الفلسفة وعلم الاجتماع > علم الاجتماع

العنف الأسري

هل يتملكك شعور دائم بالخوف من شريكك؟ هل تتجنب الخوض في موضوعات معينة خوفًا من إثارة غضبه وأنّه ليس باستطاعتك ارضائه بأي شكل؟ كثيرًا ما تضع اللوم على نفسك وتشعر بأنك تستحق سوء المعاملة هذه؟ هل لشريكك نوبات غضب حادة لا يمكن التنبؤ بها؟ يتوعّدك بإلحاق الأذى بك والقتل والهجر؟ هل يُهمشك شريكك ويذلك ويهينك ويوجه الشتائم والنقد اللاذع لك ولا يأخذ  برأيك أيًا كان؛ مُوَلّدًا لديك مشاعر الإحراج والخجل ممن حولك؟ يضع اللوم عليك بكل أشكاله بأنك من تَسبّب بهذه الإساءة لنفسه؟ هل ينظر إليك شريكك على أنك وسيلة إشباع جنسي لا أكثر؟ 

إذا كانت إجابتك على هذه الأسئلة نعم؛ فأنت تخوض في علاقة تسبب لك الأذى والإساءة وتُخّلف آثارًا وعواقب وخيمة على الصعيد الشخصي للفرد والمجتمع، وإنّك إحدى ضحايا ما يسمى بـالعنف الأسري.[3]

 

يُشير هذا المصطلح الاجتماعي والقانوني بمعناه الشامل إلى الإساءة التي يتعرض لها أحد الشريكين -النساء خاصةً- الذين غالبًا ما يعيشون في المنزل نفسه، ويرتبط هذا المفهوم أيضًا بالاعتداء الجسدي على المرأة من قبل شريكها الذي بدوره نادرًا ما يقع ضحية هذا النوع من العنف؛ فالأمثلة والحالات القليلة لِتعّرض الرجل للعنف بالكاد يُفصح أو يُبلّغ عنها درءًا للسخرية التي يمكن أن يتعرض لها الذكور، ويمكن أن يُعزى ذلك لغياب خدمات الدعم اللازمة التي توفّر الحماية لضحايا العنف من الذكور.[2]

لا ينحصر مصطلح العنف الأسري على ممارسات التعنيف الجسدي فحسب؛ بل يتعدّاه ليشمل السلوك اللاإنساني؛ مثل الابتزاز العاطفي والعنف اللفظي وفرض السيطرة والتحكم بالزوجة أو الشريك أو أحد  أفراد العائلة المقربين، والعنف هو سلوك مدروس يعيه المعنِّف وعيًا تامًا أي ليس بالضرورة أن يكون في حالة غضب أو يعاني مشكلات نفسية.[1]

ويمكن للعنف الأسري أن يأتي من جميع الخلفيات والمستويات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية ويشمل جميع الأعمار والأعراق؛ إذ لا ينحصر بفئة محددة، وبالتأكيد تساهم في هذه المشكلة تبعات الفقر وتأثير تعاطي المخدرات والكحول.[2][3]

بعض من أشكال العنف الأسري: 

السيطرة: هي طريقة لإبقاء الضحية تحت تحكم الشريك وهيمنته الدائمة؛ يتمثّل ذلك بعدة صور، منها: مراقبة هاتفها الخلوي وعدم السماح لها بإجراء أو استقبال المكالمات الهاتفية، وحدّ حريتها في اختيار مظهرها لتُجبَر مثلًا على ارتداء ملابس محددة، وانتهاك خصوصية الضحية واقناعها بأنّها عاجزة عن مواصلة حياتها دون الحاجة لشريكها، إضافةً إلى ابتزازها بالأطفال مثل حرمانها منهم أو تهديدها بأذيتهم.

التعنيف الجسدي: وهو سلوك عدواني يتضمن تهديدًا بالإساءة الجسدية؛ ومن صوره الضرب وتوجيه اللكمات والصفعات واستخدام وسائل أخرى للضرب ومما يشمل أيضًا إلحاق الأذى بالأطفال وتدمير الممتلكات أو ضرب الجدران أو الأبواب في أثناء النقاش والاحتفاظ بالضحية كرهينة أو فرض قيود ضد إرادتها مثل حبسها في غرفة، وغيرها.

التعنيف الجنسي: تظهر الإساءة الجنسية على نحو لفظي أو جسدي، من صورها؛ إجبار الضحية على ممارسة الجنس بالإكراه أو حتى إجبارها أن تمارس الجنس مع الآخرين لغايات معينة، السخرية والاستهزاء من جسد الشريك، أو إقامة علاقات جنسية مع الآخرين واستخدام هذه المعلومات للإساءة من الضحية، أو ربما حرمان الضحية من الجنس كآلية سيطرة، وغيرها.

الترهيب والإساءة العاطفية: يُستغّل من خلالها ضعف الضحية وشخصيتها؛ ومما يشمله هذا السلوك؛ تحقيرًا دائمًا للضحية عن طريق توجيه النقد وتقويض احترامها لذاتها وأيضًا إهانتها أمام الجميع، وتجاهل رغباتها ومطالبها وعدم إعارتها أي اهتمام.

إبعاد الضحية وعزلها عن محيطها: وغالبًا ما يرتبط هذا الشكل من العنف بسلوك التحكم والسيطرة، فتُجبَر الضحية على فعل عدة أمور؛ كأن تُمنَع من رؤية من ترغب، ووضع أهدافها وتحقيقها؛ ويتمثّل هذا السلوك بالتحكم بطريقة تفكير الضحية ومشاعرها أيضًا، فتُعزَل عن المجتمع والمحيط حولها، وغالبًا ما تبدأ هذه السيطرة باستخدام عبارات كـ "لو أنك حقًا تكنّ مشاعر الحب لي؛ لكنت قضيت الوقت معي لا مع عائلتك" فتتوسّع دائرة التحكم والعزل شيئًا فشيًا بعدها، قلقًا من كون هذا المحيط سيجعل الضحية تدرك الخطر التي تعيش فيه ويحثّها على الانفصال من هذه العلاقة، وفي حالات أخرى تعزل الضحية نفسها عن الوسط المحيط بها؛ خوفًا من نظرات المجتمع الساخرة؛ لما يسببه الشريك لها من أذى جسدي ظاهر ونفسي مهين.. 

الإساءة اللفظية: وذلك باستخدام اللغة وسيلة لنعت الضحية بعدّة ألقاب مهينة كـ" القبيحة والغبية والخرقاء" إضافةً إلى الصراخ الدائم وتوجيه الشتائم لها أو حتى الرفض بالحديث معها..   

وما دمنا نعيش في مجتمع يرجّح بطبيعته كفّة الذكر على الأنثى ويمنحه امتيازات السيطرة الدائمة؛ فستبقى المرأة عرضة للممارسات المسيئة والمهينة من الرجل، وما دامت ثقافتنا تملي علينا غض البصر عن نشاط الرجل بحق المرأة؛ فستبقى ظاهرة العنف الأسري متأصلة متشعبة بجذورها تهز أركان هذا المجتمع بأفراده.[1]

من الجليّ أنّ عجلة العنف الأسري أبدًا تسير بلا هوادة تاركةً ضحاياها من النساء يعانين من نتائجه الكارثيّة كافتقارهن لتقدير الذات والحرية والشعور بالعجز والاكتئاب، بل ويتوّلد عندهنّ الاعتقاد والشعور باستحقاقهنَّ للإساءة الموجهة إليهنّ؛ وإذا ما أردن مواجهتها وُجدت أمامهن عقبات عدّة تمنعهن من المضي قدمًا، فيعتمد كثير من النساء على معيلهنَّ في الأمور الماليّة، وبما أنّ العديد من المعنّفات أمهات؛ فيزيد عندهن الخوف والقلق من عدم قدرتهن على توفير الدعم لأطفالهن عند غياب الشريك.[2]

إضافةً إلى ذلك خوف كثير من النساء من الإبلاغ عن جرائم التعنيف هذه مدركين أنَّهن لن يحصلوا على الحماية المطلوبة والمضمونة من مخافر الأمن والشرطة بسبب قيامهن بحركات الثأر هذه ضد الشريك؛ فكثير من النساء لقين حتفهن على أيدي شركائهن عند محاولتهن رفع دعوى عليهم أو الحصول على الحماية؛ والأسوأ من هذا هو ردّة الفعل العدائية للشريك المُسيئ الذي يصبح أكثر عدوانيّة وانتقامًا عند محاولة المرأة الفرار والنجاة، فكل هذا يشد الخناق على المرأة ويجعلها راسخة تحت وطأة ظلم الشريك لها.[2]

زادت حملات مناصرة المرأة وعي الرأي العام حيال هذه القضية؛ إذ باتت المحاكم بمقدورها إدانة المعتدي والسماح للنساء اللاتي تسببن بجرائم قتل بحق الشريك المعتدي أن يحضرن أدلًة ملموسة عن كونهن ضحايا التعنيف الأسري وأنَّ الغاية من هذا الفعل هو الدفاع عن النفس؛ وتشكّلت جماعة دفاع وطنيّة أيضًا؛ كهيئة التحالف الوطني ضد العنف الأسري وقانون مناهضة العنف ضد المرأة الذي أصدره الكونغرس عام 1994.[2]

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا