الطب > مقالات طبية

احمرار الدم

نعرف جميعاً أن نقل الأوكسجين والغذاء إلى الأنسجة والأعضاء في أنحاء الجسم من مَهمّة الكريات الحمراء في الدم، ونقصان هذه الكريات أو نقص البروتينات التي تحمل الأوكسجين والغذاء يسبب آثاراً سلبية عديدة للجسم، ولكن ماذا عن زيادتها؟ هل من الممكن أن تسبب أضراراً للجسم؟ 

لنتعرف هذه الحالة أكثر في مقالنا.

عند الحديث عن داء كثرة الكريات الحمراء في الدم أو ما يسمى بـ (احمرار الدم) لا بد من أن نميز بدايةً بين الاحمرار الحقيقي والكاذب، فالزيادة قد تكون: 

إما زيادة نسبية (relative increase)؛ أي (احمرار دم كاذب) تنتج عن نقصان في حجم البلازما؛ مما يزيد تركيز الكريات الحمراء بالنسبة إليها.

وإما زيادة مطلقة (absolute increase)؛ أي (احمرار دم حقيقي) بزيادة عددها لأسباب مرضية وفيزيولوجية متعددة. وأيضاً تنقسم الزيادة المطلقة بدورها إلى أولية وثانوية؛ بحسب ارتفاع هرمون (الأريتروبيوتين) وهو هرمون يفرز من الكلية، ويعد المسؤول عن إنتاج الكريات الحمر في الجسم.

كيف نميز بين الاحمرار الحقيقي الأولي والثانوي؟ وما الأعراض المرافقة له؟

في الحالة الطبيعية يؤدي الجسم عملية تنظيم للكمية الموجودة من الأنماط الثلاثة من خلايا الدم الكريات الحمر والبيض والصفيحات، أما في حال ظهور احمرار دم حقيقي أولي فينتج نقي العظم كميةً كبيرة من بعض أنواع الخلايا الدموية؛ بسبب طفرة في جين البروتين (jack2 ) (janus kinase 2) المسؤول عن تكاثر الخلايا؛ مما يؤدي إلى تكاثرها على نحو ورمي بوصفها نوعاً من الأورام النقوية التكاثرية ببطء في خلال مدة زمنية طويلة قبل ظهور الأعراض دون أن يرتفع هرمون الأريتروبيوتين. 

لحسن الحظ؛ فإن هذا الداء غير شائع، والطفرة المسؤولة عنه لا تورث، بل تحدث دون سبب مباشر معروف، ويزداد خطر الحدوث لدى الأشخاص فوق الـ 60 عاماً.

تشخيص احمرار الدم الأولي:

أصدرت منظمة الصحة العالمية (WHO) معايير معينة لتأكيد تشخيص الإصابة باحمرار الدم الأولي، بنسخة المقال المنشور عام ٢٠١٥، فالمعياران الأساسان:

1.ارتفاع في خضاب الدم hgb>18.5g/dl لدى الرجال وhgb>16.5g/dl لدى النساء، أو ما يعادلهما من دلائل أخرى على زيادة كتلة الكريات الحمر مثل ارتفاع هيماتوكريت الدم.

2.وجود طفرة jack2.

إضافة إلى أحد المعايير الآتية:

1.خزعة نِقي عظم تظهر زيادة بالخلوية لأنواع معينة للخلايا بالنسبة إلى العمر.

2.عيار منخفض للأريتروبيوتين بالدم وفقاً للطبيعي.

3.نمو ذاتي لسلالة الكريات الحمر المأخوذة من النقي في المختبر.

أما احمرار الدم الثانوي فيمكن تعريفه بأنه زيادة مطلقة بعدد الكريات الحمر بناءً على زيادة تحفيز إنتاج الكريات الحمر، وقد يكون هذا التحفيز ردَّ فعل فيزيولوجي من الجسم نتيجة نقص أكسجة، مثل نقص خارجي لتركيز الأوكسجين المحيط مثلما يحدث عند العيش في مناطق مرتفعة كثيراً.

ومن العوامل الخارجية المؤثرة أيضاً تعرض كبير لأول أوكسيد الكربون الذي يحدث عند التدخين أو العمل في أنفاق السيارات، فيعوّض نقص الأوكسجين بتحفيز إفراز الأريتروبيوتين وزيادة عدد الكريات الحمر.

وبالانتقال إلى داخل الجسم لدينا عدد من الأمراض المهمة تؤدي إلى نقص أكسجة يحرض الأريتروبيوتين مثل الآفات الرئوية السادّة، ونقص إشباع الأوكسجين الذي يحدث في انقطاع النفس في أثناء النوم والسمنة المرضية، وأيضاً وجود عيب في الجهاز القلبي الوعائي مثل وجود شنت وريدي شرياني يؤدي إلى اختلاط الدم الوريدي غير المؤكسج مع الدم الشرياني المؤكسج؛ مما يقلل من الأوكسجين الواصل للنسج، ويحرض على حدوث الاحمرار.

في بعض الأحيان يكون هناك أوكسجين كافٍ في الدم ولكنه غير قادر على الارتباط مع الخضاب؛ بسبب عيوب في الخضاب غالباً ما تكون عائلية. وأيضاً فإن نقص التروية الموضع للكلية في حالات زرع الكلية، والتصلب وأمهات الدم التي تحدث بالشرايين الكلوية أو التهاب الكبب الكلوية البؤري يؤدي إلى نقص أكسجة موضعة تحفز إفراز الأريتروبيوتين، حتى في عدم وجود نقص أكسجة عامة.

في بعض الحالات المرضية قد يتحرض إفرازُ الأريتروبيوتين مباشرة دون وجود نقص أكسجة مثل كيسات الكلية أو تضخمها، وبعض الأورام المفرزة له وتناول المنشطات أوالستيروئيدات الأندروجينية لبناء العضلات إضافة إلى حالات وراثية معينة.

الأعراض التي يمكن أن تظهر على مريض احمرار الدم هي:

1.الحكة؛ خاصة بعد حمام ساخن والتعرق المفرط.

2. صداع ودوار.

3. تعب ووهن عام.

4.رؤية غير واضحة وتخليط ذهني.

5. توهج البشرة؛ خاصة الوجه والراحتين والقدمين.

6.مشكلات نزف صغيرة؛ مثل نزف في الأنف.

7.ضيق في النفس.

8.خدر ونمل وضعف في اليدين أو القدمين .

9. تورم وألم واحمرار في المفاصل؛ خاصة مفصل الإصبع الكبير في القدم.

10. حرارة ونقص وزن غير مفسر؛ إن كان احمرار الدم أولياً.

تظهر هذه الأعراض لدى نسبة قليلة من مرضى الاحمرار، فالغالبية لا تبدي أية أعراض ظاهرة، وتكشف بفحوص الدم الروتينية.

هل جميع الحالات تستدعي المعالجة؟

 إن الاحمرار الثانوي الذي يتطور بعد نقص أكسجة بوصفه رد فعل فيزيولوجي، يعدّ حالة طبيعية ومفيدة لا تعالج إلا بحال تجاوز الهيماتوكريت 60% مثلاً (نسبة حجم الكريات الحمر إلى حجم الدم)؛ بسبب زيادة لزوجة الدم لحد كبير وأضراره بمزيد من نقص الأكسجة للنسج، أو في حالات ظهور أعراض لدى المريض مما يجعله في خطورة أكبر لحدوث المضاعفات مثل الخثار، والسكتة الدماغية، واحتشاء العضلة القلبية، والتهاب الوريد الخثري، فتطبّق فصادة أو سحب دم متكرر إلى جانب معالجة الأمراض الأساسية مثل الإصلاح الجراحي للشنت الوريدي الشرياني، وتزويد مرضى الأمراض الرئوية السادة بالأوكسجين، والسيطرة على السمنة وإيقاف التدخين.

 

أما بالنسبة إلى معالجة احمرار الدم الأولي فتعالج الأعراض الموجودة بسحب الدم المتكرر، ووصف جرعات صغيرة من الأسبرين؛ إذ إن الاحمرار الأولي قد يرفع الصفيحات ويزيد خطورة حدوث جلطات، وإن لم نحصل على الفائدة المرجوة من سحب الدم وبدأت أعراض تضخم الطحال فقد يُلجَأ إلى العلاجات الكيماوية كهيدروكسي اليوريا مثلاً، وهي تقوم بقتل الخلايا الدموية غير الناضجة، إضافة إلى وجود علاجات نوعية موجهة مثل الروكسوليتنيب Ruxolitinib (المثبط ل jack 2 ).

معظم حالات احمرار الدم لا تؤدي إلى مضاعفات خطيرة ولن تؤثر على حياة الشخص الطبيعية إن كان مسيطراً عليه جيداً، فمن المهم مراجعة الطبيب المختص عند وجود أي خلل في الفحوص الروتينية، أو في حال حدوث الأعراض للوصول للتشخيص الصحيح والمتابعة العلاجية الدقيقة. 

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا

6- هنا