كتاب > روايات ومقالات

مراجعة كتاب (كيف أصبحتُ غبيًّا) عندما يصبح الذكاء لعنة أبدية

يمكنكم الاستماع إلى العمل عبر الرابط:

"إنَّ الذين يعتقدون أنَّ الذكاء شيء من النبالة ليس لديهم بالتأكيد ما يكفي منه ليدركوا أنَّه ليس سوى لعنة"..

إنَّها الرواية الأكثر فلسفةً من نوعها التي تتحدث عن الذكاء برؤية فريدة من نوعها.

إضافة إلى أنَّها أول رواية تفسر لنا مقولة "ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم" حرفيًّا.

يقرر الشاب (انطوان) أن يكفِّن نفسه بالغباء وهو في الخامسة والعشرين من عمره، بعد أن شعر أنَّ الذكاء هو أكثر ما يجعله تعيسًا ومنعزلًا وفقيرًا، وكان ذلك بعد ليلةٍ قضاها وهو يفكر في نفسه، وقد خرج منها باكتشاف يظنه خطيرًا، وهو أنَّ عقله سبب شقائه في هذه الحياة.

فلم يكن (انطوان) شخصًا عاديًّا، بل كان من عائلةٍ لها إنجازاتها، وكانت جدَّته عالمةَ نباتات شهيرة.

وكان (انطوان) يبحث في البداية عن شيء ما، عن حياةٍ أخرى مثلًا أو ربما كان يبحث عن نفسه عندما دفعه فضوله أن يهرع إلى المكتبة ليصبح سكيرًا، ولكن؛ سكيرًا بالذكاء، وبطريقة خلاقة وواعية على حدِّ قوله .

فذهب إلى المكتبة وأحضر الكتب المتعلقة بالكحول كلها؛ ككتاب (قاموس الكحول) و(الدليل الكامل للكحول) و(أفخر أنواع الكحول).

وكان يريد أن يتناول هذه الكتب بعقله بشراهة، وما يجعل الموقف مضحكًا أنَّ أمين المكتبة اعتقد أنَّ (انطوان) يجري أبحاثًا عن الكحول، ولكنَّ إجابة (انطوان) عندما سأله أمين المكتبة عن ذلك كانت غريبةً غرابة غير مسبوقة: "أحاول أن أصبح سكيرًا وبهذه الكتب."

ولم يتوقف كل شيء هنا فسرعان ما التقى بشخصٍ ظنَّ أنَّه سيساعده في أن يصبح سكيرًا، وقد أوضح الرجل (ليونارد) أنَّه بالإفراط في القراءة لن يصبح سكيرًا؛ لأنَّ نشاط السُكْر يتطلب نوعًا من الالتزام وينبغي -على حدِّ قوله- تكريس عدد ساعات معين يوميَّا.

ويدور حوار طويل بين الرجل (ليونارد) و(انطوان)، وفي النهاية يوضح (ليونارد) عدم سهولة الأمر فيقول: "الأمر ليس بيدك، الكحول هو من يختار وهو من يقرر فيما إذا كنت قابلًا لأن تصبح سكيرًا ولست أنت، لايصبح المرء سكيرًا بأن يثمل كل مساء سبت مثلًا، بل لا بدَّ من المواظبة والمثابرة بجدية."

وبعد خمس دقائق من الحوار وبعد أن شرب (انطوان) نصف الكأس، جاءت الممرضات ليحملنه بعد أن دخل في حالة غيبوبة جراء تسمم كحولي، وكان كأسه البيرة آنذاك لايزال نصف ممتلئ.

وبعد ذلك اليوم لم تعد تعني الحياة لــ(انطوان) سوى عذاب أبدي، ولم يعد يستمتع حتى برؤية شروق شمس يوم جديد، وعندها التقى بفتاة لها محاولات فاشلة في الانتحار.

وكانت حوارات (انطوان) كلها تركِّز على الكآبة الناتجة عن الذكاء؛ الذي يجعلك تعرف أشياء كثيرة، ولكنَّ (انطوان) لم يكن صاحب ذكاء وحسب، بل كان صاحب ضمير وعقل واعٍ أيضًا، فكان متصلًا بذاته اتصالًا كبيرًا، وحتى في يأسه لم يكن يفكِّر بعشوائية، فكان يمتنع عن أمور كثيرة لأنَّها في اعتقاده غير صحيحة.

والمضحك في قصة (انطوان) أنَّه إلى حدٍّ ما كان يحاول أن يتخلص من ذكائه ويقتله بطريقة ذكية جدًا.

فهذه المواقف التي تعرّض لها والحوارات كلها تدل على أنَّه يعي ما يريد وملمٌّ بكل شيء تمامًا، حتى إنَّه كان مهتمًا بسعادة غيره ويرفض فكرة أن يكون سبب تعاسة أحد.

والشخص العاقل سيشعر وسط النقاش بتبسيط الحياة وستكون رغبته الوحيدة هي التشطيب ووضع علامات نجمية على الكلمات دائمًا؛ إذ يقول (انطوان): "إنَّ البشر يبسطون هذا العالم باللغة والفكر، وبذلك تكون لديهم يقينيات، وامتلاك اليقينيات هو الشهوة الأقوى في العالم...إنَّها أقوى بكثير من المال ومن الجنس ومن السلطة معًا."

إنَّ هذه الرواية ستفتح لك الآفاق وستغير نظرتك إلى الحياة وإلى الذكاء تحديدًا، وستجعلك تحاكي منطق عقلك لتبحث عن أجوبة مع (انطوان) وستفكر بأسئلته نفسها التي لم يسبق لك أن فكرت بها بهذه الطريقة.

معلومات الكتاب:

باج، مارتن. كيف أصبحتُ غبياً. المترجم: حسين عمر. المغرب-الدار البيضاء. المركز الثقافي العربي. ط١. ٢٠١٣. عدد الصفحات: ١٦٠ صفحة.