العمارة والتشييد > التشييد

السدود وأنواعها؛السدود القابلة للنفخ؛ جديد صناعة السدود

اعتمد الإنسان منذ نشأته على الطبيعة التي شكَّلت خياره الوحيد في تأمين كافَّة احتياجاته، فبدأ بالتأقلم معها وانتهى بجعلها تتأقلم معه، ولم يعد يكتفي بالجمع والالتقاط وأصبح يزرع ويحصد، ولم يقنع بصيد ما هو متوفِّر من الحيوانات وأصبح يربِّي ما يطيب له منها، ولم تعد الأنهار بمأمنٍ من يد الإنسان التي طالت كلَّ ما حولها.

بنى الإنسان السُّدود ليتحكَّم بجريان الأنهار ويخزِّن مياهها ويوجِّهها حيث يريد، إذ تُبنى السُّدود عادةً لسببين رئيسيَّين؛ من أجل التحكم وتنظيم جريان الأنهار وتخزين المياه لاستعمالها في أوقات الحاجة (أوقات الجفاف)، ومن أجل رفع منسوب المياه أمام السد وتأمين ضاغطٍ مائيٍّ كافٍ لتوليد الطاقة الكهربائية، إذ تولِّد السُّدود ما يقارب خُمس كهرباء الكرة الأرضيَّة، ويُضاف إلى هذه الأسباب أسبابٌ إضافيَّةٌ كاستخدام المياه المخزَّنة لري الأراضي الزراعية ودرء مخاطر الفيضانات وتأمين متطلَّبات الملاحة النهرية من التدفُّق المتنظم ومناسيب المياه الملائمة، أو لاستغلال البحيرة المتشكِّلة خلف السد (خزَّان السد المائي) في تربية الأسماك أو لأغراضٍ سياحيةٍ فقط.

أي للسدود أنواع كثيرةٌ تختلف حسب الغاية من بنائها، وحسب مادة بنائها وحسب مواصفاتها الهندسية المتعلِّقة بالارتفاع والحجوم التخزينية.

فمثلًا بالنسبة لسدود توليد الطاقة الكهربائية؛ يتعلَّق توليد الطاقة بغزارة المياه والضاغط المائي للسد الذي يتعلَّق بدوره بارتفاع السد، لكن يمكن توليد الطاقة الكهربائية حتى في السدود المنخفضة نسبيًّا في حال كانت المحطَّة الكهرومائية مع تجهيزاتها خلف السد مباشرةً (من جهة المجرى المائي). على الرغم من أنَّ السد عالي الارتفاع (ذا الضاغط المائي المرتفع) يبسِّط العمليَّة ويقلِّل التَّجهيزات، وتُوجَّه المياه في نهاية الأمر إلى عنفات المحطَّة بواسطة أنابيب خاصَّةٍ (أنفاق) "Penstocks"، ثمَّ تدير المياه الواصلة العنفات لتعود إلى المجرى الخلفي للسد. 

أمَّا بالنسبة للهدَّارات والقناطر Weirs and barrages فهي تندرج في إطار سدود رفع المنسوب التي تشكِّل أمامها حجومًا تخزينيةً صغيرة؛ ولكن لا يمكنها التحكم بالتدفُّقات المائية خلف السد " run-of-river Dams"، فالهدَّارت Weris هي سدودٌ حجريةٌ أو خرسانيةٌ منخفضة الارتفاع، أمَّا الهدَّارات العالية الطويلة المجهَّزة ببوابات تحكم barrages فتُصنع عادةً من كتلٍ خرسانيَّةٍ عملاقةٍ تمتدُّ مئات الأمتار على مقطع النَّهر، ولا يبدو الفرق واضحًا بين هذه السدود وسدود التخزين "Storage Dams"، إذ يُعتقَد أنَّ السدود من النوع run-of-river ذات آثار بيئيةٍ أقل بكثير من سدود التخزين.

وعلى الرغم من أنَّ كلَّ سدٍّ هو منشأةٌ فريدة، إذ قد لا نشاهد سدًّا شبيهًا بآخر تمامًا؛ لكن يمكن تصنيف السدود بحسب موقع البناء وطبوغرافيته وجيولوجيته على نحوٍ رئيسيٍّ إلى ثلاثة أنواعٍ هي:

1- السُّدود الرَّدميَّة (الترابية والركامية الصخرية): وهي الأرخص والأكثر انتشارًا إذ تشكِّل أكثر من 80% من السُّدود الضَّخمة حول العالم، وهي أضخم المنشآت التي بناها الإنسان عبر العصور، ويضمُّ أكبر سدٍّ في العالم (سدُّ Tarbela في باكستان) 106 مليون مترٍ مكعَّبٍ من التربة والصخور أي 40 ضعف حجم أكبر أهرامات مصر.

2- السُّدود الثقالية: حواجزٌ مستمرَّةٌ من الخرسانة ذات سماكةٍ كبيرةٍ، تُبنى في مقاطع الأودية النهرية الضيِّقة نسبيًّا.

3- السُّدود القوسيَّة: تُصنَع من الخرسانة أيضًا ولكنَّ استعمالها ينحصر في الوديان الضيقة ذات الجدران الصخرية عالية المقاومة، ولا تكاد تشكِّل 4% من إجمالي السُّدود الضَّخمة حول العالم، ويتميَّز هذا النوع من السُّدود باقتصاديته فهو قادرٌ على مقاومة الضغوط المائية لبحيرة التخزين ونقلها إلى جدران الوادي الصخرية وحجز المياه خلفه بكمية إسمنتٍ أقلَّ من سدٍّ ثقليٍّ بيتوني ذي ارتفاعٍ مماثل.

سدُّ قطينة في حمص في سورية أقدم سدٍّ مستخدمٍ حتَّى اليوم، وهو سدٌّ حجريٌّ ثقليٌّ بُني في زمن الفرعون المصريِّ سيثي Sethi  بين 1319-1304 قبل الميلاد. ويبلغ طوله 2 كم وارتفاعه سبعة أمتار بعرض قاعدةٍ يساوي 20 مترًا، وبسعة تخزين 200 مليون متر مكعب.

كلُّ أنواع السدود التي تحدَّثنا عنها آنفًا هي من مواد بناء مألوفة في عالم البناء والتشييد كالخرسانة والفولاذ والتربة بمختلف تدرُّجاتها الحبيّة؛ لكن هناك نوعٌ جديدٌ ظهر في منتصف القرن المنصرم وهو السدود الصغيرة القابلة للنفخ أو السدود المطاطية Rubber Dams -Inflatable dams؛ وهي سدودٌ هدَّارةٌ طويلةٌ تمتدُّ على عرض المجاري المائية التي تُنشأ عليها بشكل أنبوبٍ منفوخ يتشكَّل جسمه من غشاءٍ ذي طبقاتٍ متعدِّدةٍ منسوجةٍ من أليافٍ اصطناعيةٍ مطاطية، ويمكن تغطية هذا الغشاء بطبقةٍ من البلاستيك، ويتميَّز نسيج غشاء هذه السدود بأنه ذو مرونةٍ عاليةٍ ولكنَّه يملك مقاومةً عاليةً في الوقت نفسه.

ويمكن تقسيم الأجزاء الأساسية التي تتألف منها السدود الهدَّارة القابلة للنفخ إلى:

1- جسم السد المصنوع من نسيجٍ صناعيٍّ مطاطي (الغشاء).

2- قاعدةٌ خرسانيةٌ يثبَّت عليها جسم السد.

3- غرفةُ تحكُّمٍ تتضمَّن التجهيزات الميكانيكية والكهربائية اللازمة للتحكم بعمل السد، مثل منفاخ الهواء أو مضخَّة المياه، وآلية التحكم الأتوماتيكية الخاصة بعمليتي النفخ والتفريغ.

4- منظومةُ أنابيب خاصة بعمليتي النفخ والتفريغ.

ويُثبَّتُ جسم السد على القاعدة الخرسانية بواسطة صفٍّ أو صفين من البراغي المثبِّتة.

صورة توضح بعض أجزاء السد الهدَّار المطَّاطي

طُوِّر هذا النوع من السدود الغشائية المرنة القابلة للنفخ في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، وتُستخدم في الأقنية المائية المكشوفة لتحويل المياه بهدف استخدامها للري، ولرفع مناسيب السدود القائمة، وحتَّى التحكم بالفيضانات. يمكن ملء هذه السدود بالماء أو بالهواء أو بكليهما، ولكنَّ الاهتمام حاليًّا يتَّجه نحو الأغشية المطاطية التي تُملأ بالهواء، بسبب سهولة وسرعة تفريغها من الهواء أو إعادة ملئها به، وتتحمَّل ظروف التجمد أكثر من مثيلتها التي تُملأ بالمياه أيضًا. 

 صورة واقعية توضح جسم السد المطاطي المنفوخ على القاعدة الخرسانية

وتغطِّي الأبعاد المميزة الأنموذجية لمثل هذا النوع من السدود طولًا يبلغ 100م، مع أغشيةٍ مصنَّعةٍ خاصة بعرضٍ يزيد عن 200 م، أمَّا ارتفاعها فلا يزيد عن 5 م، ولكن في بعض الحالات الخاصة قد نجد سدودًا مطاطية بارتفاع يزيد عن 10 م.

هدَّار بيدفورد Bedford في أستراليا بطول 195م وارتفاع 1.45م، نُفِّذ في العام 1997 

ومن المشكلات الأساسية التي يتعرَّض لها هذا النوع من السدود الاهتزازات التي قد يتعرَّض لها غشاء السد عند مرور التدفُّقات الكبيرة التي قد تؤدي إلى فشل عمل السد وربما تدمير غشائه، لذلك يجري تزويد هذه السدود بعواكس لتخميد طاقة الجريان عند أسفل السد من الخلف، أي حماية غشاء السد من الاهتزازات.

إنَّ بساطة هذا النَّوع في الإنشاء والاستثمار تجعله مثاليًّا للمشاريع الصَّغيرة والمتوسِّطة كالمحطَّات المائية وأنظمة الري ومعالجة المياه الجوفية وغيرها، خاصَّةً أنَّها معدومة الأثر البيئيِّ الضَّار، وتُعَدُّ السُّدود المطَّاطيَّة أيضًا خيارًا أمثل لحالات الطوارئ كمنع حدوث الفيضانات أو التحكُّم بها في حال حدوثها.

وتتميَّز السُّدود المطَّاطية برخص ثمنها وسهولة إصلاحها وقدرتها على تنظيم منسوب المياه، وتتميَّز بسهولة تركيبها في أِّيِّ مجرىً مائيٍّ بغضِّ النَّظر عن شكل مقطعه.

تعرَّفنا في هذا المقال إلى أنواع السدود الكيبرة كالسدود الثقلية والترابية الضخمة، وكذلك الصغيرة التي تُبنى من أغشيةٍ مطاطية، والتي يقلُّ أثرها البيئي كثيرًا عن تلك السدود العملاقة. وللمزيد يمكنكم قراءة مقالنا عن مساوئ السُّدود العملاقة وإمكانية استبدالها بسدود أصغر وفق الرابط الآتي:

هنا

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا