العمارة والتشييد > التصميم المعماري

تاريخ بناء الجسور الإسمنتية

اختُرع الإسمنت البورتلاندي في القرن التاسع عشر عام 1824، وقاد هذا الاختراع إلى تحولٍ مذهلٍ في عالم الأبنية والمنشآت؛ إذ تطوَّرت آلية التفكير وأنشأت ثورةً هائلةً في الجسور.

في البداية قوَّى المزارع جوزيف مونير Joseph Monier العناصر الإسمنتية القليلة السماكة بتزويدها بشبكةٍ من حديد التسليح، وبعد ذلك شرع فرانسواه إينوبيك François Hennebique عام 1879 بفكرة نظامٍ إنشائيٍّ جديد قائمٍ على استعمال جوائز بيتونية تحوي قضبان تسليح تتحمل الشد بدلًا عن الجوائز الحديدية؛ إذ يتحمَّل البيتون الضغط في هذه الجوائز البيتونية، وفي نهاية القرن التاسع عشر أصبح الإسمنت المسلَّح بديلًا اقتصاديًّا عن الأحجار، إضافةً إلى قدرة تحمُّله العالية وإمكانية تشكيله نماذج إنشائية في غاية الجمال دون الاستعمال الكبير للمواد.

ومن المبدعين الأوائل الذين استعملوا الإسمنت المسلح إينوبيك Hennebique إضافةً إلى الألماني ج.أ واياس  G.A. Wayss. 

بنى Hennebique جسرًا على نهر شاتيلغو Châtellerault في فرنسا عام 1899، ويُعَدُّ هذا الجسر من أطول الجسور الخرسانية المسلحة في القرن التاسع عشر، وقد بُني الجسر على ارتفاعٍ منخفضٍ وقريبٍ من سرير النهر دون التأثير في حركة القوارب، وقد كانت مهمته مثل مهمة باقي الجسور في القرن التاسع عشر؛ وهي تأمين عبورٍ آمنٍ للمشاة.

صُمِّم أطول جسرٍ خرسانيٍّ قوسي في عشرينيات القرن العشرين على يد الفرنسي إيوجين فريسينت Eugène Freyssinet على نهر السين في موقع سانت بيير دو فوفراي Saint-Pierre-du-Vauvray، ويتألَّف من قوسين نحيلين بطول 25 م فوق النهر تربطهما تسعة جوائز عرضية، وترتبط بلاطة الجسر بالأقواس السابقة بواسطة شدادات فولاذية نحيلة مغلَّفة بالمونة الإسمنتية، وقد دُمِّر الجسر في الحرب العالمية الثانية وأعيد بناؤه بالشكل نفسه.

بنى Freyssinet عام 1930 جسر بلوغاستل Plougastel  على مصبِّ إلرون قرب بريست فرنسا، ويُعدُّ من أكثر أعماله شهرة، ويتميَّز هذ الجسر بثلاثة مجازات بطول 176 م، ويستند كلُّ مجازٍ منها على قوسٍ تربط بينه وبين بلاطة الجسر جدران رابطة، وبسبب أداء المنشأة الرائع أجرى Freyssinet دراسات حول تصرُّف البيتون تحت أحمال الضغط، ممَّا قاده إلى فكرة البيتون مسبق الإجهاد.

في عام 1943 أصبح جسر ساندو Sandö على نهر أنغرمان Ångerman في السويد -الذي يتألَّف من قوس وحيد بمجاز 260 م وارتفاع 39 م فوق النهر- أطول من جسر Plougastel.

أعمال المهندس Robert Maillart في مجال الجسور الخرسانية المسلحة:

يُعدُّ المهندس المدني السويسري روبرت مايلارت Robert Maillart (1872-1940)  من الأوائل الذين استعملوا البيتون المسلح عام 1901؛ إذ بنى أوَّل جسر له في زوس zous، وكان من المقرَّر أن يكون الجسر معدنيًّا بجوائز شبكية لكنَّ المهندسين Frôté & Westermann اقترحا جسرًا بديلًا من البيتون المسلح من تصميم Maillart، وقد كان التصميم عبارةً عن قوسٍ متَّصلٍ مع بلاطة الجسر بواسطة جدرانٍ رابطة أعطت شكل جائزٍ صندوقيٍّ مفرَّغٍ متعدَّد الارتفاعات.

وبنى جسر فورديرهين Vorderrhein في تافاناسا Tavanasa بمجازٍ يبلغ 50 م، وقد وصل به إلى شكلٍ جديدٍ متفوِّقٍ تقنيًّا بتقليل الجدران الرابطة  بين بلاطة الجسر والقوس، وتتَّصل الأقواس مع بعضها ومع الدعامات بمفاصل تسمح للجسر بأن يرتفع بحرية دون تشكُّل قوى ضغط داخلية وذلك عند تعرُّضه للقوى الناتجة عن اختلاف درجات الحرارة (تمدُّد وتقلُّص)، ولكن دُمِّر الجسرعام 1927 نتيجة انهيارٍ ثلجي.   

ومن تحفه الفنية جسر فالشيا باك  Valtschielbach، الذي اعتمد فيه أسلوبًا جديدًا يُسمَّى (a deck-stiffened arch)؛ إذ يمكن جعل القوس نحيلًا جدًّا شرط أن تكون جوائز البلاطة صلبة، وفي هذه الحالة تعمل البلاطة على دعم القوس عن طريق الجدران الرابطة بينهما، أي يمكن تقليل سماكة القوس لتصل إلى حدود 23 سم عند التاج (في الأعلى) وأكثر من 28 سم عند الدعامة، وقد عكس هذا التصميم الرائع الفهم العميق عند Maillart لكيفية عمل البيتون المسلح. 

ومن الجسور الأخرى لـ Maillart:

جسر Salginatobel عام 1930 بمجاز 89 م.

جسر شانباخ Schwandbach عام 1933.

نختتم رحلتنا لليوم مع الحس الهندسي لـ  Maillart الذي أوجد أفضل الحلول الإنشائية بأقل المواد المستخدمة وأقل تكلفةٍ ممكنة، وقد أظهرت آخر أعماله حيله لإيجاد الحلول التي تمتاز بطابع جمالي مثل جسر المشاة على نهر Arve عام 1935 المكوَّن من ثلاثة أقواس متقاطعة بشكل حرف X.

تابعونا في مقالنا القادم لنحدِّثكم عن أكثر الأعمال شهرةً للجسور ذات البيتون مسبق الانضغاط.

المصادر:

هنا

هنا

هنا