منوعات علمية > منوعات

الصُّدفة العلمية

الابتكار والاكتشافات العلمية ليست سوى حصيلة عمل مضني ومجهود مبذول على طول السنوات، إذ لا يمكن لأي ابتكار علمي ان يتواجد في عشية وضحاها.

إلا أن هنالك العديد من الصدف التي تجاوزت مرحلة الحظ الجيد وحولت العديد من اللحظات السعيدة إلى إنجازات عظيمة خلدها التاريخ.

وصنف المجلس الأوروبي للبحوث العلمية بمساعدة يعقوب أوهيد Ohid Yaqub الصدف العلمية إلى أربعة أصناف: 

الصنف الأول: الاكتشافات العلمية في مجال معين أدت إلى اكتشاف آخر في مجال مختلف. 

الصنف الثاني: عن طريق البحث عن شيء ما واكتشاف آخر. 

الصنف الثالث: الاكتشافات التي تُوصِّل إليها عن طريق مسارات غير متوقعة.

والصنف الرابع: بعض الاكتشافات أوجدت حلًا لمشكلات لا تظهر إلا في وقت لاحق. 

وفيما يأتي بعض السمات المهمة للعلماء الذين حولوا حظهم إلى ابتكارات علمية:

الخلفية الثقافية:

قضاء العلماء الكثير من الوقت في الدراسة ليست أسطورة أو وهمًا؛ إذ يتطلب الاكتشاف العلمي إلى عقل معد مسبقًا وجاهز لتمييز الاكتشاف؛ إذ تحدث العديد من الاكتشافات "صدفة" فقط لأن المستكشف لديه معرفة خلفية متخصصة، على سبيل المثال، في عام 1997 اكتُشِفت مجموعة ثانية من أسماك Coelacanth (وهي نوع نادر من الأسماك تشبه إلى حد بعيد الحفريات منذ 400 مليون سنة) عندما صادف مارك إيردمان Mark Erdmann (أحد طلاب علم الأحياء البحرية) عندما كان يتجول في سوق السمك في إندونيسيا مع زوجته عندما أشارت إلى سمكة غريبة المظهر، وبمجرد النظر إليها أدرك على الفور على أنها نوع coelacanth.

لاشك أن إيردمان كان محظوظًا، ولكن من المؤكد كان عقله معد وجاهز لتمييز الاكتشاف العلمي ومدرب على البيولوجيا البحرية.

العقل الفضولي:

النتائج المدهشة أو الشاذة تؤدي في بعض الأحيان لاكتشافات جديدة، لكن الأمر قد  يتطلب النظر منظورًا مختلفًا إلى ما وراء هذه الشذوذ ورؤيته شيئًا يستحق المتابعة. 

مثال على ذلك:

بدأ اكتشاف فيلهلم رونتجن Wilhelm Roentgen عام 1895 بالأشعة السينية بالمصادفة، عن طريق عمله في المختبر، عندما كان يختبر مرور أشعة المهبط من خلال الزجاج، إذ لاحظ توهجًا ضوئيًّا على شاشة مغلفة كيميائيًا قريبة منه عندما  كان رونتجن يحاول جعل الإلكترونات تمر عبر الهواء. 

لم يكن أول من رأى هذه التأثيرات الغريبة، فقد لاحظها باحثان آخران على الأقل في وقت سابق، لكنهما لم يجريا تجارب إضافية.

 فكانت ملاحظة رونتجن الأولية صدفة بالتأكيد، لكن تحقيقه اللاحق في الحالة الشاذة هو ما جعلها اكتشافًا رائدًا.

التفكير الإبداعي:

في بعض الأحيان، الصدفة لا تكون عندما تكون أول شخص  يرى الشيء بل عندما تراه من منظر آخر. 

مثال على ذلك:

في أثناء عمله لدى شركة Raytheon، لاحظ  بيرسي سبنسر(Percy Spencer) أن الموجات الدقيقة Microwaves الصادرة عن جهاز الرادار الذي كان يعمل عليه أذابت الحلوى في جيبه. 

بيرسي لم يكن أول شخص يلاحظ أن الموجات الدقيقة تولد الحرارة، لكنه كان أول شخص يفكر في استخدام هذه الحرارة لطهي الطعام. 

وحصل على براءة اختراع لفكرته في عام 1950.

فتفكير سبنسر الإبداعي حوَّل ملاحظة روتينية إلى طفرة تكنولوجية.

الأدوات المناسبة:

غالبًا ما تسمح لنا التقنيات الحديثة بدراسة الأشياء بطرائق لم تكن ممكنة في الماضي. وإن الباحثين الأوائل الذين يستفيدون من التكنولوجيا الجديدة غالبًا ما يكونون "محظوظين" في اكتشافات جديدة ومثيرة. 

حدثت تلك أحد الاكتشافات في الستينيات عندما أُستخدم هوائي حساس، الذي طور للتواصل مع الأقمار الصناعية، متاحًا للاستخدام البحثي. إذ قرر آرنو بينزياس وروبرت ويلسون Arno Penzias and Robert Wilson استخدام الهوائي تلسكوبًا لاسلكيًّا لدراسة المستويات المنخفضة للموجات اللاسلكية في الفضاء الخارجي. لقد أدركوا أن العديد من الأجرام السماوية تنبعث منها إشعاعات تتوافق مع درجات الحرارة، لكنهم قرروا محاولة معرفة ما إذا كانت أي أمواج قد انبثقت من أماكن لا توجد فيها نجوم. لم يتوقع بينزياس وويلسون أن يجدوا الكثير ولكن التقط التلسكوب موجات أمواج بكميات كبيرة! 

وتقابل هذه أمواج درجات حرارة التي تشير إلى أن الفضاء كان أعلى بأربعة درجات مما كان يعتقد سابقًا. 

 فأدرك علماء الفيزياء النظرية في وقت لاحق هذا بعدِّه حرارة متبقية من الانفجار العظيم وهو اكتشاف يمكن أن يعزى بالتأكيد إلى بينزياس وويلسون، ولكن أيضًا إلى التكنولوجيا الجديدة التي كانت تحت تصرفهم.

التوقيت الجيد:

كثير ما تكون الاكتشافات المهمة في وقت واحد من قبل أشخاص مختلفين، أو تجمع العديد من الأفكار في مجالات مختلفة لوضع نظرية تجمع هذه الأفكار. 

قد تكون نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي واحدة من هذه الأفكار، على الرغم من أن ملاحظات تشارلز داروين Charles Darwin حول التطور تعود إلى أواخر ثلاثينيات القرن التاسع عشر، إلا أن ألفريد راسل والاس Alfred Russel Wallace طور بعضًا من الأفكار الأساسية نفسها بنحو مستقل. 

وقد استفاد كلاهما من التطورات الحديثة نسبيًّا في الجيولوجيا والاقتصاد؛ إذ طبقا أفكارًا من مجالات أخرى لوضع نظرية جديدة خاصة بهما. وفي النهاية اتفقوا على تقاسم الفكرة وقدموا معًا أوراقًا عن التطور إلى الجمعية الملكية في لندن. داروين والاس كانوا بالتأكيد مفكرين عظماء من تلقاء أنفسهم، ولكن التوقيت الجيد قد أسهم في هذا الانجاز العظيم.

وماذا عن تلك تفاحة نيوتن الشهيرة؟ 

خلافًا للاعتقاد الشائع، فإن لا يوجد دليل على أن أي تفاحة سقطت على رأس نيوتن، وهناك بعض الأدلة على أن سقوط التفاح على الأرض قد ألهمه للتفكير في القوة التي تجذب التفاح للأرض.

وختامًا العقول الفضولية والبحث العلمي هما أفضل وسيلة للوصول إلى اكتشافات وانجازات علمية حتى ولو أدت الصدفة دورًا بسيطًا في هذا المجال إذ لولا الشغف العلمي ورغبة الوصول إلى إنجاز لما أفلح أحد من العلماء.

المصادر:

1- هنا

2- هنا