التوعية الجنسية > الحياة والحقوق الجنسية والجندرية

التربية الجنسية في العالم العربي؛ ألم يحن الوقت؟!

خادشة للحياء؟

أعلن وزير التربية التونسي منذ عدة أيام إدخالَ منهج التربية الجنسية بدءًا من السنة التحضيرية (عمر الـ 5 سنوات).

وقد وصف البعض ذلك بأنَّه خادشٌ للحياء ينتهك براءةَ الأطفال. فما مدى صحة ذلك؟

توصي اليونسكو في توصياتها لعام 2018 بدءَ التوعية الجنسية منذ سن مبكرة وتقسِّم الأطفال والشباب إلى 4 شرائح؛ تبدأ الأولى في سن الخامسة، والثالية في التاسعة، ثم تليها الثالثة في الثانية عشر من العمر، والرابعة في الخامسة عشر.

يجب تقديم المعلومات المناسبة لكل شريحة من كل محور من محاور التوعية الجنسية والإنجابية؛ إذ تُقسم المعلومات في كل محور بحسب العمر لتناسب المتلقين وتفكيرهم وتجاربهم الحياتية.

ُيبدي الأطفال في السنوات الأولى من حياتهم فضولًا تجاه الأعضاء التناسلية الخاصة بهم ويدركون خصوصيتَها وقد يستخدمون كلماتٍ نابية أو ذات محتوى جنسي لإثارة الصدمة أو الإعجاب لدى البالغين. يجب على الأطفال أن يفهموا ما يمرون به.

تعود اليونسكو في توصياتها لتؤكد أنَّه يجب صياغة مناهج التوعية الجنسية والإنجابية في المدارس بما يتفق مع قدرة الأطفال على استيعاب المعلومة وبما يتناسب مع روح المجتمع (اللغة والصور والامثلة) على ألَّا يُتنازل عن مجموعة من المعلومات التي لا بد من تلقينها للأطفال على نحو علمي. وتُظهر الدراسات أنَّ تعديل البرامج (تقليل عدد جلسات التوعية أو مدتها، أو تقليل مشاركة الأفراد فيها، أو حذف مهارات أو رسائل مهمة يجب تعلمها، أو توظيف كوادر غير مؤهلة أو غير كافية) لا يحقق الفعاليةَ الأكبر المتوخاة من هذه البرامج.

 حماية من التحرش أم تحريض على الجنس؟

وجدت مراجعة للأدلة أجرتها اليونسكو عام 2016 أنَّ التوعية الجنسانية داخل المدارس أو خارجها لا يزيد النشاطَ الجنسي أو السلوك الجنسي الخطير أو معدلات الإنتان بالأمراض المنقولة بالجنس بما فيها الإيدز. وليس ذلك فحسب، بل وجدت أنَّ لهذه التوعية آثارًا إيجابية أيضًا من زيادة معلومات الشبان وتحسين سلوكياتهم ومواقفهم فيما يخص الصحة الجنسية والإنجابية.

وتبين أنَّ استخدام مقاربات واضحة مبنية على الحقوق له آثارٌ إيجابية فورية في المعرفة (بما فيها معرفة حقوق الشخص ضمن علاقة جنسية) وفي السلوكيات (بما فيها تحسين التواصل مع الأبوين فيما يخص الجنس والعلاقات)، وفعالية شخصية في السيطرة على المواقف التي قد تحمل خطرًا.

وتُحدث هذه البرامج أيضًا تأثيراتٍ طويلة الأمد على التظاهرات النفسية الاجتماعية والسلوكية. ولأجل فعالية عظمى؛ يجب ربط البرامج المدرسية للتوعية الجنسية بعوامل مجتمعية كتوزيع الواقيات الذكرية وتدريب الكوادر الصحية لتقديم خدمات مساعدة ومخصصة للشباب وإدماج الأهالي والمعلمين في عملية التوعية، على نحو يضمن الوصولَ إلى جميع الشبان والأطفال بما فيهم الذين لا يرتادون المدرسة.

هل تُغني التربية المنزلية عن المدرسة؟

عارض البعض إدماجَ مناهج التوعية الجنسية في المناهج المدرسية بحجة أنَّ التربية المنزلية تكفي وتؤدي غرضَ التوعية، ولا حاجة إلى المدرسة في تلقين هذه المعلومات للأطفال. ماذا يقول دليل اليونسكو في ذلك؟

يؤدي عديدٌ من المؤسسات والأشخاص دورًا مهمًا في حياة الأطفال في تحضيرهم لمسؤولياتهم وأدوارهم بوصفهم بالغين، لكنَّ دور قطاع التعليم يُعدُّ حاسمًا في تحقيق أهداف التوعية الجنسية الشاملة.

فتؤمِّن المدرسة البنيةَ التحتية المناسبة كمساحات للتعليم والتعلم والتطور الذاتي، بما يشمل ذلك من مدرسين خبراء وموثوقين. ويساهم المعلمون في تقديم المعلومات المناسبة لتطور الأطفال وتعليمهم، ويُعِدُّ الشبابُ المدارسَ والمعلمين مصادرَ موثوقة للحصول على المعلومات.

يقضي الأطفال -في الأعمار بين 5 و13 سنة- ساعاتٍ طويلة في المدرسة؛ ما يمنحها طرائقَ عملية في الوصول المستدام إلى أعداد كبيرة من الشبان والأطفال من بيئات ثقافية مختلفة، وتقديم المعلومات على نحو متسلسل مدروس ومرتب ومناسب لعمر الأطفال. إضافة إلى ذلك، يمر الغالبية العظمى من الأطفال في مرحلة البلوغ حين يكونون في المدرسة، كذلك غالبًا ما يمرون بعلاقاتهم الأولى -وربما علاقاتهم الجنسية- في المدرسة؛ مما يجعل التوعيةَ عن الحقوق والعلاقات والصحة الجنسية والإنجابية شديدةَ الأهمية عن طريق التعليم الرسمي.

هل هذا كل ما يجعل المدرسة أكثرَ فعالية؟

ليس ذلك فحسب، فقد تبيَّن للبرامج التوعوية القائمة في المدارس طرائق فعالة اقتصاديًّا في المساهمة في الوقاية من (HIV) وضمان حقوق الأفراد في الحصول على التعليم والخدمات الصحية الإنجابية والجنسية، فضلًا عن قدرة المدارس على تنظيم عديدٍ من جوانب البيئية التعليمية لتقديم الدعم والحماية ودورها بوصفها مراكزَ قادرة على ربط الأطفال والأهالي والعائلات والمجتمعات بالخدمات الصحية. علمًا أنَّ التربية الجنسية قد تتعدى المدارسَ للوصول إلى الجامعات والمعاهد؛ نظرًا لافتقار المناهج الدراسية لمقررات التربية الجنسية والإنجابية في كثيرٍ من المناطق، ولكثرة الطلاب الذين يبدأون حياتَهم المستقلة في الجامعة بعيدًا عن العائلة بما في ذلك العلاقات وبدء النشاط الجنسي..

ألا يكفي أن ندعو إلى منع الجنس؟

تُعيَّب -أخلاقيًّا وعلميًّا- السياسات والبرامج التي تقترح الامتناعَ عن الجنس بوصفه خيارًا وحيدًا للشباب، على الرغم من كونها خيارًا سلوكيًّا صحيًّا؛ إذ يحمي الامتناع عن ممارسة الجنس المهبلي أو الشرجي أو الفموي من حدوث أي حمل أو مرض منقول بالجنس نظريًّا، ولكن تفشل البرامج القائمة على الامتناع عن الجنس فقط في تحقيق هذه النتائج عمليًّا.

ليس ذلك فحسب، بل لا تزوِّد الشبابَ بالمعلومات اللازمة لاتخاذ قرارات جنسية مهمة تتعلق بالحصول على الموافقة من الطرف الآخر أو إعطاء الموافقة المسندة بالمعلومات، كذلك تفتح المجالَ للحصول على معلومات خاطئة عن موانع الحمل وانتقال الأمراض. كل ذلك يعرض الشبان لمشكلات جنسية عديدة، ويزيد من العنف وقد يؤثر في معدلات الحمول غير المرغوبة وانتقال الأمراض جنسيًّا، فضلًا عن أثر هذه البرامج في اضطهاد الأقليات الجنسية.

وقد أظهرت الدراسات فشلَ هذه البرامج في تقليل تواتر الجنس أو عدد الشركاء الجنسيين وفي تأخير حدوث الاتصال الجنسي الأول، الأمر الذي نجحت في تحقيقه البرامجُ التي تركز على تأخير الاتصال الجنسي الأول (دون منعه) مع محتوى عن استخدام موانع الحمل ومنها الواقيات الذكرية.

تدخل غربي في المجتمع العربي!

وجدت دراسة أجريت عام 2006 وأخرى عام 2014  أنَّ للتداخلات التعليمية الفعالة المنقولة من بيئة إلى أخرى أثرًا إيجابيًّا في المعرفة والسلوكيات حتى مع اختلاف البيئة، يُعتقد بذلك بالتوازي مع الموجودات من مجالات دراسية أخرى والتي تُظهر أنَّ التداخلات النفسية الاجتماعية والسلوكية -التي تظهر فعاليتَها في بلد ما أو ثقافة ما- يمكن أن تكون ناجحةً في حال تكرارها في أماكن أخرى، حتى لو عُدِّلت من بيئات أكثر ارتفاعًا أو انخفاضًا للدخل.

تتقدم تونس اليوم في مجال الحقوق الإنسانية وتخطو خطوةً مهمةً جدًّا نحو بناء إنسان لا يشكل الكبتُ الجنسي لديه أيةَ مشكلة؛ إذ تفكر خارجَ إطار التابويات السائدة، وتمنح الإنسان حقَّ اختيار الحياة التي يريد وتمكِّنه من اتخاذ قرار الموافقة أو الرفض فيما يخص حياته الجنسية والعاطفية، وعلى الرغم من ريادتها بذلك في العالم العربي؛ فإنَّ هذه الخطوة تأتي متأخرةً بالنسبة للإنسان في أنحاء العالم؛ إذ تعود الدراسات فيما يخص إدخال التربية الجنسية في المناهج المدرسية وتنفيذ ذلك إلى القرن العشرين.

وأنتم ما رأيكم؟ ألا تعتقدون أنَّ الوقت قد حان لذلك؟!

مصادر المقال:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا