التوعية الجنسية > الحياة والحقوق الجنسية والجندرية

الإيدز؛ وصمة العار والصحة العامة

كلما كان فهمنا لشعورِ العار المرافق لهذه الحالة أفضل؛ سنكون أكثر قدرةً على إيجاد أساليب تساعد المصابين بهذه المتلازمة على التغلب على شعور العار، ومن ثم استبعاد تأثيراته السلبية من الناحية الطبية، مما يعزز فرصَ حدوث التشخيص المبكر الذي يليه تقديم المعالجة المناسبة لهؤلاء المرضى.

تؤدي المفاهيم الشائعة المتصوَّرة عن متلازمة نقص المناعة المكتسب خصوصًا والأمراض المنتقلة بالجنس (STI) عمومًا إلى إحساس بالعار والخجل يسيطر على المصاب، ويسبِّب هذا الإحساسُ بدوره تأثيراتٍ سلبيةٍ فيما يخص مكافحة هذه الأمراض، وأهم هذه التأثيرات:

1- قد يمنع الإحساسُ بالعار المصابَ من ذكر جميع الأحداث المتعلقة بتاريخه الجنسي بصراحة للطبيب المعالج، والتي قد تكون ضروريةً للتشخيص والعلاج.

2- قد يدفع الإحساس بالعار المصابَ إلى الابتعاد عن طلب الرعاية الطبية.

3- قد يمنع الإحساس بالعار الأشخاصَ الطبيعيين من المراجعة الدورية لعيادات الأطباء بهدف إجراء اختبارات المسح للإصابة بفيروس (HIV) والأمراض المنتقلة بالجنس عمومًا.

4- قد يمنع الإحساس بالعار المصابَ من إخبار أيَّ شريكٍ جنسي جديد بإصابته.

5- قد يمثِّل الإحساس بالعار سجنًا نفسيًّا للمصابين؛ مما يجعل مهمةَ التعايش مع هذا المرض تجربةً أصعب بكثير مما هي عليه فعلًا.

 نلاحظ مما سبق أنَّ النتائج السلبية المترتبة على الشعور بالعار السابق الذكر قد تطال الجميعَ وليس فقط المصابين بفيروس (HIV)؛ إذ يمثل هذا المرض مشكلةً للمجتمع بأسره، ولذلك يجب علينا إيجاد طرائق وأساليب لتقليل الإحساس بالخجل والعار المرافق لهذا المرض، وكذلك الافتراضات المُسبقة التي يتعرض لها المصابون ما إن يُخبروا أحدًا عن إصابتهم. فيجب علينا أن نقابل أيَّ حالاتِ إصابةٍ جديدة بتغييرٍ في آلية التفكير السائدة؛ لوجود دور كبير للإحساس بالخجل والعار في إبعاد المريض عن الحصول على الرعاية الصحية المناسبة.

التزام المريض والشعور بالعار:

على الرغم من عدم وجود علاجٍ شافٍ تمامًا من الإيدز؛ فإنَّ التدبير الناجح ينطوي على إعطاء الأدوية المضادة للفيروسات الراجعة (antiretroviral medication) يوميًّا لبقية حياة المصاب، إضافة إلى مراجعته الدورية للمؤسسات الطبية وخضوعه للفحوصات، ويعدُّ التزام المريض بذلك على المدى الطويل -بالأدوية عمومًا- ضعيفًا عندما يتعلق الأمر بعديدٍ من الأمراض المزمنة كارتفاع ضغط الدم والداء السكري، ويعدُّ الالتزام ومطاوعة المريض عادةً أكثرَ أهميةً لدى مرضى الإيدز؛ إذ إنَّ إعطاء الجرعات الدوائية على نحو صحيح يُجنِّب حدوث مقاومةٍ لدى الفيروس على هذه الأدوية فيصبح غير حساس ولا يستجيب لها.

 وتثبت الأدلة العلمية أنَّ توقُّف المصاب بالإيدز فتراتٍ عن أخذ الأدوية يزيد خطرَ تدهور حالة المريض ويعجِّل من موته. ويبدو أنَّ للمعتقدات المتعلقة بمرض الإيدز والإحساس بالعار المُصاحب للإصابة به دورًا مساهمًا في التزام المصاب بأدويته أو انقطاعه عنها.

فمن وجهة نظرٍ كيميائية حيوية؛ يساعد التزام المصاب بأدويته وخضوعه للتحاليل والفحوصات الطبية الدورية على تثبيط الفيروس وعيش المصاب حياةً طبيعية، أمَّا من وجهة نظرٍ اجتماعية نفسية؛ فيعمل الالتزام بالدواء بوصفه تذكارًا دائمًا للمريض بحالته والمعتقدات والعار الملازم له. 

إذًا؛ كيف يمكننا بدء التغيير لضمان هذا الالتزام؟

يبدأ الأمر بتغيير عقلية الأفراد ونظرتهم للمرض، فكثيرًا ما يستخدم الناس مصطلحَ "أنا نظيف" في حال كان اختبار الإيدز سلبيًّا لديهم، في حين يطلقون مصطلحَ "ملوث" في حال كان إيجابيًّا؛ ذلك أنَّ لاستخدام هذه المصلحات تأثيرًا نفسيًّا عميقًا، حتى وإن كان يعلم الفرد نفسه أنَّ الإصابة بفيروس معين ليس له أية علاقة بالنظافة أو التلوث. وانطلاقًا من ذلك؛ يجب رفع الوعي بين الأفراد للنظر إلى نتائج التحليل من منظور أخلاقي محايد بغض النظر عن المعتقدات الشائعة عن الأمراض المنتقلة بالجنس.

 من الضروري معرفة أنَّ مكافحة فيروس (HIV) لا تقتصر على وضع التشخيص وتقديم العلاج فقط؛ بل إنَّ لمستوى الصحة العامة للمجتمع دورًا مهمًّا أيضًا، خاصة وأنَّه لا يوجد لهذا المرض -مثل معظم الأمراض الأخرى المنقولة بالجنس- أيُّ علاجات أو لقاحات واقية فعَّالة، فضلًا عن أنَّ الوقاية التالية للتعرض للفيروس (post‐exposure prophylaxis - PEP) مرتفعةُ التكلفة وقد تسبب تأثيراتٍ جانبية مهمة لدى بعض المرضى، وتتضمن الخضوعَ لإجراءات دقيقة ضمن نافذة زمنية ضيقة نسبيًّا بعد التعرض يجب فيها تقديمُ كل ما يلزم من معالجة وقائية تالية للتعرض.

وبالمقابل، تعدُّ الوقاية السابقة للتعرض (Pre‐exposure prophylaxis - PrEP) أكثرَ فاعليةً على الرغم من انطوائها على بعض المشكلات كزيادة احتمالية حدوث مقاومة الفيروس على الأدوية. 

المصدر: هنا