحدها.

تأتي أهمية هذا البحث من كونه البحث التجريبي الأكبر من نوعه لتقييم اللغة المكتوبة للمواد الطبية، وربما تشكل نتائج هذه الدراسة -جنبًا إلى جنب مع النتائج المهمة للدراسات الأخرى التي تهدف إلى تقييم اللغة الأفضل لتدريس العلوم الطبية- مرجعًا جديدًا نضعه بين يدَي صانعي القرار في الكليات الطبية في عالمنا العربي عامةً وسورية خاصة للوصول إلى مناهج أفضل ومقاربات تعليمية أكثر فعالية (2).

المصادر:

1-هنا

2-هنا

3-هنا

4-هنا

5-هنا