الطب > مقالات طبية

الكشف عن هوية الميكروبات المتورّطة في داء كرون

قد تقدّم الجراثيم (البكتريا) المعوية المفتاح لتشخيص ومعالجة هذا الدّاء المُنهِك.

ربما نتج عن الفهم الأفضل لكيفية تغير النظام البيئي الميكروبي لدى الأطفال الذين يعانون من هذا المرض تشخيصٌ وعلاجٌ أفضل لداء كرون* Crohn's disease، فقد كشفت أكبر دراسة من نوعها ولأول مرة عن أنواع الجراثيم المعوية المتورّطة بالتسبّب بداء كرون الذي يصيب حوالي 700 ألف أمريكي بالإسهال والنزف المزمن والمؤلم، إضافة لمجموعة من الأعراض الأخرى المزعجة للمريض.

كشف مشروع الميكروبيوم البشري Human Microbiome Project أنّ مئات الأنواع الجرثومية تعيش في أمعاء الإنسان. وتختلف الأنواع وغزارتها النسبيّة من شخص لآخر. ويجد الباحثون وبشكل متزايد أنّ التعداد البكتيري غير الطبيعي والمعروف ب dysbiosis** لدى المصاب بداء كرون، موجودٌ أيضاً في أمراض أخرى مثل التهاب المفاصل الروماتيزمي والداء السكّري وربما حتى اضطراب التوحّد.

ركّز البحث الجديد على 668 طفلاً كمشروع للدراسة، وكان يهدف لتطوير أدوات جديدة للتنبّؤ أي من المرضى سوف يطورون حالات متوسطة وأيّهم سيصاب بحالات حادّة من المرض، وللكشف عن المعالجات الأكثر نفعاً.

أخذ الباحثون خزعات معوية وعيّنات من البراز لأشخاص يافعين تم تشخيص الداء لديهم حديثاً في 28 مركزاً تتوزع في الولايات المتحدة، وتمّت مقارنة هذه العينات مع عينات أشخاص أصحّاء. كشفت هذه العيّنات عن وجود أو غياب فصائل بكتيرية محدّدة لدى مرضى كرون، وعن التوافر النسبي لها في حال وجودها.

بعض الميكروبات تمّ ربطها بداء الأمعاء الالتهابي؛ وهو مصطلح عام يشير إلى كل من داء كرون والتهاب الكولون التقرّحي، كما ارتبطت فصيلة بكتيرية واحدة بالإصابة بسرطان الكولون والمستقيم (من المضاعفات طويلة الأمد لمرض داء الأمعاء الالتهابي).

وواحد من الميكروبات التي وجدت لدى الأصحّاء كانت معروفة مسبقاً بأنها مضادة للالتهابات، وتميل لتكون قليلة أو معدومة لدى المرضى الذين تتكرّر لديهم الإصابة بداء كرون بعد العمل الجراحي.

يقول الباحث المشرف على الدراسة من مستشفى ماساتشوستس أنّ هذه الميكروبات ربما كانت فقط هي أنواع استطاعت الازدهار في الأمعاء المصابة بالمرض أو السليمة.

وفي كلتا الحالتين، لهذه الميكروبات قيم تنبّؤيّة كعلامات لأغراض التشخيص، وقد طوّر الفريق صيغةً لحساب "مؤشّر التعداد الميكروبي غير الطبيعي" microbial dysbiosis index استناداً إلى جميع الأنواع الموجودة عند بداية المرض، حيث يدل هذا المؤشر على الأفراد المصابين بداء كرون وعلى المرضى الذين لديهم معدّلات عالية ليصابوا بأسوء حالات المرض.

وهذا المؤشر هو إضافة قوية لتقنيات تشخيص المرض الأخرى مثل الاختبارات الوراثية واختبار الواسمات الحيوية biomarkers الموجودة في الدم***. وتساعد الدراسة أيضاً في تفسير لماذا تفشل الصادّات الحيوية (الأنتي بيوتيك) غالباً في علاج حالة داء كرون؛ بل أنّ إعطاء الصادّات الحيوية للمرضى يجعل خلل التوازن الميكروبي أكثر وضوحاً مما هو عند من لا يتناولون هذه الأدوية.

وقد يكون من الجيد إعطاء المرضى هذه البكتريا النافعة وخصوصاً البروبايوتيك (مصطلح يشير إلى الأنواع الجرثومية النافعة الموجودة بالأمعاء) مما يسهّل على الجراثيم البقاء باستمرار في الأمعاء.

وهناك أيضاً تقنيّة أخرى تدعى بزرع الميكروبات البرازيةfecal microbial transplantation حيث يتلقّى المصابون جرعة من الميكروبات من متبرّع سليم بواسطة حقنة شرجيّة أو تنظير للكولون، حيث نجحت هذه التقنيّة مع مصابين باضطرابات هضمية أخرى، وتحديداً العدوى بجرثومة المطثية العسيرة Clostridium difficile.

يقول الباحثون أن الدراسات الجينية تقدّم فكرة أنّ العديد من المورثات المرتبطة بداء كرون هي المسؤولة عن تعرُّف الجهاز المناعي على الميكروبات مما يدّل على عوز الجهاز المناعي لدى المرضى للوسائل الأساسيّة اللازمة إمّا لتغذية البكتريا النافعة أو لكبح البكتريا الضارّة، ومن الممكن أن يتم تطوير المركبات التي تنتجها هذه الميكروبات لصنع أدوية تؤثر في تعداد البكتريا في الأمعاء.

الهوامش:

*يعرف أيضاً باسم (الورم الحُبيبي الالتهابي الهضمي المزمن).

**السابقة dys تعني خلل أو شذوذ، واللاحقة biosis تشير إلى الحياة أو الكائنات الحية.

***يُقصد بالواسمات الحيوية جزيئات معينة يعني وجودها في الدم على الإصابة بمرض ما، حتى بغياب الأعراض أو العلامات النوعية للمرض.

المصدر: هنا

مصدر الصورة: CDC