الطب > مقالات طبية

جراحات السمنة وتأثيرها في امتصاص فيتامين الكوبولامين (B12)

تُعد عمليات علاج السمنة الجراحية (Bariatric surgeries) بمختلف أنواعها من أكثر العمليات شيوعاً في العالم، وبحسب إحصائية أُجريت عام 2013؛ قُدّر عدد العمليات التي أجريت في هذا العام بـ 468،609 عملية جراحية، غالبيتها في الولايات المتحدة وكندا.

واحتلت عملية  المجازة المعدية على شكل حرف Y أو ما يعرف عامياً ب "عملية تحويل المسار" (roux en y gastric bypass) صدارة الترتيب بين هذه العمليات، تليها عملية تكميم المعدة (sleeve gastrectomy). ولعل الأبحاث العديدة التي أجريت في مجال السمنة وعلاجها، وهي التي خلصت إلى أن التعديلات في نمط الحياة والعلاج الدوائي غالباً ما تفشل في مساعدة الأشخاص الذين يعانون السمنة المفرطة في فقدان الوزن، كان لها الدور الأهم في الزيادة الكبيرة لهذه العمليات والانتشار الواسع لها، وعلى الرغم من فعالية هذه العمليات وقدرتها على التخلص من السمنة والوزن الزائد؛ إلا أن نقصان الوزن كان مترافقاَ مع انخفاض في مستوى العديد من الفيتامينات والحديد والبروتينات في الجسم، ونخصُّ اليوم بالذكر في مقالنا فيتامين الكوبولامين (B12)

يحصل البشر على فيتامين الكوبولامين (B12) من الأغذية الحيوانية وخاصة البروتينات؛ إذ يُمتص ويُخزّن داخل الكبد. ويستطيع هذا المخزون أن يلبّي حاجة الجسم من فيتامين (B12) في حالات النقص الغذائي مدة تتراوح من 2-5 سنوات.

آلية المرض:

يعد انتشار نقص فيتامين (B12) بعد عمليات جراحة السمنة كبيراً نسبياً؛ إذ قُدِّرَت نسبة انتشاره نحو 33% من المرضى بعد العام الأول من إجراء الجراحة  ولكي نفهم آلية النقص الذي يحدث؛ لا بد لنا من معرفة آلية امتصاص الفيتامين.

بعد تناول الأغذية التي تحوي فيتامين (B12) (الكوبولامين)، تعمل حموضة المعدة (Low ph) على فصل (الكوبولامين) عن بقية المركبات البروتينية الموجودة في الطعام، وينشأ الكوبولامين الحر.

يرتبط الكوبولامين الحر في المعدة ببروتين تفرزه الغدد اللعابية يسمى البروتين (R)، ويتشكل المركب (كوبولامين-R) الذي يسافر في الجهاز الهضمي، وعند وصوله إلى الاثني عشر (Duodenum) والصائم (Jejunum)؛ تعمل الأنزيمات الهاضمة للبنكرياس البيبتديات (peptidase) على فصل الكوبولامين عن البروتين (R)؛ مما يسمح للكوبولامين بالارتباط بالعنصر الأكثر أهمية في عملية الامتصاص؛ وهو العامل الداخلي أو (Intrinsic factor) الذي يُفرَز من الخلايا المعدية الجدارية، وعند ارتباطه بالكوبولامين؛ فإنّه يقي الكوبولامين من العصارات الهاضمة، ويُمكّنه من الوصول إلى نهاية اللفائفي (terminal ileum)؛ إذ تتعرف مستقبلات خاصة في جدار اللفائفي إلى مركب الكوبولامين - العامل الداخلي، ويحدث الامتصاص.

الصورة ١: آلية امتصاص فيتامين B12

تختلف الآلية المؤدية إلى نقص فيتامين (B12) بعد عمليات جراحة السمنة باختلاف نوع العملية، وبغض النظر عن الآلية المؤدية إل العوز، يبقى سوء الامتصاص والتغذية الفموية غير الكافية السببين الرئيسَين المؤديين إلى هذا العوز.

ففي عملية تحويل المسار (Roux en Y gastric bypass)؛ يعد سوء الامتصاص الذي يحدث نتيجة تجاوز جزء من الأمعاء، وفرط النمو البكتيري في الأمعاء، وعدم تحمل الطعام بعد العملية الجراحية أهم آليات العوز الناشئ. إضافة إلى الإقياء الذي يمكن أن يحدث نتيجة الانسداد الميكانيكي في الأمعاء. وفي دراسة أخرى تبين أنّ النقص الذي يحدث بعد العملية الجراحية قد يكون نتيجة للنقص الموجود قبل العملية. 

أما في حالة العمليات التي تتضمن استئصال جزء من المعدة كالتكميم (sleeve gastrectomy)؛ فيعد النقص في العامل الداخلي (Intrinsic factor) السبب الأهم في عوز فيتامين (B12).

ومن الأسباب الأخرى المساهمة في نقص فيتامين (B12)؛ استعمال أدوية الحموضة كمضادات الهستامين 2 

(h2 blockers) ومثبطات مضخة البروتون (PPI) التي من شأنها أن تقلل من مستوى إفراز الحمض - ببسين في المعدة؛ مما يمنع فصل الكوبولامين عن المركبات البروتينية التي يرتبط بها، فيُنقص امتصاصه. 

  

مقارنة بين أنماط عمليات جراحة البدانة

التشخيص والعلاج والوقاية:

يتجلى نقص فيتامين (B12) على أنه فقر الدم، وعليه فإنّ الأعراض التي تظهر في كثير من الأحيان تشمل علامات فقر الدم، مثل التعب والشحوب.

وفي حالات أخرى قد تشمل الأعراض اعتلالاً عصبياً محيطياً، وصداعاً، وإسهالاً، والتهاب اللسان، واضطرابات نفسية عصبية. ويمكن تشخيص نقص فيتامين (B12) عن طريق فحوصات مخبرية بسيطة كتعداد الدم الكامل، واللطاخة الدموية المحيطية، ومستوى الفيتامين في الدم. 

بعد تشخيص النقص يكون العلاج عن طريق حُقن الفيتامين (B12) العضلية، وخاصة في حالة ظهور الأعراض. أما المرضى الذين يعانون نقصاً فقط دون أعراض، فيمكن الاستعاضة عن الحقن بجرعة فموية عالية من الكوبولامين.

أما الوقاية؛ فتوصي الجمعية الأمريكية لجراحة الأيض والسمنة (ASMBS) في  قواعدها الإرشادية لعام 2008 بضرورة استعمال مكملات الفيتامين (B12) بعد عمليات جراحة السمنة، وتشمل الجرعات الموصى بها 1000 مايكروغرام/ يوم عن طريق الفم، أو 1000 مايكروغرام في العضل مرة واحدة شهرياً، أو 1000-3000 مايكروغرام كل 6-12 شهراً في العضل، أو 500 مايكروغرام أسبوعياً عن طريق الأنف. 

الخلاصة:

وفي النهاية، يجب معرفة أنّ معدل انتشار نقص فيتامين (B12) أعلى لدى المرضى الذين يخضعون لجراحة علاج البدانة، مقارنة بعامة السكان. ويجب تثقيف المرضى الذين يخضعون لجراحات البدانة على نحو مستمر في التغذية السليمة، ودور المكملات الغذائية في تجنب العواقب غير المحمودة. 

المصادر:

1-هنا

2-هنا

3-هنا

4-هنا

5-هنا

6-هنا