علم النفس > المنوعات وعلم النفس الحديث

تأثير الآخرين في قراراتك الشخصية

إنَّنا كائناتٌ اجتماعيَّة بطبعها، نحتاج إلى الشُّعور بالانتماء والموافقة من قِبَل الآخرين، وهو أمر يساعدنا على تكوين علاقاتنا وإعطاء معنى لحياتنا، وبناءً على ذلك ظهر ما يُسمَّى عجلة التَّفكير الجماعيَّة (عقليَّة القطيع). (1)

يشير مصطلح "عجلة التَّفكير" إلى ميل النَّاس إلى تبنِّي سلوك أو أسلوب أو موقف معيَّن لمجرَّد أنَّ معظم النَّاس تتبنَّاه، فكلَّما زاد عدد الأشخاص الذين يتبنَُون موقفًا معينًا، زاد عدد الأشخاص الذين سيتَّبعون هذه العجلة. (2)

إنَّ العقليَّة الجماعيَّة تجعلنا نتأثَّر بما يفكِّر به الآخرون أو يقرِّرونه، بحيثُ نصدِّق ما يصدِّقونه، والعكس صحيح؛ قد يجعلنا هذا النوع من التفكير نصدق أنَّ أمرًا ما (يمكن تحقيقه) غير قابل للتَّحقيق؛ بسبب أنَّ الآخرين قد حاولوا وفشِلوا في تحقيقه، لذلك فإنَّ التَّفكير الجماعيَّ يهدِّد كونَنا موضوعيّين حيال القرارات، ويمنعنا من التَّفكير بأنفسنا واتِّخاذ القرارات المناسبة لنا (بالنظر إلى أنَّ لكلِّ فرد فروقًا تختلف عن غيره). (1)

يُعدُّ تأثير عجلة التفكير جزءًا من التَّحيزات المَعرفية أو الأخطاء الشَّائعة في التَّفكير الَّتي تؤثِّر في الأحكام والقرارات التي يتَّخذها النَّاس، ومن الأمثلة على تأثير هذه العجلة:

 لماذا يحدث تأثير العجلة؟

وعلى الرَّغم من أنَّ تأثير العجلة قويٌّ للغاية، فإنَّه هشٌّ؛ وذلك بسبب انضمام الَّناس السَّريع إليه.

فكما أن اللحاق به سريع، كذلك النزول عنه سيكون سريعًا.

تكمن خطورة تأثير العجلة في نتائج بعض القرارات الخاطئة أو المواقف غير المناسبة، ومن الأمثلة على ذلك أنَّ الأفراد الذين تأثَّروا بحركة مكافحة التَّطعيم أصبحوا أقل عرضةً للحصول على التَّطعيم الرُّوتيني في مرحلة الطفولة لأطفالهم، وقد أدى هذا إلى تفشِّي مرضِ الحَصبة بينهم. (2)

وعلى الرَّغم من أنَّ عجلة التفكير الجماعية قد تحْمِل آثارًا ضارَّة، فإنَّها قد تُفيد في بعض الأحيان في مجالات التَّسويق، خاصةً عندما يعتمد مَبيْع سلعةٍ ما على التَّصويت العالي لها، فغالبًا يميل الأشخاصُ إلى شراء السِّلع الأعلى تصويتًا أو السِّلع الأكثر مَبيعًا.

 ومع ذلك، قد تخفي عجلة التفكير الجماعي في طياتها بعضَ الضَّرر والتَّعب لنا بين الحين والآخر، إذ يكون من الصَّعب التَّمييز بين عجلةِ تفكيرِنا الخاصّ وعجلة التفكير الجماعيِّ، ولذلك علينا أن نسأل أنفسنا: لماذا نعتقد بشيء ما؟ أو لماذا نحب هذا ونكره ذاك؟ وعن أصل معتقداتنا، وهل هو أمر منطقي أم مناسب؟ 

قد تكون بعض الأجوبة صعبة الظُّهور أحيانًا، ومن ثمَّ نحتاج إلى التَّعمق في ذواتنا، وقد يساعدنا في ذلك شخصٌ ما. (1)

بعض التحيُّزات المعرفيَّة التي تؤثِّر في قراراتنا العقليَّة:

  1. تأكيد التَّحيُّز: فنحن نحبُّ أنْ نكونَ مع مَن يتَّفق معنا ومع آرائنا؛ ولذلك نكون مع أشخاص معينين، أو نزور مواقعَ تناسب آراءَنا وأذواقنا وتوافقها.
  2. التَّحيُّز للمجموعة: أي نميل إلى موافقة مجموعتنا التي ننتمي إليها.
  3. التَّوقعات: غالبًا نميلُ إلى الاعتقاد بأنَّ الماضي يؤثِّر بطريقةٍ ما في أحداث المستقبل، فكلَّما تكرَّر حدثٌ ما نعتقد أكثر بتكرارِ حدوثه في المستقبل، وهو أمرٌ يؤثِّر في اتخاذ القرارات.
  4. التَّصحيح (التَّبرير): مثلًا عندما نشتري شيئًا غير ضروري على الإطلاق وغالي الثمن، نعمد بعد شرائه إلى إقناع أنفسنا واستحضار كل الأفكار التي ستجعلُ أمرَ شرائه مقبولًا لدينا، وهو أمرٌ ينطبق على حياتنا العمليَّة أيضًا.
  5. إهمال الاحتمالات: مثلًا إنَّ معظم الأشخاص الَّذين يخافون من ركوب الطَّائرة لا يهابون قيادةَ السيَّارات بسرعةٍ عالية، علمًا أنَّ الجميع يعلم أنَّ احتمالات الموت في حادث سيَّارة أعلى بكثير من احتمالات الموت في حادث طائرة، وهكذا نميل إلى إهمال الاحتمالات وعدم وضعها في الحسبان. (3)

وقد تؤثِّر عجلة التَّفكير والتَّحيُّزات المعرفيَّة في العاملين في المجال العلمي، فبسبب ميلنا إلى المألوف قد تُتجاهل معلوماتٍ مهمَّة وجديدة غير مألوفة، بحيث يفضل النَّاس تفسيرَ المألوف ويرفضون غيره. 

ومثال على ذلك: البحث في أسباب قرحة المعدة وسرطان المعدة؛ إذ كانت وجهة النَّظر التقليديَّة هي أنَّ التَّوتُّر وسوء التغذية يسبِّبان قرحةً في المعدة، وعندما أظهر باري مارشال وزملاؤه أنَّ جرثومة الملويّة البوابيَّة (Helicobacter pylori) هي السَّبب؛ رُفضت النَّتائج وتعرضوا للسُّخرية.

كذلك يمكن للتَّحيُّز أن يشوِّه تطورَ المعرفة في حال كان العلماء مترددين في قبول تفسيرٍ بديلٍ لملاحظاتهم، وقد يدفعهم إلى التَّلاعب بالبيانات أو تحليلهم للأمور من أجل دعم معتقداتهم المسبقة. (4)

وأخيرًا، فإنَّ الانحياز لعجلة التَّفكير ليس أمرًا خطرًا دائمًا، لكنَّه قد يحدُّ من قدراتنا وإبداعاتنا ولذلك من الأفضل أن نسأل أنفسنا على الدوام ونتعرف إلى عجلة التفكير الخاصة بنا. (1)

المصادر: 

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا