التوعية الجنسية > الحياة والحقوق الجنسية والجندرية

اغتصاب الذكور

في الوقت الذي تلقَّت فيه الآثارُ الطويلة الأمد -لاعتداء الرجال على النساء جنسيًّا- اهتمامًا كبيرًا ودُرست على نطاق واسع؛ لم يكن هناك سوى قليلٌ من الدراسات التي تستكشف آثارَ اعتداء الرجال جنسيًّا على رجال آخرين. وحتى وقت قريب، لم يكن هناك اهتمامٌ كبير بضحايا الاغتصاب والاعتداء الجنسي بين الذكور البالغين وخاصة تلك التي تحدث في المجال العسكري.

وعلى غرار ضحايا الاغتصاب من الإناث؛ نادرًا ما يلجأ ضحايا الاغتصاب من الذكور البالغين إلى الأنظمة القانونية أو يطلبون المساعدةَ الطبية أو النفسية.

وبما أنَّ الإبلاغ لا يحدث إلَّا في حالات قليلة؛ غالبًا ما تكون عينات الدراسات صغيرةً نسبيًّا، ومن ثمَّ لا يمكننا تعميم أيَّة نتائج.

وفي دراسة حديثة شملت البيانات 22 شخصًا؛ منهم 16 ذكرًا اعترفوا بالاعتداء الجنسي على ذكور آخرين، و6 ذكور إضافيين عرَّفوا أنفسَهم ضحايا للاغتصاب -علمًا أنَّ عينات الجاني والضحية لهذه الدراسة كانت مستقلةً وغير ذات صلة- وتراوحت أعمار الجناة بين 12 و41 سنة؛ ثلاثة منهم من الأحداث أي تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عامًا، وأما الغالبية فكانت (81٪) من الذكور البالغين الشباب بحيث متوسط أعمارهم 24 عامًا. وكان هؤلاء الجناة الستة عشر قد اعتدوا جنسيًّا على 24 ضحية، تراوحت أعمارهم بين 10 و30 سنة، وكان غالبية المجرمين (75٪) من غرباء تمامًا عن ضحاياهم، ثلاثة من الجناة فقط يعرفون الضحايا عرضيًّا؛ فقد كان أحد الجناة هو شقيق أحدِ الضحايا.

وقد تبيَّن أنَّ أكثر أماكن تعرض الرجال للاعتداء هي في أماكن إقامتهم وفي أثناء العمل والسفر والاسترخاء، إذ يبدو أنَّهم في خطر أكبر عند الانخراط في أنشطة انفرادية؛ مثل المشي مسافاتٍ طويلة.. ففي 8 من الحالات (36٪)، كان الضحية يتنزه ويتحرك الجاني للوصول إليه.

في حالة واحدة إضافية، كان الضحية من ركاب سيارة الجاني.

وفي 8 حالات (36٪)، كان الضحية يمارس نشاطًا خارج المنزل؛ مثل السباحة على الشاطئ أو المشي مسافاتٍ طويلة في الغابة (عندما اقترب منه الجاني). وفي الحالتين كان الضحايا يسيرون على طول الشارع على انفراد.

وقد اكتسب الجاني السيطرةَ الجنسية على ضحيته من خلال ثلاث طرائق رئيسية: الحبس والترهيب والقوة البدنية.

في 3 حالات، عمد الجناة إلى الانقضاض على ضحاياهم عن طريق جعلهم في حالة سكر أولًا ثم الاستفادة من حالة الضحية المخمورة للاعتداء عليه جنسيًّا.

وبتحليل النية المحفزة للجاني من خلال تفاصيل الجريمة؛ برزت خمسةُ مكونات نفسية:

 1- السيطرة: كانت كل الاعتداءات بمثابة تعبيرٍ عن القوة والسيطرة من جانب الجاني.

 2- الانتقام: ففي بعض حالات اغتصاب الذكور، تبدأ الجريمة بغضب المهاجم على ضحيته؛ إذ يُعدُّ الاغتصاب شكلًا من أشكال الانتقام منه.

3- السادية والإهانة: بالنسبة إلى بعض المهاجمين، يصبح الاعتداء نفسه مثيرًا ويجدون الإثارةَ والرضا في الإيذاء الجنسي وإهانة الضحية. فقد تتجلى السادية الجنسية من خلال العبودية والتعذيب الشعائري والأفعال المُرهِّبة، وقد يؤدي ذلك في بعض الحالات إلى قتل الشهوة، ولكن لأسباب مختلفة قد لا تُحدَّد جرائم القتل هذه على أنَّها مرتبطة بالجنس.

4- الصراع والرد: فمن العناصر الأخرى في بعض حالات اغتصاب الذكور؛ محاولةُ المهاجم معاقبة الضحية بوصف ذلك وسيلةً للتعامل مع عقده واهتماماته الجنسية.[a]

5- الحفاظ على المكانة: إذ بدا أنَّ بعض المغتصبين قد شاركوا في عملية اعتداء نفَّذتها عصابتُهم لأجل الحفاظ على مكانتهم وعضويتهم ضمن هذه الجماعة.

وبما أنَّ الاغتصاب عادةً ما يُساء فهمه على أنَّه جريمة ذات دوافع جنسية؛ فمن المفترض عمومًا أنَّ الذكور ليسوا أهدافًا محتملة لمثل هذا الإيذاء، وأنَّه عندما يحدث ذلك؛ يعكس ميلًا جنسيًّا من جانب الجاني.

ومع ذلك، فإنَّ حالات اغتصاب الذكور التي أتيحت فرصةُ دراستها لا تقدم دعمًا كبيرًا لأيٍّ من هذه الافتراضات، فقد لا يبدو أنَّ لجنس الضحية أهميةً خاصة لدى نصف الحالات.

وبدلًا من ذلك، بدا أنَّ الجناة عشوائيون نسبيًّا فيما يتعلق باختيار الضحية؛ أي أنَّ ضحاياهم كانوا من الذكور والإناث والبالغين والأطفال؛ والذي من شأنه أن يشير إلى توجه غير متمايز أو متعدد الأجناس.

أما بالنسبة إلى النصف الآخر من الحالات المدروسة، بدا أنَّ الذكور هم الأهداف المحددة لجرائمهم الجنسية؛ إذ ظهر أنَّ جميع هؤلاء الجناة ينشطون جنسيًّا مع ذكور آخرين. لذا يبدو اختيار الذكور ضحيةً أقلَّ أهميةً من اختيار الجنس وسيلةً للسيطرة والانتقام. فالاغتصاب هو عمل معقد متعدد الأوجه يحدث بدافع غير جنسي أكثر منه بدوافع جنسية، وهناك عديدٌ من أوجه الشبه الوثيقة بين حالات اغتصاب الذكور واغتصاب الإناث.

وعلى الرغم من الاعتقاد الشائع بأنَّ الرجل يتمتع بالقوة الكافية للدفاع عن نفسه من الاعتداء الجنسي؛ فإنَّه في الواقع عرضةً للأساليب نفسها التي يسيطر بها المهاجمون على ضحاياهم من الإناث، ففي كثيرٍ من الحالات، استُخدِم مزيج من الانحباس والترهيب والقوة المفرطة في ارتكاب الاعتداء.

أما من ناحية كشف الضحية للطبيب النفسي عن حالة الاعتداء، فقد بدا وجود تفضيل من قِبل الضحايا للاعتراف بالاعتداء لطبيب نفسي أنثى أكثر منه ذكر؛ إذ يخاف الضحايا عادةً من فكرة الكشف عن الاغتصاب لرجل ويخشون من تأثير الإخبار عليهم، وكذلك اشتكوا من عدم سؤال الأطباء النفسيين الذكور لهم عن وجود تاريخ محتمل للإساءة. ينبغي أن تبدأ معالجة ضحايا الاغتصاب باستكشاف معتقداتنا الخاصة بشأن اغتصاب الذكور.

لذا؛ فهنالك حاجة إلى التدريب في هذا المجال المحدد لمقيمي الطب النفسي، وكذلك للأفراد العسكريين والشرطة وموظفي قسم الطوارئ والممرضات والممارسين العامين.

قد لا تكون نتائج  الدراسات عن الاعتداء الجنسي على النساء مناسبةً للرجال الذين تعرضوا للاعتداء الجنسي؛ بل قد يؤدي تطبيقها على الذكور إلى ضرر طويل الأمد على الذكور الناجين من اعتداء.

ولُوحظ أيضًا وجود سمة مشتركة بين ضحايا الاغتصاب الذكري، وهي فقد الإحساس بالرجولة؛ إذ يعبِّر الضحايا الذكور عن قلقهم في التوفيق بين هويتهم الذكورية وتجربتهم في التعرض للاغتصاب، وقد أفاد أحد المرضى أنَّه لم يكشف عنها لزوجته مدةَ 30 عامًا بسبب شعوره بوصمة العار من الاغتصاب.

في الختام، إنَّ اغتصاب الذكور ليس بحدثٍ نادر كما هو متوقع من الحوادث المُبلغ عنها، لكنَّه -وكما نعتقد- فإنَّ الصور النمطية الموجودة هي المسؤولة عن عدم رغبة الذكور في الإبلاغ عن الاغتصاب تمامًا كما كان عليه الحال بالنسبة إلى ضحايا الاغتصاب الإناث قبل عقدٍ من الزمن.

 ومن ثمَّ؛ نعتقد أنَّه من المهم لدى الأطباء أن يكونوا متيقظين على نحو خاص للصدمة الجنسية المشتبه بها في الذكور من جميع الأعمار، وأن يكونوا حساسين لمثل هذه الأذية عند الإبلاغ عنها.

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا