الطب > مقالات طبية

مرضى الداء المنجلي والألم

الداء المنجلي (Sickle Cell Disease)؛ هو مجموعة اضطرابات وراثية ناتجة عن وجود شكل شاذ من الخضاب (HbS)؛ إذ يُستبدل بحمض الفالين حمضُ الغلوتاميك في الموقع السادس من السلسلة بيتا للغلوبين؛ مما يجعل للكرية الحمراء شكلًا منجليًا مميزًا. ويصيب هذا المرض خاصةً الأشخاصَ من أصل أفريقي أو من حوض البحر الأبيض المتوسط. 

يُعدُّ الألمُ المضاعفةَ الأكثر شيوعًا لدى المرضى الذين يعانون داء الخلايا المنجلية (SCD). 

وغالبًا ما تبدأ تظاهراتُه في مرحلة الطفولة عندما تنخفض مستويات الخضاب الجنيني (HbF) تزامنًا مع ارتفاع مستويات الخضاب المنجلي.  

تكون هذه الكريات الحمراء المنجلية الشاذة قادرةً على إحداث انسداد في الأوعية الدموية الدقيقة، خاصة في العظام والبطن، معيقةً الجريان الدموي؛ مما يؤدي إلى نقص تروية الأنسجة وحدوث الألم.٥

يتغير تواتر كل نوبة وشدّتها من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ؛ إذ يكون تواتر النوب أقل في الطفولة. 

كذلك يشير حدوثُ ثلاث نوبات أو أكثر سنويًّا إلى مرض شديد.

تعد نوبات الانسداد الوعائي أحد أشيع المظاهر السريرية للداء المنجلي، مسببةً العديد من المتلازمات الألمية. 

يمكن أن تحدث النوب الألمية في أي عضو من الجسم، وغالبًا ما تشمل البطن والعظام والمفاصل والأنسجة الرخوة، ثم إنه من غير الممكن التنبؤ بالألم الناجم عن الانسداد الوعائي؛ إذ يتنوع في الشدة والمدة والموقع تبعًا لعوامل عديدة.

تتطور النوبة الألمية الحادة في خلال عدة مراحل مترافقة مع حالة التهابية تزداد سوءًا مع تكرار النوبات مُخلِّفةً مضاعفات خطيرة وتلفًا في الأنسجة، وقد تصل إلى متلازمة الصدر الحادة، وفشل الأعضاء المتعدد، والموت المفاجئ.

أحد أشيع نوبات الألم الحاد تلك التي تُصيب العظام، نتيجة نقص تروية نخاع العظم، وعادة ما تبدأ هذه النوبات بعد عمر 2-3 سنوات، وأكثر العظام إصابةً هي عظام العضد والساق وعظام الفخذ. وقد يكون الألم مُعمَّمًا أو موضعيًّا، مستمرًا أو نوبيًّا.

أيضًا قد تترافق نوبات الألم الحاد في العظام مع الحمى، ارتفاع الكريات البيضاء، التورم والحرارة الموضعية حول المفاصل المصابة. 

كذلك تعد متلازمة اليد والقدم مميزةً للداء المنجلي، ويحدث فيها التهاب أصابع عقيم نتيجة احتشاءات متعددة في عظام الأمشاط، يتظاهر بشكل ألم وتورم ثنائي الجانب في اليد والقدم لدى الأطفال.

تتطور هذه المتلازمة فجأة وتستمر 1-2 أسبوع، ثم إنها قد تحدث بين عمر 6 أشهر و3 سنوات. 

في حين أن متلازمات الألم المزمن (الألم الذي يستمر أكثر من ثلاثة أشهر) ترتبط غالبًا بقرحات الساق، التهاب العظم والنقي المزمن، النخر اللاوعائي الذي يحدث في رأس عظم الفخذ والعضد خاصةً في سن المراهقة والبلوغ، ويتظاهر لاحقًا بألم مفصلي مزمن وتحدد في وظيفة المفصل المصاب. 

وأيضًا يعد القساح (الانتصاب المستمر والمؤلم وغير المرغوب فيه) من التظاهرات الألمية  في الداء المنجلي، وتكراره قد يؤدي إلى العجز الجنسي وغيره من المضاعفات.

على الرغم من أنه في كثير من الحالات لا يمكن تحديد سبب تحريض النوبة؛ ولكن وجدت بعض العوامل المساعدة على تحريض النوبة الألمية؛ أهمها نقص الأكسجة، الجفاف، الحماض، التغيرات في درجة حرارة الجسم خاصة انخفاضها المؤدي إلى تشنج الأوعية الدموية، زيادة لزوجة الدم، وجود الثلاسيميا (أحد اعتلالات الخضاب الوراثية)، قصور القلب والرئة، الاإتانات، وغيرها. 

كذلك لُوحظ ارتباط الظروف البيئية (تغيرات الطقس)، والظروف الجسدية (على سبيل المثال: الإرهاق، والإفراط في الجهد)، والظروف العاطفية (مثل: القلق والغضب والحزن) دورًا في تحريض نُوب الألم.

وقد كان لحدوث النوب الألمية تأثيرات متعددة الجوانب في حياة الأفراد المصابين؛ إذ لُوحظ تكرار التغيب عن المدرسة وتغيرات في السلوك والنوم، ونتيجة لذلك كان من الواضح أن لهذه الاضطرابات دورًا في تراجع الكفاءات الصحية والأكاديمية والاجتماعية والنفسية. 

إن تثبيط النوبة الألمية في بدايتها عن طريق الإماهة الجيدة، والمسكنات، والراحة، وموسعات الأوعية؛ يمكن له أن يجهض الهجمة ويقلل من حدوث المضاعفات الخطيرة.

عادةً ما تكون نوبات الألم محددة لذاتها، خاصة عند الأطفال، وتتبع دورة تصاعدية تدوم مدة 10 أيام تقريبًا.

ولأن درهم وقاية خير من قنطار علاج؛ كان من الأفضل تجنب العوامل المحرضة للألم قدر الإمكان، والحفاظ على قيمة HbS أقل من 30٪، أيضًا ينبغي العمل على زيادة مستويات الخضاب الجنيني HbF ربما بواسطة حثِّ إنتاجه دوائيًّا باستخدام أدوية معينة.

أما من أجل تسكين الألم الخفيف إلى متوسط الشدة؛ فقد تستخدم ​​مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية (NSAIDS) أو الباراسيتامول.

لكن في حال استمر الألم على الرغم من هذه الإجراءات​​؛ فيمكن إضافة مسكنات من المستوى الأعلى وفق وصفة الطبيب.  

لكن هل يعد المورفين هو المادة الأفيونية المثالية والوحيدة لعلاج ألم الداء المنجلي؟

حدث تحول في تسكين ألم الداء المنجلي من الميبيريدين إلى المورفين في التسعينيات، وسرعان ما أصبح يستخدم على نطاق واسع في تدبير الآلام الشديدة.  

ومن الجدير بالذكر كمفارقة بأنه اتَّضح أن المورفين ليس حلًّا سحريًّا؛ وذلك بسبب آثاره الجانبية العديدة، وتشمل هذه الآثار الغثيان والإقياء، والحكة، والإمساك، والإدمان. 

وقد لوحظ في السنوات الماضية أن جرعات أعلى وكميات أكبر من المسكنات الأفيونية في كثير من الأحيان لا تساعد، وقد يكون لها آثار وعواقب وخيمة.  

وعلى العكس؛ ارتبطت الأفيونات العالية الجرعة بمخاطر كبيرة، كهشاشة العظام، واختلال التوازن الهرموني، وخلل المناعة، والتثبيط التنفسي والموت.

وجد في بعض الدول بأن الأسيتامينوفين-هيدروكودون هو الدواء القصير التأثير الأكثر استخدامًا، يتبعه أسيتامينوفين-كوديين والمورفين السريع التحرير.  

في حين كان الميثادون، ولصاقات الفنتانيل، وكسيكودون المديد أقل استعمالًا. 

كانت المواد الأفيونية الضعيفة الأشيع هي الكودايين والترامادول. (معلومات بقصد الاطلاع فقط). 

على الرغم من أن الطريق الفموي هو الأمثل لمعظم المرضى؛ إلا أنه يمكن استخدام طرائق بديلة للتدبير، مثل الإعطاء تحت اللسان وعبر الشرج وتحت الجلد (SC) وعبر الوريد.

في حين أن الطريق العضلي عادة ما يثبط بسبب الامتصاص غير المنتظم والألم. 

ويعدُّ الطريق الوريدي هو أسرع طريق لتحقيق التسكين في المرضى الذين يعانون الآلام الشديدة المتصاعدة، على الرغم من ضرورة الحذر الشديد.

ولا ننسى أنه يجب اختيار المسكنات الأفيونية، والجرعة، وطريقة الإعطاء بحذر، وعن طريق الطبيب حصرًا، ومراقبة الآثار الجانبية المحتملة على نحو متكرر. 

قد لا يكون الألم من الأعراض الرئيسية المرتبطة بالانسداد الوعائي فقط، ولكن قد يكون أيضًا علامة إنذار مهمة لكثير من المضاعفات المهددة الحياة.

ولا تزال هذه النوب الألمية المتكررة غير المتوقعة أحد أهم أسباب الاستشفاء في الداء المنجلي، كذلك تعد مصدرًا مهمًّا للقلق لدى المرضى وأسرهم.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا