الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

مفهوم التشييء(Objectification); علاقته بالإباحية واللامساواة الجنسية

التشييء: هو مفهوم مركزي في النظرية النسوية، ويُعرَّف على أنه رؤية أو معاملة شخص ما كشيء، وغالبًا ما تتعرَّض النساء -على وجه الخصوص- لهذه الحالة؛ لذا في هذا السياق ينصب التركيز في المقام الأول على التشييء الجنسي (تشييء جسد المرأة)، وقد اتَّفق غالبية المفكرين المُناقشين في موضوع التشييء على رؤيته ظاهرةً إشكالية أخلاقية، وترى الفيلسوفة الأمريكية مارثا نوسباوم (Martha Nussbaum) أنه يوجد سبع ميزات تدل على أن الإنسان أصبح مُشيَّأً:

1- يُستخدم الشخص مجرّد أداة وليس إنسانًا له هويته.

2- معاملة الشخص على أنه يفتقر إلى الاستقلال الذاتي وتقرير المصير.

3- معاملة الشخص على أنه مستضعف وغير قادر على إنجاز مَهمَّاته.

4- يكون عرضة دائمًا للاستبدال بشيء آخر ومعاملته على هذا الأساس.

5- معاملة الشخص على أنه يفتقر إلى الأمن الشخصي وعرضه للانتهاك في أي وقت.

6- معاملة الشخص أنه شيء، دون قيمة، يمتلكه شخص آخر (يمكن شراؤه أو بيعه).

7- حرمان الشخص من الذاتية المعتبرة من الآخرين؛ أي عدم أخذ تجاربه ومشاعره بعين النظر.[1]

وأضافت أستاذة الفلسفة في جامعة كامبريدج راي هيلين لانجتون (Rae Helen Langton) ثلاث ميزات أخرى لقائمة مارثا نوسباوم:

1- الاختزال في الجسد: معاملة الشخص كأنه محدد بالجسد أو بأجزائه.

2- الاختزال في المظهر: معاملة الشخص أساسيًّا وفقَ المظهر الخارجي.

3- الإسكات: معاملة الشخص وكأنه ملزم بالصمت ولا يملك القدرة على الكلام والتعبير.[1]

- آراء كانط عن علاقة النشاط الجنسي بالتشييء:

 كانت وجهات نظر الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط ( Immanuel Kant 1724-1804) عن التشييء الجنسي مؤثرة، وخاصةً في المناقشات النسوية المعاصرة عن هذا الموضوع.  

ينطوي التشييء لكانط على تحجيم الشخص والتقليل من قيمته؛ إذ يتحول الكائن من إنسان إلى مجرّد (شيء) وبذلك تُهدَر إنسانيته التي هي -بحسب كانط- طبيعة الفرد الأخلاقية وقدرته على الاختيار العقلاني؛ إذ تكمن السمة المميزة للبشرية في قدرة الفرد على تحديد وتحقيق غاياته الإنسانية والأخلاقية على عكس الحيوانات والأشياء.[1]

 

يشعر كانط بالقلق إزاء ممارسة الناس لنشاطهم الجنسي خارج إطار الزواج الأحادي بحجة أنه في مثل هذه الحالات يظهر التشييء، ويرى أنهم بذلك يعاملون الإنسانية وسيلة لتلبية حاجاتهم الجنسية فقط، وتطرّق كانط في كتابه (محاضرات الأخلاق) إلى الحالات التي تحدث عندما يمارس الفرد نشاطه الجنسي، وهي: التدهور والتبعية والإهمال. 

وذهب إلى حد القول أن النشاط الجنسي يمكن أن يؤدي إلى ضياع الإنسانية أو التضحية بها لأجل الاستمتاع بممارسة الجنس الآنية؛ لذا ركّز كانط في التشييء إلى حد كبير على فكرة الوسيلة؛ أي معاملة الشخص كوسيلة يحقق بها المحبوب مآربه الجنسية. 

وعلى الرغم من أن الرأي القائل بأن الإنسانية تُدَمر تمامًا عندما يمارس الناس نشاطهم الجنسي هو رأي غير مقبول وغير مستحب؛  فإنه لمن المنطقي جدًّا التفكير أن في بعض الحالات يمكن للرغبة الجنسية وممارسة النشاط الجنسي أن تقوض عقليتنا.[1]

 اعتقد كانط أنه من الناحية النظرية قد يكون كل من الرجل والمرأة عرضةً للتشييء؛ لكنه كان يدرك جيدًا أن المرأة هي في الواقع أكثر ضحايا التشييء شيوعًا[1]. وأظهرت دراسات حديثة صحّة هذا الرأي؛ فتشير الأبحاث إلى أن التشييء الجنسي هو أمر تتعرض له النساء باستمرار في الولايات المتحدة؛ فمثلًا في سلسلة من الدراسات للحياة اليومية؛ وجدت أن 94% من النساء الجامعيات أبلغن عن تعرضهن للتشييء الجنسي مرة واحدة على الأقل في كل فصل دراسي سواء أكانت تعليقات أم سلوكيات جنسية. وأثبتت الدراسة أن النساء يختبرن التشييء الجنسي أكثر من الرجال، ويمكن أن يؤدي هذا التمييز الجنسي إلى زيادة التوتر والقلق والاكتئاب لدى النساء.[2][3]

- المواد الإباحية والتشييء:

أكد كانط أن انخراط النساء بالعلاقات ذات الإشكالية الأخلاقية (الدعارة والبغى والمحظيات) يؤدي إلى وضع النساء بخانة أدوات تُستخدم لإثارة الشهوة وتلبيتها لا أكثر، وعلى غرار كانط وجدت الناشطتان النسويتان المناهضتان للمحتوى الإباحي كاثرين ماكينون (Catharine MacKinnon) وأندريا دوركين (Andrea Dworkin) أن اللامساواة بين الجنسين مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتشييء؛ فيرى كل من كانط والنسوّيتان أن هناك المُستَغِل القوي من ناحية، ومن ناحية أخرى لدينا ضحيته الضعيفة، وبسبب قوتهما غير المتساوية: فإن الأول يُشيِّئ الأخير.[1] وتقول ماكينون عن التشييء: "يحدث التشييء عندما يُعامَل إنسان على أنه أقل من غيره، ويُحوَّل إلى شيء أو سلعة، يمكن شراؤه وبيعه. وعندما يتعرض الإنسان للتشييء، تُنكَر شخصيته، وتُلغَى كرامته اجتماعيًّا وتصبح خصوصيته مُقيَّدة للغاية".

وفي حين رأى كانط أن اللامساواة تنشأ جراء الزيجات المتعددة؛ فقد ذهبت ماكينون ودوكين إلى أن اللامساواة ليست محصورة بهذا القالب فقط بل هي ظاهرة أوسع من ذلك، وإن هذه الحالة -إضافةً إلى التشييء- مرتبطة بمتابعة الرجال للمحتوى الإباحي؛ فإن الإباحية عند ماكينون مسؤولة عن المفهومات التي تكونت لدى كل من الرجال والنساء عن تبعية المرأة للرجل وكونها أداة لتلبية رغباته، مؤكدةً أنه يُعدُّ ضررًا خطيرًا يهدد إنسانية الإنسان. 

وفيما يخص كانط؛ يُعدُّ النشاط الجنسي بحد ذاته إشكاليًّا، لكن لدى ماكينون ودوكين من ناحية أُخرى لا تكمن المشكلة بالنشاط الجنسي بحد ذاته بل في نوعية هذا النشاط الجنسي الذي يُظهر صورة المرأة في حالة ضعف وتبعية وقبول التعنيف الذي تروجه الإباحية. وتدين النسوّيتان عدَّ التشييء الذي يمارس بحق المرأة على أنه مسموح فقط لأن بعض النساء وافقن عليه وقبلنَ بأن يُشيَّأن؛ وذلك لأن المجتمع الذكوري يفرض على النساء خيارات محدودة وضيقة ممّا يمنع استقلالهنَ.[1]

ومع كل ما استخلِصَ من أفكار كانط عن علاقة الجنس بالتشييء، وموافقة النسويتان ماكينون ودوكين وتأييدهما هذه الفكرة؛ فإن هذا الرأي لم يخلُ من الانتقادات التي وجّهت له؛ إذ إن الباحث ليزلي غرين (Leslie Green) ذهب إلى القول بأن معاملة النساء كأدوات تُرسخ عن طريق ضغط الفكر الذكوري الذي يُمارَس على المرأة في التلفاز، والروايات، والفيديو، والإعلانات، والكليبات والأزياء والموضة؛[1] فمثلًا في إعلان تلفزيوني لمنتج (فيرجينيا سليمس) للسجائر تظهر إمرأة نحيلة بملابس السباحة تُدخن السيجارة؛ فإن استخدام جسد امرأة في مشهد مثير للترويج للسجائر يندرج في خانة تسليع جسد المرأة وفرض معايير جمال مثالية عليها لتحظى بقيمتها في المجتمع[3]؛ لذلك ما نحتاجه للقضاء على هذه الحالة هو تغيير هذا المجتمع وإدراك الفاعلية التي تمتلكها المرأة ويمكن أن تحدثها فيه وإخراجها من حالة كونها مجرّد (جسد) يستخدم سلعةً إعلامية أو شيئًا. 

وتؤيد نوسباوم (Nussbaum) هذا الرأي أيضًا؛ مؤكدة أن التشييء مرتبط بعدم المساواة الاجتماعية، وتنفي أن تكون المواد الإباحية هي السبب الجوهري في اللامساواة.[1]

المصادر:

1- هنا

2- هنا 11 

3- هنا