الطب > مقالات طبية

الورم الدماغي الكاذب

الورم الدماغي الكاذب (Pseudotumor Cerebri) أو ما يُعرَف بارتفاع التوتر داخل القحف المجهول السبب (Idiopathic Intracranial Hypertension): هو اضطراب ينجم عن ارتفاع التوتر داخل القحف* دون أي سبب واضح أو دلائل على وجود ورم أو انسداد.

يمكن لارتفاع الضغط داخل القحف أن يؤدي إلى توذم العصب البصري، ونتيجة لذلك خسارة في الرؤية.

سُمِّيَت هذه الحالة بالورم الدماغي الكاذب لأنّ الأعراض الناجمة عن هذا المرض تقلِّد تلك التي يُسبِّبها الورم الدماغي. (Overview) (2).

يحدث الورم الدماغي الكاذب عند الأطفال والبالغين، ولكنه أكثر شيوعاً عند النساء البدينات في سن الإنجاب بمعدل قد يصل 19.3/100,000 سنوياً في الفئة العمرية (20-44) سنة، واللواتي يزنَّ 20% أو أكثر من وزن جسمهنَّ المثالي.

يملك الأطفال في كلا الجنسين معدلات متساوية من الإصابة قبل البلوغ (أقل من 12 سنة)، أما في مرحلة ما بعد البلوغ فإن 90% من الحالات تحدث عند الإناث.

يحيط السائل الدماغي الشوكي (Cerebrospinal Fluid) بالدماغ والنخاع الشوكي، وهو يُشكِّل وسادةً لحماية هذه الأنسجة الحيوية من الأذية؛ إذ يُنتج في الدماغ ويُمتصُّ إلى مجرى الدم في نهاية المطاف بمعدل يمسح عادة بثبات الضغط داخل القحف. 

يؤدي تراكم السائل الدماغي الشوكي -إما عبر نقص امتصاص للسائل وإما عبر زيادة إنتاجه- إلى ارتفاع الضغط داخل القحف، ولكن ليس هناك سبب مؤكد لنقص امتصاص السائل الدماغي الشوكي أو لزيادة إنتاجه (وهذا ما يجعله  يدعى بارتفاع التوتر داخل القحف المجهول السبب). 

 إن سبب الورم الدماغي الكاذب غير معروف بالضبط، لكن إذا تحدَّد السبب فقد تدعى الحالة بارتفاع التوتر داخل القحف الثانوي، عوضاً عن مجهول السبب.

لكن هناك عوامل الخطورة التي قد تؤدي إلى الورم الدماغي الكاذب؛ ومن أهمها: 

1- البدانة: من أهم عوامل الخطورة، وخصوصاً عند السيدات البدينات في عمر الإنجاب.

2- الأدوية: من أهمها: صادات حيوية كالتتراسيكلينات، وستيروئيدات، وموانع الحمل، ومشتقات الفيتامين A (الإيزوترتينوئين)، والأميودارون.

3-    مشكلات صحية، وعلى رأسها فقر الدم، وداء أديسون*، واضطرابات تخثُّر الدم، ومتلازمة كوشينغ، وأمراض الكلية، والذئبة، وانقطاع النَّفَس في أثناء النوم، ومتلازمة المبيض المتعدد الكيسات.

الأعراض: 

صداع، في أي موقع (ثنائي الجانب، جبهي، خلف المقلة)، غالباً يومياً. ويميل إلى أن يكون بؤرياً بدلاً من أن يكون شاملاً للرأس وغالباً ما يكون نابضاً، كذلك يتفاقم عادةً بالسعال والجهد والنشاط الفيزيائي.  وقد يترافق مع غثيان أو إقياء أو دوخة، إضافة إلى ألم في الرقبة أو الكتف أو الظهر.

قد يتميز هذا المرض بمجموعة من الأعراض؛ منها: طنين نابض يُوصف كصوت رنين أو دقات القلب، أحادي الجانب أو ثنائي الجانب.

أما الأعراض البصرية؛ فقد تشمل:

-  فقدان رؤية عابر، يمكن أن يكون أحادي الجانب أو ثنائي الجانب، جزئياً أو كلياً، ويدوم عدة ثوانٍ فقط. ويعود ذلك إلى وذمة في القرص البصري مؤدياً إلى نقص تروية في العصب البصري. وعند عدم علاج الحالة فقد يؤدي ذلك إلى فقدان رؤية تام.

- شفع أو ازدواجية في الرؤية، ويعود ذلك إلى شلل العصب القحفي السادس (المبعد).

- ترائي ومضات، يُوصف كومضات مفاجئة من الضوء.

المضاعفات: تستمرُّ المضاعفات بتطورها عند بعض الأشخاص المصابين بالورم الدماغي الكاذب بتراجع نظرهم إلى الأسوأ مؤدياً ذلك إلى العمى. 

 التشخيص: 

1-  تنظير قعر العين: نجد وذمة حليمة العصب البصري* وتكون ناتجة عن ارتفاع التوتر داخل القحف، كما في الشكل الآتي:

2-    صورة للدماغ، رنين مغناطيسي (MRI) مع تصوير وريدي (MRV)، وتُستخدم لنفي الأسباب الثانوية الأخرى لارتفاع التوتر داخل القحف، وتكون طبيعية. ويمكن استخدام الطبقي المحوري (CT) لكنه أقلُّ حساسية ونوعية.

3-    البزل القطني، لتحري ضغط السائل الدماغي الشوكي، باستطبابه المناسب.

وأيضاً لتحليل السائل الدماغي الشوكي الذي يكون طبيعياً، ويتحرى فيه عدد الخلايا وتمايزها، والغلوكوز، والبروتين، وصبغة غرام*، وزرع السائل.

فحوصات أخرى: فحص الحدة البصرية، وفحص قياس مجال البصر، وتعداد الدم الكاملP وذلك لنفي فقر الدم أو الأسباب التكاثرية اللمفية لوذمة حليمة العصب البصري.  

العلاج: 

الخطوة الأولى هي أنه يجب تحديد الحالات التي قد تكون سبباً للورم الدماغي الكاذب ومعالجتها مثل فقر الدم، والأدوية المسببة لها، والبدانة، وانقطاع النَّفَس في أثناء النوم الانسدادي، وخثار الجيب الوريدي.

إنًّ البدانة أو زيادة الوزن الحديثة هي عامل خطر رئيس للورم الدماغي الكاذب؛ لذا يجب تخفيف الوزن بغض النظر عن شدة المرض؛ فالعلاقة بين البدانة وارتفاع التوتر داخل القحف غير واضحة تماماً، لكن فوائده في تخفيف الأعراض مثبتة. 

في حال فشل فقدان الوزن من خلال التمارين والحمية، قد يلجأ إلى جراحة البدانة لكنّه إجراء غازٍ ويحمل مخاطر عدة ويناقش بين الطبيب ومرضاه على نحو موسع في حال استطبابه.

أما العلاج الطبي فيتضمن مثبطات الكاربونيك أنهيدراز(أسيتازولاميد)؛ إذ يخفف إنتاج السائل الدماغي بنسبة تصل إلى 50% ويعمل مدَّاًر خفيفاً.

توبيراميت ويستخدم وقايةً من الصداع النصفي، مدرات وستيروئيدات.

وقد يستخدم البعض البزل القطني التشخيصي بوصفه وسيلة للعلاج؛ إذ يمكن تخفيف الأعراض ومن أهمها الصداع مباشرة وذلك بعد إخراج السائل الدماغي الشوكي. 

هل يكفي تخفيف الوزن مع الأدوية في علاج المرض؟  

 قد نلجأ إلى العلاج الجراحي عندما يوجد اعتلال العصب البصري على نحو شديد سواء أكان حاداً أم متطوراً بسرعة أم عند فشل العلاجات الأخرى، ومنها: (Surgical management) (4)

1-    تحويلة للسائل الدماغي الشوكي (CSF diversion)، (شنت بُطيني بريتواني (VP)، بُطيني أذيني (VA)، قطني بريتواني (LP))

يدخل أنبوب طويل ورفيع (شنت) داخل المخ أو أسفل النخاع الشوكي؛ وذلك ليساعد على تصريف السائل الدماغي الشوكي الزائد. ويدفن هذا الأنبوب أسفل الجلد حتى البطن؛ إذ تُفرغ التحويلة السائلَ الزائد. 

2-    تخفيف الضغط عن غمد العصب البصري (Optic nerve decompression): يقطع الجراحُ في هذه الإجراء فتحةً داخل الغشاء المحيط بالعصب البصري للسماح للسائل الدماغي بالهروب. 

وهذا ما قد يعالج على نحو فعال المرضى مع وذمة حليمة العصب البصري أو فقدان بصر شديد لكن لا يحسن من الصداع.

3-    شنت الجيب الوريدي (Venus Sinus Stenting): هذا الإجراء حديث ونادر الاستخدام؛ إذ يتضمن وضع دعامة في أحد الأوردة الأكثر ضخامة داخل الرأس لزيادة قدرة الدم على التدفق. (Treatment) (2)

الخلاصة: الورم الدماغي الكاذب هو اضطراب ذو تحديات مع زيادة سريعة في الحدوث، ويعود إلى العلاقة الوثيقة مع البدانة، والأعراض البدئية غالباً ما تكون مخاتلة، وقد يحتاج المريض إلى رؤية عدة اختصاصيين قبل وضع تشخيص للمرض. 

الحواشي:

ارتفاع التوتر داخل القحف*: هو زيادة في الضغط حول الدماغ؛ وذلك بسبب زيادة في كمية السائل الدماغي الشوكي المحيط بالدماغ.

داء أديسون*: هو مرض نادر، يحدث عندما يُتلف قشر الكظر، والغدة الكظرية لا تنتج كمية كافية من الهرمونات الستيروئيدية كالكورتيزول والألدسترون، ويتظاهر بطيف من الأعراض أهمها: التعب وضعف العضلات وفقدان الوزن.

وذمة حليمة العصب البصري*: هو تورم في العصب البصري عندما يدخل في مؤخرة العين، وذلك بسبب ارتفاع التوتر داخل القحف.

صبغة غرام*: هو صبغة مجهرية تفيد لرؤية عضيات معينة.

المصادر:

1-هنا

2-هنا

3-هنا

4-هنا

5-هنا

مصادر الحاشية:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا