التاريخ وعلم الآثار > شخصيات من سورية

رجل العلم والباحث السوري؛ موفق الخاني

تخطفك الكتابة عن "موفق الخاني" إلى أماكن بعيدة، فهو إحدى تلك الشخصيات التي تحتار في أمر عوالمها وتحت أي تصنيف تضعها! لتجد نفسك أمام نتيجة حتمية؛ موفق الخاني لا يُصنَّف باختصاص أو تحصيل أكاديمي أو اهتمام علمي أو مهنة امتهنها، هو قامة تطول عِلمًا وأدبًا؛ لتترك بصمة لا مثيل لها في ذاكرة الملايين.

وإن كانت معرفتنا به مقتصرة على برنامجه الشهير "من الألف إلى الياء"؛ فقد كانت معرفة هائلة وغنية ومتنوعة على مدى 42 عامًا، وهي فترة عرض البرنامج.

في محاولة بسيطة ومتواضعة لتقديم موفق الخاني، يلزمنا صفحات وصفحات نفردها للمرور على عناوين عوالمه التي حلّق بها، دون المرور في التفاصيل؛ فهو الباحث والإعلامي والصحفي والسينمائي والطيار.

كانت دمشق مسقط رأس "موفق بهاء الدين محمود الخاني" الذي أبصر النور عام 1923، ولم يطل الوقت لتَتكشّف البدايات عن إبداع مبكّر، ففي سن العاشرة قدم الطالب موفق الخاني في مرحلته الابتدائية في مدينة حماة (1932) موضوعًا إنشائيًّا إلى أستاذ اللغة العربية؛ الذي نشره في مجلّة (النواعير)، وهو أوّل مقال منشور له.

ولم يفارقه اهتمامه في التحليق، فقد بدأ مع ولعه بالطائرات الشراعية؛ ليحوّلها من هواية إلى واقع، وكانت بداياته في سلك الطيران إثر انضمامه إلى الجيش الفرنسي.

ساهم الخاني في تأسيس نادي الطيران الشراعي، وبدأ بصنع نماذج خشبية للطائرات (كانت الطائرات حينها مخصصة لنقل راكب أو راكبين فقط)، وصبّ موفق الخاني جهودَه لتحصل سورية على طائرات تحمل اثني عشر راكبًا، وقد كان ذلك في العام 1952، إضافة إلى أنّه قد حاضر في علوم الطيران.

في مقابلة له مع موقع (Albaathmedia)، يتكلّم موفق الخاني بشغف العاشق عن تلك الأيام: "ما زلت أتذكّر عيونَ الأطفال كيف تلمع بينما هم يراقبون طيران الطائرة ويتحسّسون اتجاه الرياح. وقلت لهؤلاء الأطفال مرّة: بقينا نتعلم الطيران ومبادئَه مدّةً تفوق العامين، في حين أنتم اليوم تتلقون المعلومة جاهزة وتطبقونها بسرعة، أنتم محظوظون".

نال موفق الخاني شهادة "قائد الفرقة الجوية للجمهورية العربية المتحدة" عام 1960، والتي عُدّلت إلى شهادة "أركان حرب" تعادل دكتوراه في العلوم العسكرية، ونال لاحقًا دبلومَ "بول تيساندر Diplome Paul Tissandier" الصادر عن اتحاد الطيران الرياضي العالمي بصفته "رجل الطيران" لعام 1963 في سورية.

في كل مرحلة عمرية من مراحل رحلته الغنية ترك موفق الخاني بصمة مدهشة!، فبعد تسريحه عام 1963 برتبة عقيد ركن طيار؛ عُيّن مديرًا للمؤسسة العامة للسينما في الفترة بين عامي (1965-1968)، وقد أعدّ في خلالها مجموعةً من الأفلام التوثيقية البالغة الأهمية التي تناولت مواضيعَ متنوعة، منها فيلم عن مؤسسة مياه عين الفيجة وفيلم تناول صناعة النفط في سورية.

يُصاب الباحث في حياة "موفق الخاني" بالذهول؛ إذ لا يرتوي عطشه في رحلة بحث حثيثة عن كل ما يمكن فعله وتقديمه إلى الآخر؛ مجتمعًا وأفرادًا.

عرفَته الشاشة الصغيرة عن طريق برنامجه الشهير "من الألف إلى الياء" الذي بقي يُعرَض كل أسبوع دون انقطاع طيلة 42 عامًا (1963-2004).

تخيّل قناة "ناشيونال جيوغرافيك" مُختزلةً في برنامج بالأبيض والأسود مُعدٍّ بتقنيات بسيطة، وفي زمن لم يكن الحصول على المعلومة الموثّقة أمرًا سهلًا.. هكذا كان البرنامج الذي قدّمه موفق الخاني وأعدّه بالكامل، وقد أصبح موعد بثّ البرنامج (يوم الخميس السابعة والنصف مساءً) موعدًا مُنتظَرًا تابعه السوريون بإخلاصٍ شبيهٍ بإخلاص مقدّمه.

وقد تكلّم الخاني في أحد لقاءاته الصحفية عن الصعوبات التي واجهها؛ إذ اعتمد في إعداد محتوى هذا البرنامج على المكتبات الموجودة في المراكز الثقافية العربية والأجنبية، إضافةً إلى أنه صوّر بعض المواضيع بنفسه.

يقول: "كان الأمر أشبه بالنحت على الحجر، فكنت أعمل طوال الأسبوع وفي الربع الساعة الأخيرة أتوجه إلى التلفزيون لأقدم برنامجي على الهواء مباشرة، حتى إنّ مخرجة العمل لم تكن تعرف ما هي المادة التي سأقدمها، لذلك كان التنسيق بيننا يجري في أثناء العرض".

حوّل موفق الخاني المادةَ المتلفزة من برنامجه إلى موسوعة تحمل الاسم نفسه؛ "من الألف إلى الياء"، وذلك على شكل سلسلة أبصرت النور بجزئها الأول عام 1992، يصفها هو نفسه بأنها لا تقل أهميةً وجودة وجمالًا عن أي مطبوعة أجنبية.

كذلك أشرف الخاني على وضع برنامجه على أقراص مضغوطة، ووُزّعت بواسطة الجمعيات على أكثر من خمسة آلاف مدرسة في سورية ليستفيد الطلاب من المادة العلمية التي عمل على توثيقها وتقديمها على مدى أربعة عقود.

قدّم الخاني برنامجَين آخرين لا يقلّان أهمية وغِنى، وهما: "مجلة العلوم"، و"مذكّرة وطيار".

وقد عمل مستشارًا لوزير السياحة بين عامَي (1980-1985) بالتوازي مع عمله في التلفزيون.

كتب الخاني في مجلة (العربي) الكويتية عديدًا من المقالات العلمية والثقافية، وعَمِل في الجمعية السورية لمكافحة السّل والأمراض التنفسية، وفي مستوصفٍ خيري للتوعية من مرض الإيدز، إضافة إلى أنه شارك في حملات توعية عن مزايا استخدام الطاقة الشمسية وفي حملات دعت للإقلاع عن التدخين.

قد نكون أغفلنا محطّاتٍ لا تقل أهمية عمّا جِئنا على ذكره في سيرة رجل العلم موفق الخاني؛ لكنّ الرحلة تطول معه.

ربّما يصبح الإيجاز ممكنًا حين نأتي على الهدف الذي عمل بلا كللٍ أو ملل ليحققه، وهو "نشر العلم والاستدلال عليه عن طريق منهجٍ علمي سليم، والابتعاد عن الحقائق المطلقة والفكر الغيبيّ المغلق".

 

كرّمت جهاتٌ ووزارات عدّة رجلَ العلم موفق الخاني، ومنها: وزارات السياحة والنفط والثقافة والصّحة، ومؤسسة المياه، ونقابات المعلمين والفنانين والصحفيين.

كذلك كُرّم الخاني في عدة محافل، ونال عديدًا من الأوسمة؛ نذكر منها وسام الشرف عام 1960 من ملك كمبوديا.

لا شك في أنّ الكثير قد قيل في موفق الخاني، لكنّنا وجدنا خلاصةَ القول فيما قاله الكاتب (حسن م يوسف):

"أحسبُ أنّ برنامجَ (من الألف إلى الياء) لعب دورًا في تشجيع مشاهديه على التفكير العلمي أكثر من كل كتب العلوم المقررة في مدارسنا".

فتحيّة منا إلى الباحث السوري ورجل العلم الفاضل؛ موفق الخاني.

المصادر :

-لقاء صحفي مع موفق الخاني/جريدة تشرين، بتاريخ2011/1/30

-مقال في البعث ميديا بقلم:عامر فؤاد عامر، بتاريخ2013/11/20

-مقال في صحيفة الوطن بقلم :حسن م يوسف، بتاريخ2013/10/19