الطب > سلسلة الصدمات

الغَشي المبهمي

الإغماء هو فقدان عابر للوعي بسبب نقص تدفق الدم العابر إلى الدماغ، ويتميز بأنه سريع الحدوث وقصير المدة، إضافة إلى الشفاء التلقائي الكامل.

يُصنَّف الإغماء في ثلاث مجموعات: الإغماء المنعكس، والإغماء الناتج عن انخفاض ضغط الدم الانتصابي، والإغماء القلبي. 

إنّ الغشي المبهمي (Vasovagal syncope (VVS نوعٌ من أنواع الإغماء المنعكس، يتواسطه الإجهاد العاطفي أو الانتصابي، وعادة ما يُسبَق ببوادر من التفعيل الذاتي مثل التعرق والشحوب والغثيان. 

وهو أكثر أشكال الإغماء شيوعًا لدى البالغين؛ إذ إنّ أكثر من 85٪ من أحداث الغشي لدى الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عامًا تُعزَى إلى الغشي المبهمي، كذلك إنّ أكثر من 50٪ من أحداث الغشي لدى المرضى الكبار في السن هي بسبب الغشي المبهمي.

وتجدر الإشارة إلى أنّ الإغماء يتطلب وجود نظام عصبي سليم وفعّال، ومن ثم تكون نسبة الإصابة به منخفضةً لدى المرضى المصابين بخلل وظيفي في الجهاز العصبي الذاتي؛ مثل المرضى الذين يعانون مرضَ باركنسون.

الأعراض:

قد يعاني المريض قبل حدوث الغشي المبهمي بعضًا مما يأتي:

شحوب الجلد، والدوار، والرؤية النفقية (يضيق مجال الرؤية فيرى المريض ما هو أمامه فقط)، والغثيان، والشعور بالدفء، والتعرق البارد والرطب، وعدم وضوح الرؤية.

أما في أثناء الغشي، فقد يلاحظ المحيطون بالمريض:

حركات نفضية وغير طبيعية، ونبضًا ضعيفًا وبطيئًا، وتوسع حدقة العين.

عادةً ما يبدأ التعافي من حادثة الغشي المبهمي في أقل من دقيقة، وعلى الرغم من ذلك؛ لا يزال المريض عرضةً للإغماء مجددًا إذا وقف مبكرًا بعد الغشي (قرابة 15 إلى 30 دقيقة). 

الأسباب:

يحدث الغشي حين يتضرر أحد أجزاء الجهاز العصبي المسؤول عن تنظيم معدل ضربات القلب وضغط الدم نتيجةً لوجود محفِّز ما، فيتباطأ معدل ضربات القلب وتتوسع الأوعية الدموية في الساقين؛ مما يؤدي إلى زيادة ضخ الدم إلى الساقين وانخفاض ضغط الدم مع بطء معدل ضربات القلب وتقليل تدفق الدم إلى دماغ المريض على نحو سريع، ونتيجةً لذلك تصيبه حالة الإغماء.

وتشمل المُحفِّزات الشائعة ما يأتي: الوقوف فترات طويلة من الوقت، والتعرُّض للحرارة، ورؤية الدم أو التعرُّض لعملية سحب الدم، والخوف من الإصابات الجسدية، والإجهاد. 

يمكن لبعض حالات الغشي المبهمي ألّا تكون خطيرة، ولكنه قد يكون خطيرًا إذا حدث في أوقات معينة؛ كأن يحدث في أثناء القيادة، ولذلك؛ إذا كان لدى المريض حالات مزمنة متكررة من الإغماء غير المسيطر عليه، فقد ينصحه الطبيب بعدم القيادة وغيرها.

كيف يُشخَّص؟

سيراجع الطبيب التاريخ الطبي للمريض، وسيجري فحصًا جسديًّا؛ إذ من المحتمل أن يشمل قياس ضغط الدم في أثناء الاستلقاء، والجلوس ثم الوقوف، كذلك من المرجح أن يجري الطبيب تخطيط قلب كهربائي (ECG). علمًا أنّ هذا قد يكون كل ما هو مطلوب لدى العديد من الأطفال والشباب. 

ويجب على الطبيب أن يفرّق -عن طريق الفحص السريري- بين الإغماء الناجم عن الغشي المبهمي وأشكال الإغماء الأكثر خطورة، إضافة إلى أنه قد يتطلب الأمر إجراءَ فحوصات بيولوجية وشعاعية وعصبية وفيزيولوجية والخ..

ومن النقاط المهمة التي يجب أخذها بعين النظر عند تقييم المرضى الذين يعانون الإغماء:

شذوذات تخطيط القلب، والإغماء لدى المرضى الذين يعانون أمراضَ القلب، والتاريخ العائلي من الموت المفاجئ المجهول السبب أو الموت القلبي المفاجئ، وحالات الإغماء في أثناء القيادة، والخفقان السابق للغشي، وفقر الدم، واختلال توازن الشوارد، وحالات الإغماء في أثناء ممارسة الرياضة، والألم في الصدر، والضيق في التنفس، وفقد الوعي العابر فترةً قصيرة دون سابق إنذار. 

لذلك؛ قد يحتاج الطبيب أحيانًا إلى التحقق من الأسباب الأخرى المحتملة للإغماء والتي قد تكون أكثر خطورة، ويجب عليه استبعاد هذه الأسباب، ومن ثم قد يستخدم بعض الاختبارات الآتية:

مراقبة تخطيط القلب الكهربائي (ECG) المستمرة للحصول على تحليل مُفصَّل لنظم القلب، ومخطط صدى القلب لفحص تدفق الدم في القلب وحركة القلب، واختبار الإجهاد لمعرفة كيف يعمل القلب في أثناء ممارسة التمارين، إضافة إلى اختبارات الدم في حال كان الطبيب يشك بشذوذ ما.

وإذا كانت هذه الاختبارات جميعها طبيعية فقد يحتاج المريض إلى ما يسمى "اختبار الطاولة المائلة"، وإذا لم تظهر أية مشكلات في القلب أو غيره -كالجملة العصبية- التي تسبّب الإغماء فقد يقترح الطبيب الخضوعَ لاختبار الطاولة المائلة.

ولإجراء هذا الاختبار يستلقي المريض على ظهره على الطاولة، ومن ثم تغير الطاولة من موضعها وتميل بالمريض إلى الأعلى بزوايا مختلفة، ويعمل الطبيب على مراقبة نظم القلب وضغط الدم لمعرفة ما إذا كانت هناك تغيُّرات في وضعية الجسم تؤثر فيهم.

اختبار الطاولة المائلة 

فضلًا عما سبق، يمكن اللجوء لاختبار آخر هو "مسجل النوبة الحلقي القابل للغرس (ILR)"؛ وهو جهاز يمكن زرعه تحت الجلد، ويُوضَع في جدار الصدر ويرصد معدل ضربات القلب باستمرار، فيسمح بمراقبته فترة طويلة؛ مما يزيد من احتمالية الكشف عن علاقة ارتباطٍ بين نظم القلب والأعراض لدى المرضى المصابين بالإغماء. ولذلك؛ يُستخدَم (ILRs) لدى المرضى الذين يعانون إغماءً متكررًا غير مفسر.

 ما هي خيارات العلاج؟

بمجرد أن يصبح التشخيص واضحًا فلا بُدّ من الأسئلة الآتية: "مَن يحتاج العلاج؟ وأي نوع من المعالجة قد يحتاجه؟"، فالهدف الرئيس من المعالجة هو الحد من تكرار الإغماء أو الأذيات الجسدية الناجمة عنه.

يحتاج بعض المرضى علاجًا دوائيًّا، في حين يحتاج عددٌ قليل منهم منظمَ ضربات القلب.

ويُعدّ الحديث مع المريض عن المعلومات المفيدة وعن الطبيعة الحميدة للمرض وإنذاره الخطوةَ الأولى في علاج المرضى الذين يعانون الغَشي المبهمي، وخاصة لدى صغار السن أو من تعرضوا لنوبة غشي واحدة ولا يمارسون مهنة خطرة (مثل الطيارين)، وترتفع نسبة الخطورة عند تكرُّر الحالة أو لدى كبار السن.

ويجب تجنب الحالات التي تؤدي إلى ردود الفعل الوعائية؛ مثل البيئة الحارة، والجو الرطب، والوقوف فترات طويلة، وتقليل استهلاك الماء.

قد يكون من الضروري خفض المواد المؤثرة في الأوعية أو إيقافها، ولذلك؛ يُعدّ التوقف عن العلاج بالعقاقير الخافضة للضغط بمثابة تدبير مهم في الخط الأول للوقاية من تكرار الإغماءات في عديدٍ من الحالات، ولا سيما لدى المرضى الأكبر سنًّا. 

كذلك إنّ استبدال الملح وتناول المشروبات الأسوية التوتر يوسعان حجم الدم المنتشر ويمكن أن يحسّنان العود الوريدي، إضافة إلى أنه قد يؤدي الاستلقاء أو الجلوس عند ظهور الأعراض الأولية إلى تجنب حدوث الإغماء أو التخفيف منه. 

العلاج الدوائي:

قد يحتاج المريض أحيانًا إلى دواء للمساعدة على السيطرة على الغشي المبهمي، وعلى الرغم من ذلك؛ كشفت الأبحاث عن فوائد غير مؤكدة عن هذه الأدوية في الغشي المبهمي، وعادة ما يُنظَر إلى هذه الحالات فقط عندما يكون لدى الشخص حوادث متعددة من الإغماء.

وتتضمن بعض الأدوية التي قد ينصح بها الطبيب:

- منبهات ألفا -1 الأدرينالية لزيادة ضغط الدم.

- الكورتيكوستيرويدات للمساعدة على زيادة مستويات الصوديوم والسوائل.

- مثبطات إعادة قبط السيروتونين (SSRIs) لضبط استجابة الجهاز العصبي. 

وفي أحوال نادرة جدًّا، قد يُفيد منظم ضربات القلب الكهربائي لدى بعض الأشخاص المصابين بالغشي المبهمي والذين لم تساعدهم أي علاجات أخرى. 

إنّ تدبير الغشي المبهمي لا يزال قيد التطور نظرًا إلى أن الفيزيولوجيا المرضية له لا تزال غير مفهومة تمامًا. 

وأخيرًا؛ قد لا يمكن تجنب الإغماء دائمًا، ولكن في حال الشعور بأن المريض على وشك الإغماء فيجب عليه الاستلقاء ورفع ساقيه؛ إذ يسمح هذا للجاذبية بالحفاظ على تدفق الدم إلى الدماغ، وإذا لم يستطع الاستلقاء فيجب عليه أن يجلس ويضع رأسه بين ركبتيه حتى يشعر بالتحسن. 

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا