التوعية الجنسية > الحياة والحقوق الجنسية والجندرية

العنف الجسدي والجنسي ضد الطفل في مناطق النزاع

شهدَ العام 2019 الذكرى الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، في وقتٍ يعيش فيه الأطفال في البلدان الغارقة في الصراعات الداخلية أو الدولية أوضاعًا زادت سوءًا في العقود الثلاثة المنصرمة. 

يواجه الأطفال -في البلدان التي تعيش في حالة حرب- الاعتداءاتِ المباشرة؛ فيُقتلون أو يتعرضون للتشويه، أو يُستخدمون دروعًا بشرية ويُجنَّدون في القتال، أو تُنتهك طفولتهم في جرائم الاغتصاب والزواج القسري، أو يُبعَدون عن أمهاتهم وعائلاتهم في حوادث الاختطاف، من سورية إلى اليمن ومن جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى نيجيريا وجنوب السودان وميانمار وغيرها..

تدعونا الأرقام المُقدمة إلى الأمم المتحدة عام 2018 من أنحاء العالم إلى النظر في القضية بتمعن، ففي أفغانستان قُتل و/أو شُوِّه نحو 5000 طفلٍ في الأشهر التسعة الأولى من 2018، وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ عانى آلاف الأطفال العنفَ العرقي والاشتباكات، وقُدِّر أنَّ 4.2 مليون طفلٍ كانوا معرضين لسوء التغذية الحاد الوخيم.

وكان 3.5 مليون طفلٍ تحت الخطر في حوض بحيرة تشاد حيث أُغلقت أو توقفت نحو 1041 مدرسةٍ بسبب أعمال العنف أو خوفًا منها، وتواصلت تقارير العنف الشديد ضد الأطفال في السودان وتجنيد الأطفال في الصومال، إضافة إلى توثيق مقتل أو تشوه  1427 طفلٍ في اليمن؛ وهو بلد يموت فيه طفلٌ كلَّ عشر دقائق بسبب أمراض يمكن الوقاية منها، ويعاني فيه نحو 400 ألف طفلٍ سوءَ التغذية الحاد الوخيم. وفي سورية؛ وثقت الأمم المتحدة مقتلَ 870 طفل.  

أصدر مجلس الأمن سبعةَ قرارات متعلقة بأوضاع الأطفال في النزاعات منذ 1990، وطالبَ الأمانةَ العامة للأمم المتحدة بإيجاد آلية لرصد الانتهاكات ضد الأطفال في الحرب والإبلاغ عنها. 

وتتجلى الانتهاكاتُ الجسيمة ضد الطفل في بنودٍ ستة:

1. قتل الأطفال أو تشويههم.

2. تجنيد الأطفال أو استخدامهم في القوات المسلحة أو الجماعات المسلحة.

3. الهجوم على المدارس أو المستشفيات.

4. الاغتصاب أو أي شكل من أشكال العنف الجنسي ضد الأطفال. 

5. الاختطاف. 

6. منع وصول المساعدات الإنسانية إلى الأطفال.

ويطالب مجلس الأمن بتسمية المتورطين في هذه الجرائم ضد الأطفال في تقرير سنوي تقدمه الأمم المتحدة، ولكنَّ هذه الجهود الدولية قاصرةٌ للغاية على أرض الواقع!

يخذل العالمُ أطفالَه في كل يوم.. إنَّ الأطفال الذين يعايشون النزاعَ المسلح ويتعرضون -مباشرة أو غير مباشرة- للعنف، يحملون نتائجَه مدى حياتهم وتلاحق آثاره أجيالًا تولد بعد انتهاء النزاع؛ بدءًا بالأذى المباشر في الإصابات والأمراض والرضوض النفسية والموت، مرورًا بسوء الظروف المعيشية والأخطار البيئية والمخلفات الحربية والتلوث ونقص الماء والمساعدة الطبية وهجر المنزل وربما فقدان العائلة، وصولًا إلى الاستغلال الجنسي. ويترك نقصُ التعليم والفقر في فترات الحرب نتائجَ تنعكس على الأجيال التالية.

بحثت مراجعة منهجية هذا العام نتائجَ مهمة بعد تفحص 155 دراسةٍ في نسب وفيات الأطفال الناتجة عن الإصابات الحربية المتعددة الأشكال والآليات؛ فتراوحت نسبة موت الأطفال بعد تعرضهم لإصابة حربية بين 2.6% و18%، ووصلت إلى 24% في الإصابات العصبية، مع ارتفاع معدلات الوفاة عند الأطفال الأصغر سنًا على نحو لافت.    

وتفحصت المراجعة دراسةً واحدة عن معدل حدوث العجز الدائم وانتشاره بعد الإصابة عند الأطفال؛ ووجدت أنَّ نسبة 40% في عينة من 94 طفلًا ممن أصيبوا في الحرب، سيعانون عجزًا دائمًا بعد الإصابة.  

ويعاني الأطفال -الذين يتعرضون للتعذيب أو يشاهدونه- الأذى الجسدي الناتج عنه والأعراضَ الجسدية المختلفة التي يُسبِّبها، كالإمساك واضطرابات النوم والتبول في الفراش والاضطرابات النفسية، وقد وجدت متابعةٌ للأطفال الذين عُذِّبوا أو عُذِّب آباؤهم في تشيلي، ازديادًا في انتشار ظهور الأعراض الجسدية وتكرارها مع الوقت، بعد أن استقروا في الدنمارك.

ووجدت الدراسات من أوغاندا وتيمور الشرقية والدراسات على اللاجئين السوريين في لبنان، أنَّ الأطفال الذين تعرض مُربُّوهم للنزاع المسلح أكثرُ عرضةً للإهمال والعنف. 

يتعرض الأطفال الذين يُقحمون في النزاع المسلح لمستويات شديدة جدًّا من العنف؛ كإجبارهم على القتل أو مشاهدته أو أكل اللحم البشري أو الاغتصاب والعبودية الجنسية وزواج الأطفال. يصف الأطفال الذين خضعوا للدراسة التعذيبَ والعنفَ الجسدي والنفسي المنتظم الذي واجهوه ويتحدثون عن اعتياد العنف. يقول أحد الأطفال أنَّه أَلِف العنفَ وفقد مشاعرَه الإنسانية الطبيعية نحوه، بجملة واحدة: «بعدَ بعضِ الوقت، صارَ (العنف) جزءًا مني».

وتتناول عدة أوراق بحثية الحملَ غير المرغوب فيه عند المراهقات والمشكلات في الجهاز التناسلي والأمراض المنقولة بالجنس الناتجة عن الاعتداءات الجنسية.

ووُثِّقت مشاهدة العنف الجنسي والتعرض له والمشاركة فيه والاستغلال الجنسي في أوراق بحثية عدة، فتُظهر الدراسات التي ركزت على الاستغلال والعنف الجنسي أنَّ المشكلة أكبر بكثير مما نعتقد؛ إذ تصف هذه الدراسات تعرضَ الأطفال للتهديد بالاغتصاب والاغتصاب والاغتصاب الجماعي، أو الإجبار على مشاهدته بما في ذلك مشاهدة اغتصاب فرد من العائلة، وتصف أيضًا أساليبَ النجاة التي يخضع لها الأطفال ويجارونها؛ كمبادلة الجنس مقابل الحاجات المعيشية والاضطرار للزواج، إضافةً إلى الأذيات الجسدية التناسلية والجسدية الأخرى الناتجة عن ذلك. وتصف دراستان نتائجَ الحمل في هذه الحالات؛ كالعزلة الاجتماعية والعنف والتهديد المجتمعي.

في سياق النتائج النفسية، وجدت إحصائية عند النساء والفتيات اللواتي يرعين أولادًا كانوا ثمرةَ حوادث اغتصاب أنَّ 66.1% منهن يرين صورةَ المعتدي عليهن أو يستذكرن حادثةَ الاغتصاب في بعض الأحيان حين ينظرن إلى أبنائهن.

ولا تتوقف الصور والنتائج الكارثية للعنف ضد الأطفال في مناطق النزاع على هذه الجوانب؛ لذا فإنَّ الحاجة إلى التحرك وإيجاد الحلول لهذه المسألة من أهم حاجات الإنسانية اليوم ولعلَّها أكثرها إلحاحًا!

يستحق كلُّ إنسان أن يبدأ رحلتَه على الأرض بسلام، ويستحق كل طفل أن يتعرف العالمَ بعينين ضاحكتين..  

المصادر: 

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا