التوعية الجنسية > الحياة والحقوق الجنسية والجندرية

العنف القائم على أساس الميول والهوية الجنسية

الحقيقة هي أنَّنا لا نتحدث عن مشكلةِ انتهاكات استثنائية بل عن جرائم عنف إنسانية تحدث يوميًّا، لا يقع ضحيتَها النساءُ والأطفال فقط؛ بل الرجال أيضًا، وربما نتحدث على نحو متزايد عن مشكلة العنف الجنسي التي تواجهها النساءُ يوميًّا، لكنَّنا ندرك ببطء مشكلاتِ الأقليات الجنسية مع العنف الجنسي والاعتداءات الممنهجة.

يصبح التعقيد الحقيقي للمشكلة واضحًا عندما تنظر بوصفك مراقبًا خارجيًّا لتدرك عدمَ وجود فصل كلاسيكي بين الجاني والضحية حتى الآن!

في الحالة العامة، يصادف أفراد مجتمع الميم -يوميًّا- عديدًا من الإساءات اللفظية على نحو مقصود وربما غير مقصود، لكنَّ بعضها قد تتخذ طابعًا جنسيًّا أيضًا. وفي حالات أخرى، تبدأ الإزعاجات من قبلات أو لمسات غير مرغوب فيها وتنتهي باعتداء جنسي..

ربما لا زلت لا ترى المشكلة في تعنيف من لا يملك القدرةَ على رفع صوته، ولكن ماذا لو كان أحدَ أفراد عائلتك، أو أصدقائك، أو شخصًا تحبه؟! 

مشكلات إضافية في العنف القائم على أساس الميول والهوية الجنسية:

ينتشر العنف الجنسي بشكلَيه الجسدي واللفظي في كامل أرجاء المعمورة، وبالطبع فإنَّ لمجتمع الميم طيفًا واسعًا من هذه الاعتداءات؛ إذ إنَّه -ووفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها "CDC"- فإنَّ المثليين والمثليات وثنائي الميول الجنسية ومغايري الهوية الجنسية يعانون العنفَ الجنسي بمعدلات مماثلة أو أعلى بقليل من ذوي الميول الغيرية.

ويُقدِّر الائتلاف الوطني لبرامج مكافحة العنف "NCAVP" أنَّ واحدًا من بين كلِّ عشرة من أفراد مجتمع الميم قد اختبر سابقًا عنفًا جنسيًّا من الشريك الحميم "IPV" أو تعرض لاعتداء جنسي من هؤلاء الشركاء، وتشير الدراسات أيضًا إلى أنَّ قرابة نصف الأشخاص من مغايري الهوية الجنسية والعابرين جنسيًّا سيعانون العنفَ الجنسي في مرحلةٍ ما من حياتهم.

و لعلَّ أبرز ما تواجهه الأقليات الجنسية هو ارتفاع معدلات الفقر والوصم والكراهية والتهميش المجتمعي ورهاب المثلية؛ الأمر الذي يعرِّض تلك الفئة لخطر أكبر للاعتداء الجنسي.

ومع ذلك، فإنَّه نادرًا ما يجري الحديث عن تأثير العنف الجنسي عليهم أو عن الاحتياجات والحقوق؛ وأهمها الحماية والتي يجب تأمينها لهذه الفئة عندما يتعلق الأمر بمنع الاعتداء الجنسي ودعم الناجين من العنف الجنسي ورعايتهم. 

العنف الجنسي من وجهة نظر عالمية:

في الـ 17 من حزيران/ يونيو 2011، أصدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًا أعرب فيه عن قلقه الشديد إزاء العنف والتمييز ضد الأفراد بناءً على ميولهم الجنسية أو هويتهم الجنسية.

ويُعدُّ هذا البيانَ الأول من نوعه الصادر عن الأمم المتحدة بشأن الميول الجنسية والهوية الجنسية، ويذكر البيان:

"سُجِّلت حالات من العنف الجنسي ضد المثليين جنسيًّا في جميع أنحاء العالم؛ قد يكون هذا العنف جسديًّا (بما يتضمنه ذلك من القتل والضرب والخطف والاغتصاب والاعتداء الجنسي)، أو نفسيًّا (مثل التهديد والإكراه والحد من الحريات)، وتشكِّل هذه الهجمات شكلًا من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي والتوجه الجنسي، مدفوعةً بالرغبة في معاقبة من يُنظر إليهم على أنَّهم يتحدُّون المعاييرَ الجنسانية الاعتيادية".

وأكَّد بيان صدر في العام 2014 هذه الاستنتاجات، وتكللت الجهود الأممية أخيرًا بتعيين خبير مستقل معني بالتوجه الجنسي والهوية الجنسية في أيلول/ سبتمبر من عام 2016، لكن وعلى الرغم من اعتراف الأمم المتحدة بالعنف ضد الأفراد على أساس ميولهم وهويتهم الجنسية بوصفه شكلًا من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي؛ فإنَّنا لا نعرف ما إذا كان هذا العنف يتسم بتوازن القوى والدوافع الجنسانية نفسها مثل مقابله ضد المرأة أم أنَّه يتبع مسارًا مختلفًا!

ولا تزال القوانين في عديدٍ من البلدان تجرم الأقلياتِ الجنسية -مباشرةً أو غير مباشرة- على أساس الأخلاق أو تعزيز القيم غير التقليدية، وقد ينتج عن ذلك العقابُ الجسدي والاعتقال التعسفي والتعذيب وسوء المعاملة والتعقيم القسري أو حتى الإعدام.

مراجعة منهجية للعنف الجنسي القائم على أساس الميل الجنسي/ الجنسانية:

نُشرت عام 2017 دراسةٌ منهجية أظهرت الانتشارَ الواسع للعنف الجنسي والجسدي القائمين على الميل الجنسي والهوية الجنسية الذي يمر به أفراد الأقليات الجنسية.

وقد شملت الدراسة المنهجية مقالاتٍ من 9 قواعد بيانات نُشرت من 1 كانون الثاني/ يناير 2000 حتى  28 نيسان/ أبريل 2016، هذا وقد راجع البحث 76 مقالًا بعد إخضاع العينة الأولية من المقالات لعدة معايير.

وأبرزت الدراسة المنهجية السابقة أنَّ المعنِّف غالبًا ما يكون من الذكور؛ على الرغم من أنَّ العنف لا يتبع بالضرورة الدورَ الجندري الذكوري المسيطر، لكن غالبًا ما يُربطان معًا.

تنظر عديدٌ من المجتمعات في أنحاء العالم إلى المرأة على أنَّها أقل شأنًا من الرجل؛ ولذلك غالبًا ما يلحق بالأنثوية الوصمةُ والخزي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المثلية الجنسية؛ إذ يُعدُّ استخدام القوة البدنية أو الجنسية والتهديدات طرائقَ لفرض السيطرة بما في ذلك فرض العقوبات على محاولات مقاومة السلوكيات والنظام الجندري الثنائي أو تغييرها.

ويعتقد بعض الباحثون أنَّ زيادة تعرض الأقليات الجنسية والجندرية للاعتداءات عمومًًا نتيجةٌ مباشرةٌ لكسرهم قواعد الصورة النمطية المجتمعية. 

 أرقام وإحصائيات:

وفقًا لاستطلاع رأي أُجرى بواسطة مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها "CDC" على عينة واسعة من أفراد مجتمع الميم في الولايات المتحدة؛ تبيَّن أنَّ:

وأشارت معظم الإحصائيات إلى أنَّ العنف الجنسي القائم على أساس التوجه الجنسي هو أحد أكثر أنواع العنف الجنسي إثارةً للقلق؛ إذ إنَّه غالبًا ما يبدأ مبكرًا في مرحلة الطفولة. ففي إحصائيات عام 2015، وجد المركز أنَّ ما يقارب النصف من مغايري الهوية الجنسية من جميع الأعمار سيواجهون التحرشَ الجنسي في مرحلةٍ ما من حياتهم، وأنَّ ما يقارب 48% من ثنائيات الميول الجنسية قد تعرَّضن للاغتصاب بين سن 11 و17.

مشكلات في أثناء محاولة الحل:

بالنسبة إلى الناجين من الاعتداء الجنسي من الأقليات الجنسية، فإنَّ هوياتهم -والتمييز الذي يواجهونه بسبب تلك الهويات- غالبًا ما تجعلهم يترددون في طلب المساعدة من الشرطة أو المستشفيات أو الملاجئ أو مراكز المساعدة في حالات الاغتصاب، وهي الموارد التي يُفترض أن تساعدهم.

ويتجنَّب كثيرٌ من الأفراد مغايري الهوية الجنسية طلبَ المساعدة بعد الاعتداء؛ لأنَّهم يخشون أن يكون مقدِّمو الرعاية جاهلين بأساسيات التعامل معهم، أو أن يطلقوا عليهم الأحكامَ المسبقة ويُسيئوا معاملتَهم مباشرة، أو أنهَّم معادون لمغايري الهوية الجنسية في أسوأ الأحوال. ففي استبيان أجرته منظمة (FORGE) للناجين من الاعتداء الجنسي من مغايري الهوية الجنسية؛ تبيَّن أنَّه قرابة ثلث المجيبين لم يصلوا إلى الخدمات الصحية لأنَّهم كانوا خائفين من ذلك.

ووفقًا للاستبيان، فقد أفاد 5% بتعرُّضهم لاعتداء جنسي من قبل عناصر الشرطة و6% أبلغوا عن تعرضهم للاعتداء من مقدِّمي الرعاية الصحية أو مزوِّدي الخدمة الاجتماعية. 

وأفادت (NCAVP) أيضًا أنَّ جرائم الكراهية المناهضة لمجتمع الميم (LGBTQ) في عام 2011، قد ارتُكبَت بنسبة 9% من قبل عناصر الشرطة، وبنسبة 4% من قبل مقدمي الخدمات الصحية والاجتماعية. 

ووفقًا للمسح الوطني للتمييز ضد مغايري الهوية الجنسية؛ أفاد 28% من مغايري الهوية الجنسية بأنَّهم قد تعرضوا للمضايقات في الأوساط الطبية؛ 19% أبلغوا عن منع الرعاية الصحية عنهم منعًا كاملًا، و2% ذكروا أنَّهم تعرضوا لاعتداء جسدي في عيادة الطبيب، في حين أشار 50% إلى أنَّهم مضطرون لتعليم مزوِّدي الرعاية الطبية كيفيةَ رعايتهم، وأفاد 1 من كلِّ 10 أنَّهم تعرضوا للاعتداء الجنسي في مكان واحد على الأقل للرعاية الصحية. 

وأخيرًا، من واجبنا في المجتمع أن نقف في مواجهة العنف الجنسي أيًّا كان شكله على الجميع دون استثناء، فإذا كشف لك شخصٌ ما أنَّه قد اعتُدى عليه جنسيًّا؛ تذكَّر أن تصدقه وتطمئنه بأنَّه لم يكن خطأه، واحتفظْ بسره (ما لم يتطلب الوضع الإبلاغَ الإلزامي)، ولا تضغط عليه أبدًا للحصول على مزيدٍ من المعلومات أكثر مما يريد. 

 من المهم أن تحيط نفسَك بدائرة مصغرة من الأصدقاء أو العائلة وأن تشاركهم التجاربَ وتصدقهم القولَ فيما يخص علاقاتك الجنسية وحالتك النفسية، فضلًا عن أنَّه يمكنك الاستفادة من بعض مراكز إعادة التأهيل في مرحلة ما بعد الاغتصاب لمساعدتك على تخطي تلك الأزمة.

وتذكر دومًا؛ قف في وجه المعتدي.. اصرخ بأعلى صوتك.. لا للعنف.. نعم لفضح المعتدي!

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا