الغذاء والتغذية > الفوائد الصحية للأغذية

النبيذ بين الفوائد والمضار

تناولت العديد من الدراسات العلاقة بين استهلاك النبيذ وبعض النتائج الصحية؛ الجيدة منها والسيئة، ويعود الربط الأول بين النبيذ والاستخدامات الطبية إلى الحضارة السومرية منذ 7000 عام قبل الميلاد. وعندما وصلت صناعة النبيذ إلى اليونان القديمة غدا النبيذ متاحًا لأطياف المجتمع كافّة آنذاك، وأصبح موضوعًا شائعًا في الأدب والدين والترفيه والطب والأساطير، وقد روّجَ أبقراط له بوصفه جزءًا من النظام الغذائي الصحي، وادَّعى بأنه جيد في تطهير الجروح وإذابة العناصر الدوائية ليسهل على المرضى تناولها.

 

النبيذ وصحة الجهاز الهضمي:

تفيد العديد من التجارب السريرية والأبحاث على الحيوانات بوجود نوع من الميكروبات الحميدة تعيش في القناة الهضمية تسمى الميكروبات المعوية (Gut Microbiota) من شأنها تقديم فوائد صحية للمضيف، بل إنها تُعَدُّ دليلًا على صحة جهاز الهضم. وفي الوقت نفسه؛ يمتاز النبيذ الأحمر بمحتواه الغني والمتنوع من مركبات البولي فينول، التي تتمتع بخصائص مضادة  للميكروبات المنافسة للميكروبات المعوية على نحوٍ يؤثر إيجابيًّا على نمو هذه الميكروبات. ولكن ما زالت الدراسات الوبائية تفتقر إلى وجود نتائج عن مقارنة تأثيرات أنواع مختلفة من المشروبات الكحولية على الميكروبات المعوية (GM).

ولمَّا كان الهدف التغذوي يتجه نحو تحديد استهلاك الفرد من الكحول طُرِحت فكرةُ عدِّ حصص (أو وحدات) الكحول أول مرة في المملكة المتحدة سنة 1987، إذ تساوي وحدة الكحول 10 مل أو 8غ من الكحول الصافي. ونرصد هنا نتائج تجربة أُجريت لمقارنة تأثير كل من البيرة والسيدر والليكور والنبيذَين الأبيض والأحمر إضافة إلى مزيج من كل هذه المشروبات على سلالة (α) من الميكروبات المعوية الموجودة على نحوٍ فرديّ لدى مجموعة من توائم الإناث البريطانيات مُكوَّنة من 916 امرأة؛ وتبينَ أنَّ الأفراد الذين تناولوا النبيذ الأحمر على نحو متكرر بمعدل وحدتَي كحول أعلى من شركائهم التوءم ظهرَت لديهم الميكروبات من النوع (α) على نحو أكبر، وقد كانت هذه النتيجة ذات دلالة إحصائية في كامل العينة المكونة من 458 توءم، بل إنَّ تناول النبيذ الأحمر بكميات قليلة جدًّا كان له أثر ملحوظ، في حين كان لتناول النبيذ الأبيض أثر إيجابي ملحوظ أيضًا ولكنه أقل بكثير، ولم تسجل الأنواع الكحولية المدروسة الأخرى أي تأثير على هذه الميكروبات. وبينت النتائج وجود ارتباط بين استهلاك النبيذ الأحمر وتشكل الميكروبات المعوية في العينة المدروسة في شمال بلجيكا أيضًا.

أخيرًا، لوحظ أنَّ مستهلكي النبيذ الأحمر عمومًا وفي كل العينات والشرائح المدروسة لديهم ميكروبات معوية على نحوٍ أكبر إحصائيًّا مقارنة بغير المستهلكين، إضافة إلى وجود ارتباط بين استهلاك النبيذ الأحمر ونسبة أنسولين الدم والكوليسترول العالي الكثافة HDL ( الكوليسترول الجيد). 

ولعلَّ هذا الدور الإيجابي للنبيذ الأحمر في نمو الميكروبات المعوية بحد ذاته هو المسؤول عن بعض (وليس كل) الفوائد الصحية التي تُنسَب إلى النبيذ الأحمر(عند تناوله على نحو معتدل) في تحسين استقلاب الكوليسترول وتخفيض الشحوم الثلاثية والثنائية. ويُفسَّر ذلك بسبب المحتوى العالي للنبيذ الأحمر من مركبات البولي فينول مثل الأنثوسيانينات والريسفيراترول وحمض الغاليك، ومَردُّ هذا التفسير يعود إلى أنَّ لتناول كميات مساوية من النبيذ الأبيض تأثيرًا ضعيفًا جدًّا مقارنة بالنبيذ الأحمر، على الرغم من أنّه يحتوي تقريبًا نسبة الكحول ونسبة باقي المكونات الأخرى نفسها؛ باستثناء أنَّ محتواه من المركبات الفينولية أقل بـ 6 إلى 7 مرات.

النبيذ وأمراض القلب:

تبين وجود علاقة بين تناول النبيذ الأحمر بكميات معتدلة وتقليل خطر الإصابة القاتلة بأمراض القلب أو الجلطة القلبية بنسبة 30-50%، الأمر الذي جعل استهلاك النبيذ الأحمر يتزايد تزايدًا واسعًا في أوساط المستهلكين الذين يمتلكون وعيًا صحيًّا.

وبالنظر إلى أمراض القلب لدى الشعب الفرنسي ظهرَ ما سُمِّيَ بالمفارقة الفرنسية "French paradox" ويقصد بها انخفاض معدل إصابة الفرنسيين بأمراض القلب التاجية (Coronary heart disease- CHD) على الرغم من ارتفاع مدخولهم الغذائي من الكوليسترول والدهون المشبعة. إذ يستهلك الفرنسي وسطيًّا 2 -3 كؤوس من النبيذ الأحمر يوميًّا، مقللًا بذلك من مضار الأغذية العالية الكوليسترول الشائعة في الريجيم الفرنسي متضمّنةً المخبوزات، والأجبان، والحلويات الغنية بالسعرات. وبحسب هذه المفارقة فإنَّ استهلاك النبيذ الأحمر يوميًّا لا يحمي الجهاز القلبي الوعائي فحسب، بل إنه يطيل مدّة الحياة أيضًا بسبب احتوائه على الريسفيراترول المشتق من التانينات الموجودة في العنب الأحمر، الذي يُسهِم  في حل العديد من المشكلات الطبية مثل تقليل خطر الإصابة بسرطان القولون والبروستات.

للمزيد عن المفارقة الفرنسية هنا.

يحتوي النبيذُ الأحمر على مضادات أكسدة تدعى بـ (الفلاڤونوئيدات)، التي من شأنها تقليل خطر أمراض القلب التاجية من خلال دورها في تقليل الكوليسترول الضار (LDL) وزيادة الكوليسترول الجيد، وتفيد الأبحاث بأنَّ تناول جرعة يومية من النبيذ الأحمر من شأنها رفع الكوليسترول الجيد بمعدل 12% تقريبًا.

النبيذ ومستوى الكحول في الدم:

عند إجراء مقارنة  لقدرة المشروبات الكحولية على رفع مستويات الكحول في الدم؛ تبينَ تفوُّق الفودكا على كل من البيرة والنبيذ بأعلى قيمة وصل إليها تركيز الكحول في الدم بعد الاستهلاك مُقاسًا بـ مغ/د.ل، وكذلك سرعة الارتفاع يليها النبيذ وتليه البيرة. ممَّا يجعل النبيذ أقلَّ ضررًا من المشروبات الكحولية المقطرة.

النبيذ والصداع النصفي:

تُعدُّ فكرة العلاقة بين المدخول الغذائي وتشكل الصداع النصفي قديمةً نوعًا ما، ففي عام 1778 وصف الطبيب Fothergill نوبات الصداع النصفي التي تحدث بعد تناول أطعمة محددة، ولكن بسبب تباين الأعراض السريرية بين مرضى الصداع النصفي أنفسهم من جهة، وبينهم وبين مرضى الصداع من جهة أخرى أضحت هذه العلاقة محاطةً بالشكوك.

وأمّا النبيذ بحد ذاته؛ فوفقًا لدراسة أجراها مركز آلام الرأس والصداع في البرازيل- ريو دي جانيرو عام 2014 اكتُشِف دور النبيذ بوصفه مُسببًا تقليديًّا لكل من الصداع والصداع النصفي (الشقيقة)، وذلك بسبب محتواه من التانينات والفلاڤونوئيدات، التي لها القدرة على التأثير في استقلاب بعض الأمينات الأحادية إضافة إلى قدرتها على تحرير خماسي هيدروكسي التربتامين 5-HT .

أي إنَّ المركبات نفسها التي أثبتت كفاءتها الصحية في المواضع السابقة قد أثبتت ضررًا محتملًا في موضع آخر، وبالاستفادة من دراسة أنجزتها جامعة فلورنس الأمريكية ونُشِرت عام 2015، وكانت قد هدفت  إلى فهم كيفية اختيار المستهلكين مشروباتهم الكحولية، وإلى فهم الدور الذي يؤدّيه وعي المستهلك بالفوائد الصحية للنبيذ في اتخاذ قرار شراء النبيذ؛ تبيَّنَ أنَّ المستهلكين الذين لديهم بعض المشكلات الصحية غالبًا ما يستهلكون النبيذ لأهداف صحية، ثمَّ إنَّ المستهلكين الذين يعتقدون بوجود فوائد أكثر كانوا يميلون إلى استهلاكه على نحو أكبر ودفع مبالغ مالية أكبر لقاء شرائه. وتخلص هذه الدراسة إلى وجود احتمالية لاستغلالِ الجوانب الصحية للنبيذ بوصفها أداة لتسويق هذا المنتج.

لذلك دائماً ما يوصي الباحثون والأطباء بضرورة تناول النبيذ على نحو معتدل.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا