الاقتصاد والعلوم الإدارية > اقتصاد

الإتجار بالبشر شكل من العبودية المعاصرة - الجزء الثاني

ليس الإتجار بالبشر بالأمر الجديد على البشرية، بل الجديد هو قدرتها الهائلة على التوسع عالميًّا وقدرتها على تحقيق أرباح أقرب إلى أن تكون خيالية؛ ما يقدر بقرابة 150 مليار دولار سنويًّا. في أثناء عملية الإتجار بالبشر؛ تتعاون عدة جهات من أجل تسهيل عملية انتقال المتاجَرِ بهم من بلدهم الأم أو مكان السكن إلى نقاط العبور، وبعدها إلى الوجهة المطلوبة حيث تبدأ التجارة وخلق الأرباح. وهذا ما يخلق انتهاكًا لسيادة القانون في كل من بلدان المصدر والعبور والمقصد؛ مما يعرض الأمن القومي للخطر. 

وفقًا لمنظمة العمل الدولية؛ فإن ضحايا الإتجار كالسلع تُباع وتُشرى وتُداول وتستخدم لتلبية الطلب العالمي على العمالة الرخيصة والعبودية والجنس والمواد الإباحية والأعضاء البشرية وغيرها. يختلف الطلب بين الأطفال والنساء والذكور البالغين؛ إذ كل فئة مخصصة لغرض معين. فالطلب على النساء والفتيات الصغيرات غالبًا ما يكون بغرض الاستغلال الجنسي التجاري والمواد الإباحية إضافة إلى العمل الاستعبادي في المنازل. أما الطلب على الأطفال فهو بغرض الحصول على العمالة الرخيصة خاصة في صناعة النسيج والتعدين، وأيضًا يُستخدمون في  عمليات تجارة المخدرات والأنشطة الإرهابية إضافة إلى الاستغلال الجنسي. وأخيرًا؛ فإن الغرض من تجارة الذكور البالغين هو استغلالهم في العمل القسري والاستعبادي إضافة إلى توظيفهم في تجارة المخدرات. 

 كما ذكرنا سابقًا؛ فإن كلًّا من التجار والسماسرة وأرباب العمل يحققون أرباحًا هائلة نتيجة نشاطهم في الإتجار بالبشر، ولكن هذه الأرباح المحققة لا تضيف شيئًا إلى الناتج الإجمالي المحلي للدولة، بل على العكس تمامًا؛ تُعدُّ خسارةً للاقتصاد والأمن القومي للدولة. تولّد عملية الإتجار والاستغلال البشري باستمرار مبالغَ كبيرة من الدخل غير المشروع للشبكات الإجرامية، ويترتَّب على ذلك تهديدٌ على الأعمال التجارية المشروعة الأخرى مثل "السياحة" التي لها القدرة على تحسين ظروف البلد الاقتصادية. 

إن الأشخاص العاملين بهذا النوع من التجارة بحاجة إلى إخفاء الأرباح الناتجة عن عملياتهم غير المشروعة؛ وذلك لتجنُّب التعرض للمسائلة القانونية. لذا فإنه من الشائع بينهم استثمار الأرباح في العديد من الأنشطة المشروعة؛ وذلك بهدف غسيل الأموال.

يؤكد تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية عن الإتجار بالبشر أنه قد أُنشِئ بعض الشركات في الولايات المتحدة بهدف غسل الأموال؛ وبذلك قد يكون لهذه الممارسة أثرٌ سلبيٌّ في اقتصاد الدولة؛ إذ إن الشركات المشروعة تجد نفسها غير قادرة على منافسة الشركات التي تُدعَم سرًّا دون علم عن طريق عائدات الجريمة المغسولة. كذلك تتأثر المنافسة العادلة أيضًا عند استخدام الأشخاص الذين يُتاجر بهم في سلسلة الإمداد لإنتاج مواد مثل المنسوجات وغيرها.

يُشكِّل الإتجار بالبشر مصدرَ تمويل للأنشطة الإرهابية؛ فهناك علاقة قوية تربط بين الاثنين؛ وذلك وفقًا لفريق العمل المالي (FAFT). يوجد الإتجار بكثرة داخلَ المناطق المتأثرة بالنزاع والإرهاب من خلال الاستعباد المنزلي والعبودية الجنسية والتجنيد والعمل والزواج القسري. أيضًا لُوحظ أنَّ المنظمات الإرهابية تستخدم الإتجار بالبشر وسيلةً لجمع الأموال لرعاية منظماتها ودعم أنشطتها غير القانونية من خلال بيع المُتجرين أو استخدام الأطفال في التسول وغيرها من الأساليب غير الإنسانية.

كذلك يؤثر الإتجار في الأطفال سلبًا للغاية؛ إذ يُعدُّ الأطفال أسهلَ الأهداف عند المُهرِّبين. ثم إن الأرباح الناتجة عن التجارة بهم تكون أكثر من غيرهم. يحرم هؤلاء الأطفال من الذهاب إلى المدرسة، ولا يحصلون على أجور مناسبة مقابل عملهم، ثم إن العمل قسري يؤثر في عملية نموهم.

إن الأرباح المحققة من عمالة الأطفال عالية، وذلك لأن الأجور التي تدفع لهم تكاد لا تُذكر أو لا تعادل أجر العامل البالغ. إضافة إلى أن الأرباح الناتجة عن عمالة الأطفال لا تُسهم في صحة الاقتصاد ولا تنمية الدولة.

يعيق الإتجار بالبشر نموَّ الأمة وتطورها، وتشمل التكاليف الناتجة عن جريمة الإتجار العديدَ من العناصر متضمنة قيمة الموارد المخصصة لمنع هذه الجريمة وحماية الضحايا وتعويضهم ماليًّا وإعادة تأهيلهم، إضافة إلى إتاحة الفرص لهم وخلق سبل العيش والرعاية الصحية والتحقيق مع الجناة ومحاكمتهم. يؤدي هذا إلى ضياعٍ في الموارد البشرية وتخفيض الإيرادات الضريبية. 

تحدَّث مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة من خلال تقرير عن الإتجار بالبشر أن الفوائد المالية للهجرة يُعاد توجيهها من المهاجرين وأسرهم ومجتمعهم وحكومتهم وغيرهم من أرباب العمل الشرعيين المحتملين إلى المتجرين وشركائهم.

جريمة الإتجار ليست هي المشكلة بحدِّ ذاتها؛ بل أيضًا ما ينتج عنها من جرائم أخرى مرتبطة بها؛ إذ إن عوائد الإتجار تؤدي دورًا كبيرًا في تعزيز الأنشطة الإجرامية مثل الإتجار بالمخدرات والأسلحة غير مشروعة.

وإجمالًا؛ فإن جميع هذه الأعمال تُهدِّد الأمن الاقتصادي كما تهدد حياة العديد من الأشخاص.

المصدر: هنا