علم النفس > القاعدة المعرفية

اضطراب ما بعد الشدة (PTSD)

تعرَّض العديد من الأشخاص في أنحاء العالم لمواقف مأساويّة تركت أثراً في حياتهم وقدرتهم على ضبط النفس والتعامل مع الظروف المحيطة، ومع مرور الوقت وتأثير العناية الجيدة بالنفس تحسنت أوضاعهم وعادوا لحياتهم الطبيعية.

 لكن ماذا إن حدث عكس ذلك، ومع مرور الوقت ساءت صحة الشخص النفسية، وتضخَّم تأثيرها السلبيّ في حياته ووظائفه اليومية؟ هل نكون أمام اضطراب نفسي؟

يُعرَّف اضطراب ما بعد الشدة أو ما بعد الصدمة بأنّه اضطرابٌ نفسيّ قد يحدث لأشخاصٍ عانوا شخصياً أو كانوا شاهدين على حدثٍ مأساويٍّ جداً مثل كارثة طبيعيّة، أو حادث سيرٍ خطير، أو عملٍ إرهابي، أو حربٍ أو اغتصاب وغيرها من أعمال العنف التي من الممكن أن يتعرض لها الإنسان.

ما هي الأعراض المميزة لهذا الاضطراب؟ 

لا نستطيع مقارنةَ الأشخاص المصابين بالاضطراب بأعراضٍ وصفيّة ثابتة دوماً؛ إذ إنَّ ظهور هذه الأعراض جميعها أو بعضٍ منها يختلف بمرور الوقت ومن شخصٍ إلى آخر دون أن يكون هناك وتيرة واحدة للأعراض في كل الأوقات. فهي تزداد مثلاً حين يتعرض الشخص لتوترٍ، أو يحدث معه موقف يرتبط بالحادث، كمشاهدة تقريرٍ في التلفاز عن الاعتداء الجنسيّ يذكِّر هذا الشخص بما مر به.

يوجد في اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) أربعة تصنيفاتٍ رئيسية تُدرج تحتها جميع الأعراض الحادثة:

  1. الذكريات الداخلية: وهي ذكرياتٌ مزعجة وغير مرغوبةٍ عن الحادث، أو حتى قد يحدث استعادةٌ للحادث كأن يُعاد من جديد على شكل (flashbacks)، أو مشاهدة أحلامٍ مزعجة عن الحادث نفسه مع وجود انفعالاتٍ عاطفية وردات فعلٍ حادّة تجاه أي شيء يرتبط به.
  2. التجنب: من خلال الابتعاد عن الأماكن والنشاطات والأشخاص المرتبطين بالمأساة، مع محاولةٍ دائمة لتجنب الحديث أو التفكير في ما يتعلق بها. 
  3. الأفكار والمشاعر السلبية: وجود أفكارٍ سلبيّة من الإنسان تجاه شخصه وبقيّة العالم أو حتى العالم بأسره مع فقدان الأمل بالمستقبل والمتعة بأيِّ نشاطٍ كان يجلب له السعادةَ من قبل، كذلك قد نلحظ صعوباتٍ في الذاكرة كعدم تذكر الجوانب المهمة من الحادث، وقد يعاني الشخص إحساساً دائماً بالتخدير العاطفيّ، فيجد صعوبةً في تقبُّل المشاعر الإيجابية أو المحافظة على العلاقات الاجتماعية المقرّبة، فضلاً عن أنه يميل إلى الابتعاد والانفصال عن العائلة والأصدقاء.
  4. التغيّرات في الانفعالات الجسدية والنفسية: كالتهيُّج أو الخوف بسهولةٍ مع الإحساس الدائم بالخطر وتفضيل اصطحابِ رفقة بسبب هذا الشعور. كذلك قد يؤدي الأمر -في حال استفحاله- إلى اضطراباتٍ في النوم والتركيز لدى الشخص، واعتماده تصرفاتٍ خطرة كالقيادة بسرعاتٍ عالية أو شرب كمياتٍ كبيرة من الكحول مع تأنيبٍ دائمٍ للذات والإحساس بالعار.

هل كل شخص تعرَّض لحادث أليم يتطور لديه الاضطراب؟

من غير المُثبت وجود مسبباتٍ مباشرة تؤدي إلى إصابة أشخاصٍ معينين دون غيرهم بالاضطراب؛ ولكن هناك مجموعةً من عوامل الخطورة التي قد تزيد من احتمالية حدوثه:

1- الرضُّ النفسي الكثيف جداً من ناحية الشدة أو الطويل بالمدة.

2- المرور بتجارب سابقة وحوادث مؤلمة، كتعرّض الشخص للتعنيف وهو طفل.

3- مهنة الشخص؛ فهناك مهنٌ تزداد فيها احتمالية مواجهة رضوضٍ عنيفة وحوادث، كجنود المعارك.

4- وجود اضطراباتٍ نفسيّة مرافقة كالقلق أو الاكتئاب، أو حتى وجود حالاتٍ عائلية لديها هذه الاضطرابات.

5- وجود مشكلات الإدمان، كشرب كميات كبيرة من الكحول أو تعاطي مواد مخدرة.

6- غياب الدعم العاطفي من الأسرة والأصدقاء.

لا يُشخَّص اضطراب ما بعد الشدة (PTSD) إلا بمضي شهر على الأقل من المأساة مع عدم زوال الأعراض؛ إذ إنَّ معظم الأشخاص الذين تعرضوا لمواقف سيئة يمرون في الأيام التالية للرض بأعراض مشابهة لما ذُكر، ولكن في حال استمراريةِ وجودها بعد شهر، وفي حالاتٍ عديدة شهوراً وسنوات؛ نستطيع القول بأننا أمام اضطراب ما بعد الشدة (PTSD).       

هل يفيد اللجوء إلى المختص النفسي بعد حدوث الحادث فوراً؟

توجد بعضُ مقاربات العلاج النفسيّ التي قد تساعد في توجيه المراحل الأوليّة من الحادث كالاستجواب النفسيّ مدةً قصيرة بعد حدوث المأساة، والمعالجة النفسية للشخص من خلال التفريغ وتهيئته لحالات الطوارئ أو الصدمة في المستقبل. ولكنَّ ذلك من أجل منع تطور آثار نفسية سلبية لدى الشخص ناتجة من الحادث، أما الدلائل على منعها لحدوث الاضطرابات النفسية فهي قليلة جداً.

بعد تشخيص اضطراب ما بعد الشدة من قبل المختص؛ تبدأ مرحلة العلاج بمشاركة كلٍّ من العلاج النفسي والعلاج الدوائي، فمن العلاجات النفسية المتَّبعة في هذا الاضطراب:

1. العلاج المعرفي: هذا النوع كلاميٌّ يساعد على التعرف إلى أنماط التفكير التي تُبقي الشخص عالقاً كالأفكار السلبية عن إمكانية تكرر التجربة المؤلمة في المستقبل، عادةً ما يُشارك مع المعالجة بالتعرض.

2. العلاج بالتعرُّض: وهو علاجٌ سلوكيٌّ يساعد على مواجهة المواقف والذكريات التي يهرب منها الشخص على نحو آمن حتى يصبح قادراً على التعامل معها على نحو أفضل، ويعدُّ هذا العلاج مفيداً لمواجهة الكوابيس وإعادة إحياء الذكريات (flashbacks) التي يعانيها المريض.

3. إزالة الحساسية وإعادة المعالجة من خلال حركة العينين: ويتضمن العلاجَ بالتعرض مع سلسلةٍ من حركات العينين الموجهة، والتي تساعد على التعامل مع الذكريات المؤلمة وردِّ الفعل نحوها.

أمّا العلاج الدوائي المُستخدم فيتضمن عدةَ أنواعٍ منها:

1. مضادات الاكتئاب التي تساعد على الحدِّ من أعراض الاكتئاب والقلق، وتفيد في مشكلات النوم والتركيز أيضاً، وتُستعمل تحت إشراف الطبيب.

2. مضادات القلق: هذا النوع من الأدوية من الممكن أن يسبب الإدمان؛ لذا تُستخدم فتراتٍ قصيرة فقط وتحت وصفةٍ من الطبيب -حصراً- وإشرافه المباشر.

في النهاية، نستطيع القول أن الرعاية والدعم النفسيّ الصحيح من قبل الأصدقاء والعائلة واللجوء إلى المختصين النفسيين عند الحاجة، قد يساعد على منع تطوُّر الاضطراب عند وقوعه، فمن المهم جداً طلب المساعدة من المختصين المُرخَّصين في الوقت الصحيح والالتزام بالخطة العلاجية الموضوعة للحالة.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا