الكيمياء والصيدلة > علاجات صيدلانية جديدة

الطب المشخصِن خيالٌ علمي أم مستقبلٌ قريب؟

علم الأدوية الجينومي علمٌ يدرس تأثير الفروقات الجينية بين الأفراد في فعالية الدواء لديهم، ويُعدُّ هذا المجال حديثًا نسبيًّا؛ إذ يجمع بين علم تأثير الأدوية (Pharmacology) وعلم الجينوم الكلي (Genomics) الذي يدرس تسلسل الجينات ووظائفها، وذلك للحصول على أفضل دواء وبالجرعة المناسبة التي تتوافق مع التركيب الجيني للمريض؛ لتحسين فعالية هذا الدواء وتقليل الآثار الجانبية الناتجة عنه.

واستُخدِم مصطلح pharmacogenomics أواخر تسعينيات القرن الماضي، فقد كان العمل في مجال علم الأدوية الجيني قبلها، والذي يدرس تأثير الاختلاف في تسلسلات الدنا (DNA sequence) عند الفرد في الاستجابة للدواء.

أما علم الأدوية الجينومي، فيهتم بدراسة اختلاف التعبير الجيني وعلاقته بالحساسية للإصابة بالأمراض واستجابة الفرد للدواء على المستوى الخلوي أو النسيجي أو على مستوى الأفراد أو الجماعات. 

ويصعب تحديد طبيعة استجابة المرضى للدواء بين من سيتأثر بالجرعة فعلًا، ومن لن يستجيب مطلقًا، أو الذين ستتطور لديهم آثار جانبية للدواء (Adverse drug reactions (ADRs. 

ويُعدُّ تطور بعض الآثار الجانبية للدواء من العوامل المهمة المؤدية إلى الوفاة لدى المرضى الذين يتلقون العلاج في المشافي، أما في حال كان لدى الطبيب معرفة بطبيعة استجابة المريض لدوائه؛ فيمكن تجنُّب العديد من حالات الوفيات التي تحدث حينها، ولصعوبة ذلك في الوقت الحالي؛ فلا تزال الشركات الدوائية تعتمد مبدأ "one size fits all" في تطوير الأدوية؛ أي إنَّ الدواء يُعطى بالجرعة التي يستجيب لها شخص معتدل، ولكنَّ الإحصائيات تبيِّن أنَّ اعتماد هذا المبدأ لا يعطي نتائج مرجوة في العديد من الحالات. 

وبسبب الفوائد الكثيرة لتطبيق هذا العلم في المجالات السريرية؛ فلا بد أنَّنا نتساءل عن مدى تطبيقه في الوقت الآني.

وتكمن الإجابة في معرفة الطب المشخصِن Personalized medicine وهو الابتعاد عن اتباع مبدأ one size fits all؛ والعمل على اختيار دواء يناسب كل مريض على حدةٍ، وعدم تطبيقه بالشروط نفسها على مريض آخر، وذلك اعتمادًا على التسلسل الجيني للفرد؛ إذ يسمح باختيار دواء ملائم بجرعة صحيحة، ولذلك فإنَّ علم الأدوية الجيني أو الجينومي يُعدُّ جزءًا من الطب المشخصِن، وتطبيقاتهما تدخل ضمنه مباشرةً.

ومن الأمثلة التطبيقية البسيطة؛ يُستخدَم دواء thiopurine لعلاج بعض اضطرابات المناعة الذاتية (كداء كراون أو التهاب المفاصل الروماتيدي)، وبعض أنواع السرطانات كابيضاضات الدم أيضًا.

وللتخلص من الدواء بعد أن يُنجِز الفعالية يدرِّكه أنزيم (thiopurine methyltransferase (TPMT.

ومنه؛ فالمرضى ممَّن يعانون عوز هذا الأنزيم لا يستطيعون التخلص من الدواء بالسرعة الكافية كباقي المرضى؛ وهذا يؤدي إلى تراكم زيادة كبيرة من تراكيز الدواء في الجسم ينتجُ عنها زيادة خطر حدوث آثار جانبية؛ مثل أذى نقي العظم (تسمم دموي hematopoietic toxicity).

وتأتي إمكانية الاعتماد هنا على الاختبار الجيني لمعرفة وجود العوز الأنزيمي أو عدم وجوده، وعليه تتحدَّد الجرعة المناسبة لإعطائها للمريض أو حتى استخدام دواء مختلف بديلًا. 

وتأتي أهمية هذا العلم الحديث نسبيًّا من فوائده الكثيرة التي تسهم في تطوير العلاجات وعملية الرعاية الصحية، ولعلَّ أهمها:

1- تطوير أدوية أكثر فعالية:

فالشركات الدوائية ستتمكن من تطوير أدوية بالاعتماد على البروتينات أو الأنزيمات أو جزيئات RNA التي ترتبط بالجينات والأمراض.

2- وَصْف أدوية أفضل وأكثر أمانًا وبجرعة صحيحة من أول مرة:

يُسهِّل اختيار الدواء المناسب للشخص المناسب وبجرعة مناسبة وذلك بالاعتماد على التسلسل الجيني الخاص بالفرد (Genetic Profile).

3- تطوير آليات تقصِّي الأمراض وإنتاج لقاحات أفضل.

4- تحسين عمليات اكتشاف الأدوية والموافقة عليها.

5- تخفيض تكاليف الرعاية الصحية؛ إذ إنَّه يساهم في تقليل الآثار الجانبية عن الأدوية، وعدد التجارب الدوائية الفاشلة، والوقت الذي يلزم للموافقة على الدواء، والمدة التي يلتزم بها المريض بالدواء، وكذلك الفشل في العثور على الدواء المناسب، ويُقلَّل من تأثير المرض على الجسم عن طريق الكشف المبكر أيضًا. 

وما زال علم الأدوية الجينومي في مراحله المبكرة، وما زال استخدامُه مقتصرًا على التجارب السريرية، ولكنَّه يَعِد -مستقبلًا- بتطوير أدوية فعَّالة لعديدٍ من المشكلات الصحية، ومناسبةٍ للمريض؛ كالأمراض القلبية الوعائية والألزهايمر وعوز المناعة المكتسب AIDS والسرطان والربو أساسًا. 

المصادر:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا