كتاب > الكتب الأدبية والفكرية

مراجعة كتاب (الإنسان بين الجوهر والمظهر): أن نملك أو أن نكون؟

إريك فروم (1900- 1980) هو عالم نفس وفيلسوف ألماني، وأحد مؤسسي معهد (وليام آنسون) للتحليل والطب النفسي، وقد درَّس في عدة جامعات أميريكية في منتصف القرن العشرين، وله مؤلفات عديدة من أشهرها (الهروب إلى الحرية) و(الإنسان من أجل ذاته) و(المجتمع السليم).

وقد ساهم تأثُّره بمدرستي التحليل النفسي الفرويدي والماركسي في نقد فرويد وتجاوز أحادية نظريته في فَهْم شخصية الإنسان، بل وتأتي أفكار (فروم) توليفةً تجمع ما بين نظرية فرويد وماركس في فَهْم شخصية الإنسان وسلوكه الاجتماعي.

(الإنسان بين الجوهر والمظهر) هو أحد أهم كتب (فروم)، وقد صدر عام 1976 بعنوانه الأصلي (To Have or To Be)، والترجمة الحرفية للعنوان الأصلي: (أن نمتلك أو أن نكون)، وهي تظهر بدقةٍ مضمون الكتاب الذي يناقش مناقشةً أساسية الفروقات بين نمطين مختلفين من أنماط الحياة: نمط التملُّك ونمط الكينونة، فما هذان النمطان وما تأثيرهما في حياتنا العملية؟

يعتقد (إريك فروم) أنَّ البنية الاقتصادية للمجتمع تؤثر في شخصية الإنسان الاجتماعية، بل وتعمل المنظومة الاقتصادية للمجتمع في تشكيل الشخصية الاجتماعية لأفراده؛ إذ تجعل رغباتهم متطابقة مع مصلحة هذا النظام وسيرورته.

ومن هنا، يعدُّ (فروم) أنَّ المجتمع المعاصر تسوده ثقافة التملُّك في ظل النظم الاقتصادية الرأسمالية، وتتلخص هذه الثقافة في حصر قيمة الإنسان بما يملك من أموال وسلع وممتلكات، فيقول (فروم) شارحًا تأثيرها: "في أسلوب الحياة التملُّكي تكون علاقتي بالعالم علاقة ملكية وحيازة، علاقة أريد بها أن يكون كل شخص وكل شيء ملكًا لي – بما في ذلك ذاتي نفسها."

ويبيِّن (فروم) خطورةَ تمكُّن هذه العقلية من النفوس وتأثيرها في العلاقات بين أفراد المجتمع، ويُظهر كيف أنَّ سيطرتها تحتم على الإنسان التخلي عن كثير من القيم الإنسانية كالمشاركة والعطاء، فيقول: "فهي تعني أنني أريد كل شيء لنفسي، وأنني أجد المتعة في الاقتناء وليس في المشاركة، وتعني أنني يجب أن أكون جشعًا أيضًا؛ لأنَّه إذا كان هدفي هو التملُّك فإنني أكون بقدر ما تزيد ملكيتي، ويجب أن أشعر بأنني خصم للآخرين جميعًا، لزبائني الذين أريد أن أخدعهم، ولمنافسيَّ الذين أريد أن أقضي عليهم، ولعمالي الذين أريد أن أستغلهم، وأنني لا يمكن أن أشبع لأنه لا حد لرغباتي، وأنني لا بد من أن أحسد من يملك أكثر مما أملك، وأخاف ممن يملك أقل.."

ثم يكمل (فروم) عارضًا النمط الأمثل -في رأيه- لصُنْع حياة إنسانية أفضل ألا وهو نمط الكينونة.

يعتقد (فروم) أنَّ الخطوة الأولى تجاه التغيير الاجتماعي هي إحداث تغيير جذري في شخصية الإنسان، ويفسر (فروم) الاعتقاد السائد بأنَّ خطوة من هذا النوع هي شِبْه مستحيلة وأنَّ الكينونة نمط لا يمكن تصوره، قائلًا: "نحن نعيش في مجتمع مكرَّس لحيازة الأملاك وتحقيق الربح؛  لذلك يندر أن نرى أيَّ شاهد على وجود أسلوب الكينونة في الحياة، ولا يرى أغلبية الناس إلا أسلوب التملُّك بوصفه الأسلوب الأكثر طبيعية للوجود، بل يرونه الأسلوب المقبول الوحيد للحياة، ولهذا يصعب على الناس فَهْم المقصود بأسلوب الكينونة."

ويشرح (فروم) بأنَّ الكينونة متعلقة بالتجربة لا بالأشياء؛ لذلك فإنَّ صعوبة وصْف التجارب الإنسانية هي التي تجعل من تعريف الكينونة مهمَّة شاقة.

ومع ذلك، فإنَّ (فروم) يعرض عديدًا من الأمثلة العملية الحية والتي نواجهها في حياتنا اليومية مقارنًا في كيفية التصرف حيالها ما بين نمط التملُّك ونمط الكينونة، ومنها: التعلُّم والمعرفة والإيمان والحب وممارسة السلطة، ويؤكد أنَّ نمط الكينونة يعزز من شعور الإنسان بالطمأنينة الداخلية، فيقول: "فإذا كنت أنا من أكون ولست ما أملك فلا يجد ما يستطيع أن يسلبني أمني، أو ينال من إحساسي بتكامل شخصيتي وتماسكها، ذلك أنَّ مركزي موجود في داخل نفسي، وقدرتي على الوجود وعلى التعبير عن جوهر طاقاتي هما جزء لا يتجزأ من بناء شخصيتي، ولا تتوقف على أحد أو شيء سواي."

وفي الفصول الأخيرة من الكتاب، يقدم (فروم) مقترحاته النظرية والعملية في سبيل التحول إلى المجتمع الجديد،  ويضع الجزء الأكبر منها برسْم الحكومات التي يفترض أن تكون الساعي الأول لخدمة الإنسان وتحقيق سعادته، ولكنَّ الحقيقة المُرَّة أنَّ ما كتبه (فروم) وأمثاله من العلماء في سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته ما زال لا يُطبق حتى يومنا هذا، بل وتتجذر عقلية التملُّك أكثر فأكثر في شخصية الإنسان، فيا تُرى، متى يعي الإنسان خطورةَ هذا النمط حقًّا؟ ومتى يدرك أهمية التغيير الجذري؟

معلومات الكتاب:

فروم، إريك. الإنسان بين الجوهر والمظهر (1989). ترجمة: زهران، سعد. الكويت: سلسلة عالم المعرفة/المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.