الفنون البصرية > مدارس الفن

مدرسة "الباربيزون" ورسامو الطبيعة الفرنسيون

  ما هي مدرسة الباربيزون Barbizon؟

مدرسة الباربيزون هي حركة الرسم والتصوير الفرنسية في منتصف القرن التاسع عشر(بين عامي 1846 و1900)، وهي جزء من اتجاه فني أوروبي كبير جنح نحو الطبيعية في الفن -ومصطلح الطبيعية هنا يعني التماثل مع الواقع- وقد ساهمت هذه المدرسة لاحقاً كثيراً في تأسيس الحركة الواقعية في رسم المشاهد الطبيعية الفرنسية.

استمدت مدرسة الباربيزون اسمها من قرية الباربيزون (Barbizon) الفرنسية الموجودة على طرف غابة فونتينبلو (Fontainebleau) الكبرى بالقرب من باريس، حيث استقر فيها رواد هذه المدرسة تيودور روسو Theodore) Rousseau) عام 1846، و جان فرانسوا ميليه (Jean-Francois Millet) عام 1849 وذلك بسبب الفقر وعدم النجاح. جذب هذان الفنان مجموعة كبيرة من رسامي المناظر الطبيعية والحيوانات. وانتقل العديد من هؤلاء الفنانين للسكن في قرية الباربيزون، وبعضهم الآخر كان فقط يزور هذه القرية أحياناً.

على الرغم من أن فناني مدرسة الباربيزون تأثروا بالحركة الرومانسية، وذلك تجلى في البحث عن العزاء في الطبيعة، إلا أنهم ابتعدوا عن رسم المشاهد الميلودرامية التي اشتهرت بها المدرسة الرومانسية (والميلودراما هي كل ما هو مبالغ به ومفرط في العاطفة). وابتعد فنانو مدرسة الباربيزون عن التقاليد الأكاديمية الكلاسيكية التي استخدمت المشاهد الطبيعية مجرَّد خلفيات لحكايات رمزية تمثيلية أو لسرد القصص التاريخية.

*اللوحة للفنان تيودور روسو Theodore Rousseau بعنوان مرج محاط بحدود من الشجر Meadow Bordered by Trees ألوان زيتية على خشب، عام 1845.

-   حال الفن قبل نشوء هذه المدرسة وأسباب نشأتها :

كان رسم المناظر الطبيعية، في أوائل القرن التاسع عشر في فرنسا، محدوداً جداً ويكاد يكون مدعوماً كرمزٍ جمالي من قبل الأكاديمية الفرنسية المحافظة، إذ كان رساموا مدرسة الكلاسيكية الجديدة (Neoclassical) ونحّاتوها مدربون تدريباً صارماً على محاكاة تقاليد فناني عصر النهضة وقوانين فناني الكلاسيكية في العصور القديمة. وبناءً على ذلك، لم يكن لرسم المشاهد الطبيعية شأنٌ له امتيازٌ، حتى إنه في أفضل الأحوال كان من الممكن للفنانين أن يرسموا مشاهد طبيعية مثالية فقط في حال كانت مستوحاة من الشعر القديم.

اتجه بعض الفنانين الذين كانوا تواقين للرسم المباشر من الطبيعة للسفر إلى إيطاليا. هناك، حيث الآثار كانت مغطاة بأشعة شمس البحر الأبيض المتوسط، تجمع هؤلاء الفنانون للرسم المباشر ضمن المنظر الطبيعي. حتى إن احتفظت دراساتهم الخطية بالرسميات والقواعد الجمالية التي تميزت بها مدرسة الكلاسيكية الجديدة، إلا أن تلك التمارين التي عُمِلَ عليها غالباً في الريف المحيط لروما حرَّرت الفنانين من البقاء للرسم داخل الاستديو ودفعتهم لاختبار الطبيعة اختباراً كاملاً لكي يمعنوا النظر جيداً بدلاً من أن ينسخوا وحسب، ولكي يشعروا بدلاً من أن يفكروا ويحللوا.

مهّدَ معرض الفنان الإنجليزي جون كونستابل ( John Constable) -الذي أقامه في صالون باريس عام 1824- الطريقَ لهذا النوع الجديد من الفن في فرنسا. بادر الفنانون بعد ذلك بالخروج في الطقس الحار للعمل في الطبيعة خارج باريس، ورسموا في الحدائق الملكية كحديقة قصر فيرساي وفي المناطق البعيدة من طبيعة البلاد. لم تكن هناك وجهة أكثر شعبية من غابة فونتينبلو وقراها، وتحديداً قرية الباربيزون التي بدأ الفنانون بالسفر إليها عام 1820 مع تأمين إقامتهم واحتياجاتهم في نزل أوبيرج غان (Aubegre Ganne) الذي كان قد تم إنشاؤه حديثاً آنذاك ووفر هذا النزل الإقامة للفنانين الذين  قصدوا الغابات القريبة في الطقس الدافئ، واعتزلوا في الاستوديوهات الباريسية في فصل الشتاء. بعد يوم طويل من الرحلات في الطبيعة، شارك الفنانون أفكارهم وقضايا الرسم التقنية واستمتعوا بصحبة بعضهم في النزل. بعد سنوات عديدة، وبعد أن حجبت الانطباعية حجب هؤلاء الفنانين الرائدين، كان قد أطلق على تلك الفترة من تجمعات وجلسات وأعمال الفنانين آنذاك بمدرسِة الباربيزون Barbizon School.

 

- أسلوب فناني مدرسة الباربيزون وبعض من أعمالهم:

كان لكل فنان من مدرسة الباربيزون أسلوبُه الخاص واهتمامات معينة خاصة، وعلى الرغم من اختلاف عمر الفنانين وتقنيتهم وتدريبهم وأسلوب حياتهم، إلا أنهم تبنوا على نحوٍ جماعي البيئة المحلية في فن التصوير الطبيعي وعلى نحوٍ خاص التضاريس الغنية للأرض والطبيعة في غابة فونتينبلو. تشارك الفنانون في التعرف على الطبيعة هناك وتصويرها موضوعاً مستقلّاً بذاته، وصمموا على عرض أعمالهم في صالون المحافظين Conservative Salon.

كانت رؤيا الفنان روسو تتسم بالحزن، ركز فيها على مساحات واسعة جداً من المناظر الطبيعية والأشجار التي تلوح في الأفق البعيد، وكان له دور قوي في التأثير على الفنانين للرسم في الهواء الطلق، فقد  رسم في كل المناخات حتى في فصل الشتاء. قضى وقت أطول في الرسم خارجاً أكثر من أي من زملائه من الفنانين وغالباً ما كان يقودهم إلى أماكنه المفضلة من الغابة. عاد إلى باريس فقط لتعزيز المبيعات، وقد استنكر التعدي على الصناعة والسياحة في فونتينبلو.

*اللوحة للفنان تيودور روسو Rousseau بعنوان حافة غابة جبل جيرار داخل غابة فونتينبلو The Edge of the Woods at Monts-Girard, Fontainebleau Forest. ألوان زيتية على خشب، عام 1852-1854.

كان جان فرانسوا مييه Jean-Francois Millet الفنان الرئيسي والوحيد من تلك المجموعة الذي لم تعن له المشاهد الطبيعية المجردة من الإنسان، إذ عمل على الكثير من اللوحات التي صورت عمل الفلاحين الذين احتفلوا بنبل الحياة بتعاطفهم مع الطبيعة. 

*اللوحة للفنان Millet بعنوان امرأة مع مجرفة Woman with a Rake ألوان زيتية على لوحة، عام 1856-1857.

كان كاميّ كورو  Camille Corot الأكثر تأثيراً بين جميع  رسامي المشاهد الطبيعية الفرنسية في القرن التاسع عشر. كان دائماً يعود إلى الاستديو للرسم ولمعالجة تجربته المرئية في الطبيعة، وقد ابتعد عن معارضة التوفيق بين القيم الأكاديمية والحرية المكتشفة حديثاً التي عززتها الرؤية والملاحظة المباشرة من الطبيعة.

*اللوحة للفنان Camille Corot بعنوان فونتينبلو، شجر السنديان في Bas-Breau ألوان زيتية على ورق ملصق على خشب، عام 1832-1833.

أكّد كلّ هؤلاء الفنانين، (على الرغم من تأثرهم بالرومانسية) بالتأكيد على الجوانب البسيطة والاعتيادية بدلاً من الجوانب المذهلة والمرعبة أحياناً من الطبيعة. على عكس حال معاصريهم من الفنانين الانجليزيين، لم يكن لديهم اهتماماً كبيراً بتأثيرات سطح اللوحة اللونية والضوئية التي تتغير مع التغيرات الجوية في الطبيعة، فقد أكدوا بدلاً من ذلك على التأثيرات العامة التي تكون شبه دائمة في الطبيعة وصورا أشكالاً مفصلة ودقيقة باستخدام مجموعات محدودة من الألوان.

كانت قرية الباربيزون أكثر من مجرد مكان جغرافي، فقد كانت محفزّاً وعنصراً باعثاً شاملاً هؤلاء الفنانين. كان هذا المكان ملهماً وحاضناً لهم على الرغم من أصابعهم التي كانت تتجمد شتاءً وتحترق في حر الشمس في منتصف النهار الصيفي. أظهر لنا فنانو مدرسة الباربيزون المسار الريفي السريع التلاشي على حقيقته قبل أن يسافر الفنانون الانطباعيون  لهذه الغابة وحقولها حاملين معهم حقائبهم المصنوعة في مصانع، وألوانهم المصنعة من أصباغ جديدة ومعبئة في أنابيب معدنية، وطرقهم الجديدة في الرؤية، عندها لم يكن رسم الطبيعة خاضعاً لتمثيل التاريخ فقط، وإنما كان الرسم هو التاريخ ذاته الذي يُصنع من جديد.

المصادر:

1- هنا

2- هنا