البحث العلمي والمنهجية العلمية > البحث العلمي

لغة المواد التعليمية الطبية المكتوبة لغير الناطقين بالإنكليزية: تقييم لمقاربة ثنائية اللغة مبسّطة

عنوان البحث:

"Language of Written Medical Educational Materials for Non-English Speaking Populations: An Evaluation of a Simplified Bi-lingual Approach".

"لغة المواد التعليمية الطبية المكتوبة لغير الناطقين بالإنكليزية: تقييم لمقاربة ثنائية اللغة مبسّطة"

نشأت فكرةُ البحث في ضوءِ وجودِ مناقشاتٍ وجدالات عديدة في مجموعة من البلدان غير الناطقة باللغة الإنكليزية عن اللغة المختارة في التعليم الطبي؛ أيجب أن تكون اللغة الإنكليزية أم اللغة الأم؟

يحاجج  مؤيِّدو التعليم المعتمِد على اللغة الإنكليزية بأنَّها اللغة الدولية الرائدة في مجال الطب والأبحاث، والأداةٌ الحاسمة للتواصل العلمي الدولي والتعليم الطبي المستمر (CME)، وكذلك حضور المؤتمرات في الخارج، وإضافةً إلى ذلك فإنَّ طلابَ الطبّ الذين يبحثون عن ممارسةِ مهنتهم في الخارج يحتاجون إلى إتقانها. ومع ذلك؛ يُعّدُّ استعمال اللغة الأم في التعليم الطبي طريقةً لتعزيز التواصل والفهم بين ممارسِي مهنة الطب ومُستعمِلي نظام الرعاية الصحية من جهة، ولردمِ الهوّة بين أولئك الممارسين وموظفي الخدمات الطبية من جهة ثانية. وإضافة إلى ذلك؛ يساعد التعليم المعتمِد على اللغة الأم في التغلب على الازدواج اللغوي وتباين التفكير اللغوي في أثناء الدراسة بلغةٍ أخرى، ويرسّخُ استمراريّة نظام التعليم الأساسي (المدرسي) أيضًا؛ الذي يُدرَّس عادةً باللغة الأم. 

أمّا تأثير الكُلفة فيمثّل نقطةَ نقاش معقّدة، لأنَّ التغيير إلى مناهج التعليم الطبي القائم على اللغة الأم قد يزيد كُلفةَ المواد التعليمية بسبب الحاجة إلى إنشاء طرائق ترجمة ثنائية الاتجاه، إضافة إلى كلفة تدريب المُحاضرين على استعمال هذه المواد.

ولنا في المؤسّسات الطبية في البلدان الناطقة باللغة العربية أمثلةٌ واضحةٌ لمجموعةٍ متنوِّعةٍ من المناهج التعليميّة، وتحديدًا في مجال السكان غير الناطقين بالإنكليزية، إذ تتبنّى معظمُ المدارس الطبية - في المملكة العربية السعودية ومصر على سبيل المثال- مناهجَ تعليمية تعتمد كليًّا على اللغة الإنكليزية، خلافًا للمناهج الطبيّة المُستنِدة إلى اللغة العربية، التي اعتُمِدَت للتعليم الطبّي في سوريا منذ منتصف القرن العشرين بمصطلحات اللغة العربية الفصحى. وبالنظر إلى الأعداد المتزايدة من الطلاب السوريين -في المرحلة الجامعية الأولى أو في الدراسات العليا- الذين يواصلون تعليمهم العالي في الخارج؛ برزت الحاجة إلى تقييم كفاءة هذه الإستراتيجيّة الممتدّة منذ 70 عامًا، مقارنةً بالتجارب الأخرى للسكان الناطقين باللغة العربيّة، وبنموذجٍ مُقترَح هجينٍ بين اللغتَين العربية والإنكليزية (ثنائي اللغة) أيضًا، لتحديد مدى التأثيرات الإيجابية والسلبية لكلّ طريقة، ولاستكشاف إمكاناتٍ أخرى أيضًا.

لذا هدَفت هذه الدراسة إلى تقييم الفهم العلميّ للمعلومات الطبيّة المكتوبة بين طلاب الطبّ الناطقين بالعربيّة باستخدام ثلاث مقاربات لغويّة: فقرة باللغة العربية الفصحى تعتمِد القاموس الطبّي الموحَّد، وفقرة تجمَع بين اللغة العربيّة المبسَّطة والمصطلحات الإنكليزيّة (نص هجين)، وفقرة تعتمدُ على اللغة الإنكليزيّة اعتمادًا كاملًا. 

منهجيّة البحث:

أُجرِِيَ استبيانٌ إلكترونيّ (تجريبي تفاعلي ذي خطوة واحدة) في الفترة الممتدّة بين (14 حزيران إلى 4 آب) من عام 2018، ونُشِر على نحوٍ رئيس من خلال فريق الطب في منصّة "الباحثون السوريون" عبر تطبيقََي Facebook® وInstagram® بعد اختباره على عددٍ من إصدارات متصفِّحات الويب التي تعمل على حواسيب شخصيّة مختلفة وأجهزة لوحيّة وهواتف ذكيّة مع برمجيّاتها المختلفة.

شارك في الاستبيان (1546) مُشارِكًا من طلاب الكليات الطبية عمومًا، وتضمَّنت الشريحة المستهدَفة طلاب كليّات الطب وطبّ الأسنان والصيدلة في الجامعات السورية (الحكومية والخاصة)، وسُمِح للطلاب الناطقين باللغة العربيّة بالمشاركة في الاستبيان، لاستخدامِ إجاباتِهم بوصفها مجموعة مقارنة فحسب في بعض التحليلات. 

ولا بدَّ من الإشارة إلى طوعيّة المشارَكة في هذا الاستبيان وذلك بعد الحصول على موافقة مستنيرة من كلّ مشارِكٍ على الصفحة الإلكترونية الأولى منه، إضافةً إلى تعمية المعلومات لضمان عدم الكشف عن هويّتها. 

وقد ضُمِنت خصوصيّة المشاركين ومشاركتهم الطوعيّة ودُرِست بدقة في خلال فترة الدراسة، ووفقًا لهذه الشروط؛ استُبعدت ردود المشاركين المرفوضين في مرحلةِ تحليل البيانات -حتى بعد الانتهاء من الاستبيان- أو انسحبوا في أيّ مرحلةٍ من مراحل الدراسة، فكان جميع المشاركين المشمولين في عمر 18 سنة أو أكبر من ذلك.

موادّ البحث:

تكوّن الاستبيان من سلسلةٍ مؤلّفةٍ من 10 صفحات ®Java® /Javascript تحتوي اثنَي عشَر سؤالًا، أُنشئت باستخدام نماذج ®Google، وصُمِّم لتقييم المناهج اللغويّة الثلاثة في طرائق تدريس العلوم الطبيّة المكتوبة. ثمّ قُيِّمَت هذه الأساليب باستخدام ثلاثِ فقرات: فقرة مكتوبة باللغة العربية استَخدَمَت مصطلحات القاموس الطبيّ الموحَّد، وفقرة جمعت بين مصطلحات اللغة الإنكليزيّة واللغة العربيّة المبسّطة (نص هجين- ثنائي اللغة)، والفقرة الأخيرة المُعتمِدة على اللغة الإنكليزيّة. 

اختِير المحتوى العلميّ للفقرات مع التحقق أن لا تشويش قد يحدث من القراءة السابقة وأنَّ طلاب الطبّ ليسوا على دراية تامّة بهذه النصوص المتخصِّصة ضمن مناهجهم الجامعيّة، فشملت موضوعاتٍ متعلِّقةً بالسُّمنة، والداء السكَّري من النوع الثاني، والربو، للفقرات الأولى والثانية والثالثة على التوالي، وطُبِّقت إستراتيجيّة من مرحلتين في وقت تصميم الدراسة لتقييم الصعوبة والوقت المُستَغرَق للفقرات الثلاث المستخدَمة في الاستبيان، إذ طُلِب من عشرة أفراد يتحدّثون العربية تقييم الفقرات الثلاث المتعلّقة بمستوى الصعوبة (باستعمالِ مقياسٍ من خمسة مستويات)، والوقت اللازم لمعالجة الفقرة (قراءة وفهم وإجابة عن الأسئلة ذات الصلة) في كلّ مرحلة، وأُجرِيت تغييرات مناسبةٌ على النصوص وأُعيدَ اختبار النصوص المعدَّلة حتى حُقِّق متوسِّط ​​فترة زمنيّة متساوٍ لمعالجة كل فقرة بمستوى الصعوبة نفسه من قبل مجموعة الاختبار. ثم طُرِح سؤالَين مُتعدِّدي الخيارات (الأول باللغة العربيّة والثاني باللغة الإنكليزيّة) لتقييم فهم المشاركِين في الصفحة التالية من كلّ فقرةٍ، مع قسمٍ ثالثٍ مُخصّصٍ لتقدير الوقت اللازم للإجابة عن السؤالَين السابقَين، كما طُرِح سؤالَين عن الطريقة المفضَّلة للمشاركِين وإذا ما كانوا يفضلون التعلُّم باللغة الأمّ في صفحةٍ منفصلةٍ.

معالجة البيانات والتحليل الإحصائيّ:

استورِدَت البيانات بسرعةٍ ودون تعديل إلى ملفّ Microsoft Excel مؤمَّن، وعُولِجَت ثم حُوَِلَت إلى ملفّ SPSS® الإصدار 20 (IBM) لنماذج ANOVA المتكرّرة والتحليل الإحصائيّ للعيّنات المُقترنة.

النتائج:

خصائص المشاركِين:

ضُمِّنت 1504 إجابة مُشارِكة في النتائج: كان 1250 منها من الجامعات السورية بنسبة (83٪)، ومثَّلَ الطلاب الناطقون بالعربيّة الذين يدرسون في البلدان الناطقة بالعربيّة نسبة 13٪ (197 إجابة)، في حين كان 57 منهم (ما يُعادِل نسبة 4٪) من الناطقين الأصليّين بالعربيّة لكنَّهم يدرسون في بلدانٍ غير ناطقة بالعربيّة. وبهذا فاللغة الأم لجميع المشاركين هي اللغة العربية، بينهم 763 من الإناث؛ أي ما نسبته (51 ٪)، و739 من الذكور؛ أي ما نسبته (49 ٪).

تقييم اختبار الفقرات:

الفقرة الأولى (المكتوبة باللغة العربيّة المرتكزة إلى المعجم الطبي الموحّد):

كانت 372 من إجابات السؤال الأوّل صحيحة بنسبة (24.7 ٪)، في حين بلغ عدد الإجابات الصحيحة للسؤال الثاني 607 (بنسبة 40.36 ٪)، وكان عدد الإجابات الصحيحة لكلا السؤالَين 165 إجابة ( بنسبة 11 ٪) من المشاركين. أما الوقت اللازم للإجابة عن هذين السؤالين فكان أقل من 1.5 دقيقة لـ 1214 (بنسبة 80.7 ٪) منهم.

الفقرة الثانية (المكتوبة باللغتَين العربيّة والإنكليزيّة):

أجاب 1274 مُشارِكاً (بنسبة 85٪) على السؤال الأوّل إجابةً صحيحة، في حين كانت 1343 (بنسبة 89.3٪) من إجاباتِ السؤال الثاني صحيحة، وأُجاب 1173 مشاركٍ عن كلا السؤالَين إجابات صحيحة؛ أي ما نسبته (78 ٪)، في حين أجاب 331 مُشارِكاً (بنسبة 22 ٪) إجابةً خاطئةً واحدة على الأقل، وبلغ عدد المشاركين الذين أجابوا عن هذَين السؤالَين في أقلّ من 1.5 دقيقة 1254 مُشاركاً (بنسبة 83.4 ٪).

الفقرة الثالثة (المكتوبة باللغة الإنكليزيّة):

بلغ عددُ الإجاباتِ الصحيحة عن السؤال الأوّل (المكتوب باللغة العربيّة) 411 إجابة (بنسبة 27.3٪)، في حين كانت 1260 إجابة (بنسبة 84 ٪) من إجاباتِ السؤال الثاني صحيحة، وأجيبَ عن هَذين السؤالَين إجابات صحيحة من قبل 346 مُشارِك (بنسبة 23 ٪)، وكان الوقت المُقدَّر أقلّ من 1.5 دقيقة لـ 1117 (بنسبة 74.3 ٪) من المشاركِين.

حُلِّلَت البيانات السابقة إحصائيًّا في عمليّة من ثلاث خطوات:

الخطوة الأولى:

ضُمِّنَت إجاباتُ طلّاب الجامعات السوريّة فقط، وكان العدد الإجماليّ للإجاباتِ الصحيحة 1193 إجابة، وأُعطِيَ كلّ ردّ يُحقِّقُ إجابتَين صحيحتَين في كلّ فقرةٍ من الفقرات الثلاث نقطةً واحدةً، ثم قورِن توزيع النقاط بين الفقرات، فكان متوسّط الفقرة الأولى [0.10] نقطة، ومتوسّط الفقرة الثانية [0.72] نقطة، في حين كان متوسّط الفقرة الثالثة [0.24] نقطة، وحقّقَ الاختلاف بين الفقرات الثلاث دلالةً إحصائيّة بقيمة ( P <0.001).

الخطوة الثانية:

ضُمّنَت إجاباتُ  طلّاب الجامعات السوريّة فقط مع ما مجموعه 1193 إجابةً، وأعطِيَت نقطة واحدة لكلّ إجابة صحيحة، مما يجعل إجماليّ النقاط المحتملة لكل فقرة بين 0 و2 نقطة، فكان متوسّط ​​النقاط [0.63] للفقرة الأولى، و[1.75] نقطةً للفقرة الثانية، و[1.13] نقطةً للفقرة الثالثة، مع اختلافٍ بين الفقرات ذي دلالة إحصائية بقيمة( P <0.001).

الخطوة الثالثة:

قُيِّمَت إجابات طلّاب الجامعات السوريّة وغير السوريّة في هذه المرحلة، من أجل استكشاف قابليّة امتداد الخطوتَين الأوليَين على السكّان الناطقين باللغة العربيّة، فكان العدد الإجماليّ للإجابات الصحيحة 1484 إجابة. وأًعطِيَ كلّ ردّ يُحقِّقُ إجابتَين صحيحتَين في كلّ فقرةٍ من الفقرات الثلاث نقطةً واحدةً، فكان متوسِّط الفقرة الأولى ​​[0.11] نقطة، في حين كان متوسط الفقرة الثانية ​​[0.72] نقطة، و[0.23] نقطةً للفقرة الثالثة، مع فارق ذي دلالةٍ إحصائيّةِ بقيمة (P <0.001).

مقارنة الإجابات الصحيحة في أقصر (أسرع) زمنٍ مُقدَّرٍ بين الفقرات:

أُعطِيَت كلّ إجابةٍ (من الإجابات الـ 1193)؛ حقّقت إجابتَين صحيحتَين بزمنٍ أقلّ من 1.5 دقيقة؛ نقطةً واحدة في كلّ فقرةٍ من الفقرات الثلاث، في حين لم تُعطَ الإجابات التي تجاوزت هذا الزمن أيّ نقطة، وكان متوسّط الفقرات الأولى والثانية والثالثة: ​​0.08 و0.68 و0.18 نقطةً على التوالي، وبقيمة P <0.001.

تفضيل المشاركين:

من حيث التفضيل؛ فضّلَ 751 مشاركًا (بنسبة 50٪) نهجَ الفقرة الثانية على الفقرتَين الأُخرَيَين.

وعندما سُئلوا عمَّا إذا كانوا يفضِّلون تدريس العلوم الطبيّة باللغة العربيّة؛ أجابَ 864 (58٪) منهم بـ "نعم" في حين أجاب 620 (42٪) بـ "لا". ولم تجد هذه الدراسة ارتباطًا بين تفضيل اللغة العربيّة والإجابة الصحيحة على كلا السؤالَين لكل من الفقرات الثلاث ( العربيّة والهجينة-الثنائية اللغة والإنكليزيّة) (قيمة P: 0.47 و 0.87 و0.14 على التوالي).

وعند دراسة العلاقة بين عدد الإجاباتِ الصحيحة وإجاباتِ لُغة التدريس المفضّلة؛ أظهرت النتائج أنّ الطلاب السوريّين الذين أجابوا إجاباتٍ صحيحةً عن السؤالَين المخصّصَين للفقرة المكتوبة باللغة الإنكليزيّة لم يفضِّلوا العربيّة لغةً للتدريس، وكانت لذلك دلالة إحصائية (قيمة P: 0.012).

المناقشة:

تُستخدَم اللغة الإنكليزيّة باطّرادٍ وسيلةً للتعليم في الأوساط الأكاديميّة في جميع أنحاء العالم، واحتلّت في الوقت الحاضر دورًا رائدًا بوصفها لغةً عالميّة في الطبّ والمنشورات الطبيّة عامّةً، ممَّا يُفسِّرُ حاجةَ طلّاب الطبّ والممارسين الطبيين إلى تعلُّم اللغة الإنكليزيّة للتواصل مع زملاء آخرين في جميع أنحاء العالم وحضور المؤتمرات والندوات الدوليّة.

أظهرت النتائج ميلَ كلّ من الاتجاهات الموضوعيّة والذاتيّة نحو منهَجٍ ثنائيّ اللغة (هجين) للنصوص الطبيّة المكتوبة بين طلّاب العلوم الطبيّة في الجامعات السورية؛ الأمر الذي رجّح سببَه مؤلّفو هذا البحث إلى حقيقة نشرِ غالبيّة المقالات الطبيّة باللغة الإنكليزية، إلى جانب المراجع والكتُب المعتمَدة، ممّا يجعلُ استخدامَ المفرداتِ الطبيّة والمصطلحاتِ والاختصاراتِ الطبيّة باللغة الإنكليزيّة أكثر شيوعًا، في حين يصفُ الجزءُ غير الطبّي من النصّ عادةً السياقَ الذي يؤدّيه عامّة الناس والمرضى باللغة العربيّة، ممَا قد يجعلُ استعمال اللغة الأم أكثر شمولًا وسهولةً.

سُجِّلت ظاهرةُ "تحيُّز اللغة" نتيجةً للميل إلى نشر نتائج مهمّة -خاصةً التجارب العشوائيّة المضبوطة (RCT’s)- في المجلّات المكتوبة باللغة الإنكليزيّة، الأمر الذي ينعكس على التحليل التلوَيّ والمراجعاتِ التي تعتمِدُ اللغة الإنكليزيّة؛ إذ قد تنحازُ للنتائج الإيجابيّة، ومن ثمَّ؛ قد تصبحُ أكثر شيوعًا.

وإضافة إلى ذلك؛ تدعمُ النتائجُ التي توصل إليها البحث ما أظهرَه Milosavljević في دراسةٍ أُجرِيَت في كلية الطبّ في نيس، بأنّ هناك علاقةً مهمّة بين اللغة الأمّ ومهاراتِ الكتابة والتحدُّث باللغة الإنكليزيّة من جهةٍ؛ ورضا الطلّاب عن وضعهِم الاجتماعيّ والاقتصاديّ من جهةٍ أخرى.

وتتوافقُ نتائج هذا البحث أيضًا مع النتائج الأخرى التي تشيرُ إلى صعوبةٍ وجدَها الأطبّاء الذين لا يتحدّثون الإنكليزية في فهم الكتاباتِ الطبيّة باللغة الإنكليزيّة الدقيقة، مما يُمثّل حاجزًا عند ممارسةِ الرعاية الصحيّة القائمة على الأدلّة (EBHC).

ومع ذلك؛ فإنّ تعلُّم العلوم الطبيّة -جزئيًّا على الأقلّ- باللغة الأمّ له أهميّة خاصّة في تعزيز التواصل بين الطبيب والمريض، إذ تمكّن اللغة الأمّ الطبيبَ من الحصول على المعلوماتِ الضرورية وتقديمها لمرضاه. ويمكن أن يُحسِّن التواصل الفعّال بين المريض والطبيب التزامَ المريض بالتوصيات الطبيّة ونتائج الرعاية الصحيّة عمومًا. وتبيَّنَ في دراسةٍ أُنجِزت في الإمارات العربيَة المتّحدة أنَّ طلّاب الطبّ الناطقين باللغة العربيّة الذين تلقوا تدريباتٍ عبرَ برامج تعتمدُ اللغة الإنكليزيّة واجهُوا صعوباتٍ في التعبير عن التعاطف واستنباط توقّعات المرضى. وكشفَت دراسةٌ أخرى أُنجِزت في لبنان أن غالبيّة الطلّاب (88.5٪) في المدارس الطبيّة اللبنانيّة يثقون بأنّهم قادرون على إجراءِ سجلٍّ طبّي بلغتهم الأمّ على الرغم من تلقِّيهم التعليم الطبّي بلغةٍ أجنبيّةٍ (الإنكليزيّة أو الفرنسيّة). ولكن -وبالنظر إلى حقيقةِ أنّ جزءًا كبيرًا من السكان اللبنانيِّين يتحدّث لغتَين أو ثلاثَ لغاتٍ أحيانًا- فلا يُمكِن تعميمُ نتائج الدراسة المذكورة أعلاه بسهولةٍ على البلدان الأخرى الناطقةِ باللغة العربيّة. فقد أظهرتِ التقارير السابقة أن بناءَ التواصل الناجح مع المريض كان يُمثّل تحديًّا عند استعمال الأطباء للمصطلحاتِ الطبيّة الإنكليزيّة، ومن جهةٍ أخرى؛ فإنَّ توحيد المصطلحاتِ يُعزِّزُ كفاءةَ التواصل بين المهنيّين على الرغم من إمكانيّة إعادة النظر فيه بوصفه ضرورة.

وسُجِّلَ التعلُّم باللغة الأمّ بوصفه وسيلةً لتعزيزِ فهم الطلّاب، وتواصلِهم، واحتفاظِهم بالمعلومات والمصطلحاتِ العلميّة، واكتسابِ المهاراتِ، والحدّ من مستوياتِ التوتُّر. وأظهرت نتائج هذا البحث أنّ النهجَ اللغويّ الهجين (ثنائي اللغة- اللغة الأم مع المصطلحات الطبية الأساسية بالإنكليزية) قد يكون هو الأمثلُ لتوفير المعلوماتِ الطبيّة المكتوبة: العربيّة المبسّطة جنباً إلى جنب مع المصطلحاتِ الأساسيّة الإنكليزيّة، مُحقِّقةً تجريبيًّا فهمًا أفضلَ بين المشارِكين، ورجّح البحث تفسيرَ ذلك بحقيقةِ أنّ النهجَ المختلَط في النصوص المكتوبةِ (الطبيّة - التعليميّة) يُمكِن أن يُمثِّل اندماجًا بين مصطلحاتُ الأدب الطبّي والسياق المعبَّرِ عنه باللغة الأمّ، وعلى نطاقٍ أوسع؛ يُمكن لهذا النهج -وفقاً لمؤلّفي هذا البحث- أن يوفِّقَ بين الجوانب المذكورة أعلاه (للتواصل بين المهنيّين والمراسلات بين الطبيب والمريض).

وأظهرت دراسةٌ؛ مُعتمِدةٌ على استبيانٍ هنديّ تضمُّ 150 طالبًا و25 مُدرِّسًا؛ أنّ غالبيّة المشارِكين لا يعدّون اللغة الإنكليزيّة عقبةً عند اعتمادها وسيلةً للتعليم. في المقابل؛ وفي دراسةٍ سابقةٍ شمَلت 114 طبيبًا من أطبّاء الأسرة الأسكندنافيّة تبيّن أنّ أولئك الذين قرأوا مراجعةً أدبيّة بلغتِهم الأمّ لديهِم معلوماتٍ طبيّة محفوظة أفضل ممّن قرأوا مقالاتٍ بلغاتٍ أخرى، الأمر الذي يُمكِن مناقشته في ضوء استعمال مفرداتِ اللغة الإنكليزيّة في الهند في التعليم العام والتواصل.

تتوافق نتائج البحث فيما يخصُّ تفضيل اللغة مع دراسةٍ سابقة أُنجِزت في ثلاثِ جامعاتٍ في السودان، وكشفَت دعمَ معظم الطلّاب ومدرّبيهم لِلُّغة العربيّة وسيلةً للتدريس في الكليّات الطبيّة، وتتوافق أيضًا مع دراسةٍ أخرى أُنجزت في عددٍ من الجامعاتِ السعوديّة وأظهرَت تفضيلَ 23 (85٪) من مدرِّسِي العلوم المُشارِكين تدريسَ موادّ العلوم باللغة العربيّة، أمّا صانعو القرار السعوديّون فكانت اللغة الإنكليزيّة لغتهم المفضّلة لتدريس الطبّ، ولكن كان هناك دعمٌ عامٌّ لمنهجٍ مستقبليٍّ لتدريسِه باللغة العربيّة بمجرّد التغلُّب على العقبات (كتكاليف الترجمة مثلًا).

وفي تقريرٍ يابانيٍّ سابقٍ، أثيرَت مخاوفُ من أنّ طلّاب الطبّ اليابانيّين الذين يدرسون الطبّ باللغة الإنكليزيّة لأهدافٍ مُحدّدةٍ يُمكن أن يخلطوا اللغة الإنكليزيّة الطبيّة (التعابير الإنكليزية العاميّة غير الطبيّة) مع المصطلحات الطبيّة الإنكليزيّة المهنيّة لوصف حالاتِ المريض، وهي مسألةٌ يُمكن حلّها باستعمال النهج الهجين في تعليم اللغة.

ومع ذلك، أظهرت دراسةٌ لجامعةٍ مصريّةٍ مُعارَضَة 31.5 ٪ من الطلّاب لفكرةِ منهجِ اللغة الأمّ، وذكَر قرابة 44 ٪ منهُم أنّ التعلُّم بلغةٍ أجنبيّة يُعدُّ عقبة في فهم المعلومات العلميّة، في حين ترجمَ نصفهم تقريبًا معظم الكلماتِ في الكتُب الطبيّة إلى اللغة الأم لتسهيل الدراسة.

ناقش مؤلفو البحث نتائج الدراسة المذكورة آنفًا في ضوء الاستبيان الخاص بها الذي يحتوي ضمنيًّا إستراتيجية كل شيء أو لا شيء، ثم قارنوها مع هذه الدراسة التي يركّز التقييم فيها على النصوصِ المكتوبة فحسب بوصفها جزءًا من العمليّة التعليميّة بدلًا من إجراء تقييمٍ شاملٍ للطرائق التعليميّة.

ووضّح الباحثون طريقة حسابهم حجم العينة وفقًا لآخرِ البياناتِ المنشورةِ الصادرة عن وزارة التعليم العالي السوريّة في وقت تصميم الدراسة، ويُعدُّ العدد الإضافي (254) من المشارِكين الناطقين بالعربيّة من مختلَف الجامعاتِ العربيّة والأجنبيّة قيمةً إضافيّة للبحث في رأيهم؛ لأنّه سمحَ لهم بتوسيعِ حجمِ العيّنة وتقييمِ الاختلافاتِ المحتَمَلة في الأسلوب اللغويَ المكتوب المُفضَّل والأكثر شموليّة بين الطلّاب في الجامعات السوريّة وغير السوريّة. ومع ذلك، قد توفّر الدراساتُ المستقبليّة مع عددٍ أكبرَ من المشارِكين من بلدانٍ أخرى مزيدًا من المُقارنة والتفسير لهذه الاختلافات.

ويُشيرُ الباحثون إلى أنّ إجراء الاستقصاء عبر الشبكة الإلكترونيّة منحهُم ميّزةَ الوصول إلى مجموعةٍ غير قابلةٍ للوصول تقليديًّا في خلال مدة زمنيّةٍ معقولةٍ ونفقاتٍ منخفضةٍ. وإضافة إلى ذلك؛ لم تكن هناك حاجة إلى أيّ أموال أو موارد أخرى لإنتاج المسح الاستقصائي وطباعته، ممَّا ضمنَ لهذا البحث الطبيعة المستقلّة وغير المُنحازة. وفي نقطةٍ تستحقُّ المناقشة لفتَ الباحثون النظر إلى أنّ العبء الاقتصادي المفروض على المؤسّسات التعليميّة لتغييرِ بعض وسائلِها التعليميّة وتكييفها مع مقاربةٍ لغويّة جديدة يُعدُّ أمرًا مهمًّا، الأمر الذي قد يشبِه غالبًا مناقشةَ تنفيذ برامج محو الأميّة باللغة الأمّ، التي قيل أنّها أكثر كلفةً.

ويعالج الباحثون الشكَّ في إمكانيّة حدّ التعليم القائم جزئيًّا على اللغة العربيّة  من قدرة الخرِّيجين على إكمال دراساتهم دوليًّا إذ أجيبَ عنه في دراساتٍ سابقة أُنجِزت في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تدلّ أحدهما على أنَّ أداء الأطبّاء السوريّين في ECFMG (اللجنة التعليميّة للخريجين الطبّيّين الأجانب) يعادِلُ مثيله من أقرانِهم، في حين أظهرت الثانية أنّ جامعة دمشق قد احتلّتِ المرتبة السابعة بين الجامعات الدوليّة التي تُخرِّجُ أكبرَ عددٍ من الأطبّاء الممارِسِين الأجانب المرخَّصِين من الولايات المتحدة الأمريكيّة عام 2016.

كما هو موضَّحٌ سابقًا، يمكنُ تحقيق فهمٍ علميٍّ أفضل، إضافة إلى إثراء معرفة الطلاب باللغة الإنكليزيّة من طريق التعليم الطبيّ الثنائيّ اللغة؛ إمّا من طريق دورةٍ طبيّةٍ ثنائيّة اللغة (BMC)، وإما أنشطة طبيّة مُختارة، وإمّا نظام هجين. ويُؤكِّد الباحثون أنَّ هذا البحث قد تمكَّن من تقييمِ النهجِ المكتوب فحسب، ومن ثَمَّ فهناك حاجةٌ إلى مزيدٍ من الدراساتِ لتقييمِ وسائل أخرى للتعليم الطبيّ الثنائيّ اللغة.

ويوصي المؤلِّفون بضرورةِ تحقّق نتائج هذه الدراسة على لغاتٍ أخرى يستعمِلُها السكان؛ من أجل تقييمِ النهج الثنائيّ اللغة في النصوص الطبيّة التعليميّة المكتوبة في ظروفٍ مختلفة.

الخلاصة:

تُعدُّ هذه الدراسة -في حدود ما هو معروف-  أكبر دراسة تجريبيّةٍ لتقييم نهجٍ ثنائي اللغة (هجين) في العلوم الطبيّة المكتوبة، ويشير هذا؛ مع النتائج ذات الدلالةِ الإحصائيّة؛ إلى أنّ النصوص الطبيّة المكتوبة باللغةِ الأمّ المبسّطة مع المصطلحاتِ الإنكليزيّة قد تُعدُّ طريقةً قابلةً للتطبيق في التعليم الطبّي لغير الناطقين بالإنكليزيّة. وتوصي بشدّة بإجراء مزيدٍ من الدراسات القائمة على الاختبارات التجريبيّة من جامعاتٍ أخرى في بلدانٍ أخرى للتحقُّق من قابليّة تطبيق هذه النتائج، ولاختبارِ مزيدٍ من الطرائق التعليميّة في مجموعاتٍ متنوِّعة من السكان غير الناطقين بالإنكليزيّة.

تشكرُ شبكة "الباحثون السوريّون" مؤلّفي البحث جميعًا على عظيمِ جُهدهم وعُلُوِّ إرادتِهم لنشر رسالة العلم أيّاً كانت التحديّات، وتتوجّه بالشكر الجزيل لكلّ المساهمين والداعمين لهم، ونضمُّ الصوت إليهم لتُحدث توصيات البحث صداها المُستحقّ فتغدو واقعًا يُطبَّق لتطوير جودة مُخرَجاتِ التعليم. 

بطاقة تعريف بمؤلفي البحث:

المؤلفون:

د. تميم السليمان:

متخصص في أمراض الدم واﻷورام من جامعة حلب، DFMSA في أمراض الدم الخبيثة- وحدة زرع الخلايا الجذعية والعلاج الخلوي IPC مرسيليا/فرنسا، DIU في زرع الخلايا الجذعية الدموية المثيلي من جامعة ليل2/فرنسا، ماستر في البيولوجيا الطبية من جامعة باريس ساكلاي/فرنسا.

باحث وناشر في مجال أمراض الدم وزرع الخلايا الجذعية المولدة للدم. 

عمله في المنظمة: نائب مدير المجلس التنفيذي في شبكة الباحثون السوريون، ورئيس اللجنة العلمية، المدير المؤسس لفريق البحث العلمي والمنهجية العلمية، والمشرف المباشر لفِرق: الطب وعلم النفس.

د. لجين الأسدي:

دراسات عليا في الأمراض الداخلية الهضمية- جامعة دمشق. 

عملها في المنظمة: مديرة فريق الطب، عضو اللجنة العلمية، ومدرّبة في فريق البحث العلمي.

أنجي موكي:

طالبة في كلية الصيدلة سنة ثالثة، Majkop State Technological University- روسيا.

عملها في المنظمة: مديرة فريق علم النفس، عضو اللجنة العلمية.

أ. د. بيان السيد:

أستاذ التشريح في كلية الطب في جامعة دمشق، وطبيب مشرف في شعبة الجراحة العامة في مشفى الأسد الجامعي.

رابط المقال: هنا

لمزيد من الاطلاع على المسألة نوصي بقراءة هذين المقالين أيضًا:

هنا

هنا