العمارة والتشييد > مشاكل إنشائية

الزلازل؛ عندما تغضب الأرض كيف تنشأ؟ وما الغضب الراقد غرب سورية؟

اضطراباتٌ في باطنِ الأرض، وتخريبٌ لسطحها، وإعادةُ تشكيلٍ له. 

مبانٍ تتهاوى وأخرى تصمد، ومدن تندثر، وأرواح تُزهق… 

زائرٌ ثقيل الظلِّ، فكيف ينشأ وما موقع سورية على الخارطة الزلزاليَّة؟

للزلازل عددٌ من التَّأثيرات التي تظهر على سطح الأرض على شكل انهيارٍ للتربة، وشروخ على سطح الأرض، وأضرارٍ في المباني بالإضافة إلى الوفيات البشريَّة.

تنجم آثار الزلازل على المباني عن الموجات الزلزاليَّة التي تنتشر في  الاتجاهات جميعها بعيدًا عن بؤرة الزلزال، وتسبب هذه الموجات حركات أرضيَّة قد تصل إلى مئات الأميال بعيدًا عن بؤرة الزلزال.(1)

تشكَّلت الأرض منذ زمنٍ طويل من مجموعةٍ من الكتل الماديَّة المنصهرة بدرجةِ حرارةٍ عالية، ومع الزمن تبرَّدت هذه المواد ببطء؛ لتغرق المواد الأثقل إلى قلب الأرض وتطفو المواد الأخف إلى السطح.(1-2)

طبقات الأرض: (1-2)

1- اللُّب الداخلي (Inner Core): نصف قطره (1290) كم، وهو صلبٌ ويتكون من معادن ثقيلة مثل: النيكل والحديد، وتصل درجة حرارته إلى ـ 2500 درجة مئويَّة، وضغط يصل إلى (4) ملايين ضغط جوي.

2- اللُّب الخارجي (Outer Core): نصف قطره (2200) كم، ذو قوامٍ سائل قادر على التَّدفق من خلال طبقة الوشاح. 

3- الوشاح (Mantle): نصف قطره (2900) كم

4- القشرة (The Crust): يتراوح نصف قطرها بين (5) وحتى (100) كم، وتتكون من مواد خفيفة مثل: البازلت والغرانيت، وبدرجة حرارة وسطيَّة تصل إلى (25) درجة مئويَّة، ويكون الضغط حوالي 1 ضغط جوي.

الشكل (1) الطبقات داخل الأرض

دورة الكتلة في باطن الأرض: (1)

تنشأ تيارات حمل حراري في منطقة الوشاح اللّزج نتيجةً للتَّدرج الحراري بين منطقتي القشرة واللُّب؛ إذ تشبه هذه التيارات تلك التي تنشأ عندما يغلي الماء في وعاء.

تؤدي هذه التيارات إلى عمليّة دورة الكتلة في الأرض؛ حيث تخرج الحمم المنصهرة الساخنة إلى السطح وتذهب كتل الصخور الباردة إلى اللُّب لتَذوب هناك تحت درجة حرارة وضغط اللُّب العاليين، وتصبح جزءًا من الوشاح اللَّزج لتخرج مرة أُخرى من موقع آخر في يوم من الأيام.

تجري العديد من دورات الكتلة هذه في مناطق مختلفة تحت سطح الأرض، ممّا يؤدي إلى حركة أجزاء من القشرة الأرضيَّة وباتجاهات مختلفة.

الشكل(2) حركة باطن الأرض

الصفائح التَّكتونيَّة: (1)

تتسبب اندفاعات الحِمَم عبر مادة الوشاح انزلاقات في القشرة وبعض أجزاء الوشاح التي تطفو على حِمَم اللُّب الخارجي، وتحدث هذه الانزلاقات للقشرة الأرضيَّة لمجموعةٍ من الصفائح تسمى بالصفائح التَّكتونيَّة، حيث يتكون سطح الأرض من (7) صفائح تكتونيَّة رئيسة والعديد من الصفائح التَّكتونيَّة الصغيرة الأخرى. 

تتحرك هذه الصفائح باتجاهاتٍ وسرعاتٍ متباينةٍ فيما بينها؛ وهذا ما يؤدي إلى إعادة تشكّيل سطح الأرض، فمثلًا تكون الصفيحة في الأمام أحيانًا أبطأ من التي في الخلف فيحدث اصطدام بينهما وتتشكل الجبال، وأحيانًا تتحرك صفيحتان باتجاهين متعاكسين بعيدًا عن بعضهما مما يؤدي إلى تشكُّل الـrifts (المنخفضات، الأغوار)، وفي حالةٍ أُخرى قد تتحرك صفيحتان جنبًا إلى جنب في  الاتجاه نفسه أو باتجاهين متعاكسين.

هذه الأنواع الثلاثة من حركات الصفائح التَّكتونيَّة فيما بينها تسمى بالحركات المتقاربة والمتباعدة والتَّحويليَّة على التوالي، وتختلف الحركة النسبية لهذه الصفائح، فهي تتراوح بين (2) سم إلى بضع عشرات من السنتيمرات سنويًّا.

الشكل(3) يوضح الصفائح التَّكتونيَّة الرئيسة مع حدودها والتي تحدث عندها معظم الزلازل

الصفيحة الاسترالية 2- الصفيحة الأفريقية 3- صفيحة المحيط الهادئ 4- الصفيحة الفلبينية 5- صفيحة سكوتيا 6- الصفيحة العربية 7- الصفيحة الأوراسية

الزلازل:

الزلزال: هو حركةٌ عنيفةٌ مؤقتةٌ لسطح الأرض، تتبع تحرر الطَّاقة في قشرة الأرض. (2)

عندما تتعرض الصخور لقوى خارجيَّة فإنَّها تحاول العودة إلى وضعها الطبيعي كما تتصرف المواد المرنة، وهذا ما تعتمد عليه نظرية الارتداد المرن (Elastic rebound theory) في تفسير حدوث الزلازل، والتي تقول: تتخزن في الصخر طاقة التَّشوهات المرنة الناتجة عن حركة الصفائح التَّكتونيَّة العملاقة، وبما أنَّ المواد التي تتشكّل منها الصخور هشة؛ فإنَّها وعندما تصل الصخور في هذه المنطقة إلى الحد الأعلى من قدرتها على امتصاص الطَّاقة وتحمل القوى الخارجيّة؛ تحدث حركة مفاجئة على جانبي الصدع (Fault) - كسر في الصخور التي حدثت فيها الحركة- لتنزلق طاقة التَّشوهات المرنة التي تختزنها هذه الصخور وتتحرر، فمثلاً تُقدَّر الطَّاقة التي تحررت من الصخور في زلزال منطقة Bhuj في الهند عام 2001 بأنها أكبر بـ 400 ضعف من الطَّاقة التي تحررت من قنبلة Hiroshima النووية عام 1945.(1)

تؤدي هذه العملية المفاجئة إلى حدوث الزلازل، وهي هزات أرضيَّة عنيفة تحدث عندما تنتشر طاقة التَّشوهات المرنة من خلال الموجات الزلزاليَّة التي تنتقل عبر جسم الأرض وعلى طول سطحها، بعد انتهاء الزلزال تبدأ عملية تراكم التَّشوهات من جديد بين الصخور على سطح الأرض الذي تشكَّل حديثًا بعد آخر هزة أرضيَّة. (1)

الآن تغطي محطات رصد الزلازل معظم مناطق العالم، ويُرصد قرابة (1000) زلزال قوة كل منها أقل من(5) درجات على مقياس ريختر كل عام.(2)

أنواع الزلازل والصدوع:

تحدث معظم الزلازل حول العالم على حدود الصفائح التَّكتونيَّة، وتسمى Inter- plate Earthquakes (بين الصفائح التَّكتونيَّة)، مثل زلزال Assam  في الهند عام 1897، وهنالك أنواع أخرى من الزلازل تحدث داخل الصفيحة نفسها دون اصطدامها بصفائح أخرى تسمى Intra-plate Earthquakes (داخل الصفائح التكتونية)، مثل زلزال Latur في الهند عام 1993 (1)

تتركز معظم هذه الزلازل على طول حدود الصفائح، وتسمى المناطق التي تتركز فيها الأنشطة الزلزاليَّة بأحزمة الزلازل، وهنالك حزامان رئيسان للزلازل على سطح الأرض:

1- حزام Circum-Pacific النشط جدًا، حيث تتركز حوالي 75% من الزلازل فيه.

  2- الحزام الأوراسي (Eurasian)، والذي يحدث فيه حوالي 22% من الزلازل. 

الـ 3% المتبقية من الحركات الزلزاليَّة تنشأ داخل الصفائح التَّكتونيَّة. 

في كل من النوعين من الزلازل يحدث انزلاق على طول الصدع الزلزالي في الاتجاهين العمودي والأفقي، فإذا حدث الانزلاق عموديًا يدعى عندها (Dip slip) ويصنع زاوية مع المستوي الأفقي، وإذا حدث الانزلاق في الاتجاه الجانبي (بشكل متوازي) يسمى عندها (Strick Slip)، وتتراوح أطوال الصدوع بين أقل من متر وحتى مئات الكيلومترات (2)

الشكل(4) أنواع الصدوع

الموجات الزلزاليَّة: (1)

إنَّ الطَّاقة الكبيرة التي تتحرر عند حدوث الزلزال تنتقل بصورة موجات زلزاليَّة في الاتجاهات جميعها خلال طبقات الأرض، وتتعرض هذه الموجات لانعكاسات وانكسارات عندما تواجه عوائق في طريقها.

تنقسم هذه الموجات إلى نوعين:

الموجات الباطنيَّة، والتي تكون عميقة في طبقات الأرض السفليَّة.

الموجات السَّطحيَّة، والتي تكون قريبة من سطح الأرض.

الشكل(5) الموجات الزلزاليَّة التي تصل سطح الأرض (1)

للموجات الباطنيَّة نوعان، النوع الأوَّل هو الموجات الأوليَّة (Primary Waves _ P-Waves) والتي تنتشر في مواد باطن الأرض على شكل سلسلة من التضاغطات المتتالية في اتجاه انتقال الموجة التي تحمل الطَّاقة، وأمّا النوع الثاني فهو الموجات الثانويَّة (Secondary Waves _ S-Waves) والتي تتحرك بسببها مواد الأرض (الصخور وغيرها من المواد) بزاويةٍ مناسبةٍ. 

أمَّا الموجات السَّطحيَّة فلها أنواعٌ أخرى؛ الأوّلى تسمى موجات Love (نسبة لمكتشفها) والتي تسبب حركة سطحيَّة مشابهة لتلك التي تسببها الموجات الثانويَّة ولكن بدون مركبة عمودية للموجة، والنوع الثاني للموجات السَّطحيَّة يدعى موجات Rayleigh والتي تتسبب باهتزاز مواد الأرض بمسار إهليلجي في مستوٍ عمودي موازٍ لاتجاه انتشار الموجة. 

تكون الموجات الأوَّليَّة هي الأسرع تليها في ذلك كلّ من الموجات الثانويَّة، ثمَّ love، وأخيرًا rayleigh، فمثلًا في صخور الغرانيت تكون سرعة كل من الموجات الأوَّليَّة والثانويَّة 4،8 كم\سا و 3.0 كم\سا على الترتيب. 

بالنسبة للموجات الثانويَّة فإنَّها لا تنتقل خلال السوائل، وهذه الموجات بالمشاركة مع موجات love  تسبب أكبر ضرر للمنشآت الهيكليَّة على سطح الأرض بسبب الحركات الأرضيَّة الأفقيَّة والعاموديَّة التي تتسبان بها.(1)

الشكل(6) الأنواع المختلفة للأمواج (1)

مجال اهتمام المهندسين: (1)

نتيجةً للموجات الزلزاليَّة التي تنشأ بسبب تحرر الطَّاقة من كل نقطةٍ ماديَّة في الصدع؛ تنشأ الموجات الزلزاليَّة على سطح الأرض، والتي تتسبب باهتزاز هذا السطح، وهذه الموجات تصل بفوارق زمنيَّة مختلفة، وتحمل معها مستويات طاقة مختلفة بين موجة وأخرى؛ لذلك فإنَّ الحركة الزلزاليَّة على سطح الأرض تكون عشوائية بطبيعتها؛ إذ تختلف سعتها واتجاهها وتوقيتها.

عندما تحدث زلازل قوية على أعماق كبيرة فإنَّ هذه الزلازل من الممكن أن تتسبب بحركاتٍ سطحيّةٍ خفيفةٍ، ولا تتسبب بأضرارٍ للهياكل الإنشائيَّة، ومن الممكن أن لا يشعر بها البشر، ولكن تقوم المعدات الحساسة لمثل هذه الحركات الأرضيَّة باستشعارها وتسجيلها.

من وجهة نظرٍ هندسيّةٍ؛ فإنَّ ما يمكن أن يؤخذ بعين الاعتبار هو تلك الزلازل التي تتسبب بأضرار إنشائيَّة للمباني الهيكليَّة، والتي يُمكن أن تتسبب بها حركات أرضيَّة تحدث على مسافات قريبةٍ من العمران، وحتى تلك الحركات الأرضيَّة القوية المتوسطة البعد والبعيدة عن العمران، وهذا هو مجال اهتمام المهندسين الذين يقومون بتصميم المباني المقاومة للزلازل.

موقع سورية على الخارطة الزلزاليَّة: (3)

يمر من سورية أحد أكبر الصدوع في العالم وهو صدع البحر الميت، والذي يمتد على طول قرابة 1000 كم، من قاع البحر الأحمر عند خليج العقبة جنوبًا باتجاه جبال طوروس على الحدود السُّوريَّة التركيَّة مرورًا بوادي البقاع في لبنان، وعلى طول هذا الصدع تنتقل الصفيحة العربية شمالًا بالنسبة للصفيحة الأفريقية بمتوسط سرعة حركة يقدر بـ 5مم\سنة. 

وعلى الرغم من النشاط الزلزالي المنخفض إلى المتوسط على طول صدع البحر الميت خلال القرن العشرين، فهذا لا يمثل التاريخ الزلزالي الطويل للمنطقة والتي شهدت زلازل كبيرة (بقوة 7 أو أكثر على مقياس ريختر) -على الرغم من قلتها- في فلسطين وسورية ولبنان، فبالإضافة إلى زلزال عام 1170 هنالك هزات أرضيَّة أخرى كبيرة حدثت في الأعوام 551، 1138، 1157، 1202، 1408، 1759 و 1837. 

الشكل (7) خريطة تكتونية مبسطة للصفيحة العربية توضح حدودها، والزلازل الحديثة، واتجاه حركة الصفيحة وسرعتها.

مواقع الزلازل مأخوذة من قاعدة بيانات المركز الأمريكي الوطني لمعلومات الزلازل USGS، وتمثّل الأسهم السوداء الكبيرة اتجاه حركة كلّ من الصفيحة العربية والصفيحة الأفريقية (النوبة) بالنسبة للصفيحة الأوراسية وسرعتهما. (3)

هذا التاريخ الزلزالي للمنطقة يدفع المجتمع الهندسي للتفكير الدائم بعوامل الأمان والتدابير التي يجب اتخاذها في مواجهة مثل هذه الظواهر الطبيعيَّة، وهذا ما نجده واضحًا في متطلبات تصميم المباني الحديثة في نقابة المهندسين السوريين وخصوصًا للمباني العالية.

هل تعرفون حلولًا هندسيّة لمواجهة مثل هذه الظواهر الطبيعيَّة؟

المصادر:

  1. September 2005 “EARTHQUAKE TIP-Learning Earthquake Design and Construction”. Department of Civil Engineering Indian Institute of Technology.Kanpur ... هنا
  2. M.Y.H. Bangash (2011). “Earthquake Resistan Buildings Dynamic Analyses، Numerical Computations، Codified Methods، Case Studies and Examples”. London، UK.
  3. Guidoboni، E.، F. Bernardini، A. Comastri، and E. Boschi (2004)، “The large earthquake on 29 June 1170 (Syria، Lebanon،

    and central southern Turkey)”، J. Geophys. Res.، 109، B07304، doi:10.1029/2003JB002523....هنا